آخر الأخبار

تحول معبر نصيب من ثكنة عسكرية إلى بوابة سوريا الإقليمية

شارك

دمشق ـ على امتداد سنوات الحرب في سوريا ، ارتبط اسم معبر نصيب الحدودي بين سوريا والأردن بمشاعر الخوف والقلق لدى السائقين والمسافرين، إذ كان أشبه بثكنة عسكرية تطغى عليها المخاوف من الاعتقال أو الابتزاز.

لكن هذا المشهد تبدل بعد سقوط نظام بشار الأسد ، لتبدأ مرحلة من التغييرات الجذرية والإجراءات التطويرية التي أعادت للمعبر حيويته ودوره كأحد أهم المنافذ البرية في المنطقة، وكرست مكانته كبوابة للتواصل التجاري والبشري بين سوريا ودول الجوار.

ويقول عبيدة أبو قويدر، أحد المسافرين عبر المعبر، للجزيرة نت: "خلال الأشهر الأخيرة لمسنا فرقا كبيرا في معبر نصيب مقارنة بالسنوات الماضية؛ إجراءات العبور باتت أسرع بكثير، ولم يعد المسافر يواجه التأخير أو الازدحام المعتاد، كما أن الموظفين أصبحوا أكثر لطفا في التعامل، والمعاملات تُنجز من دون أسئلة إضافية أو مضايقات كما كان يحدث سابقا".

مصدر الصورة مجسم أقيم مؤخرا في معبر نصيب الحدودي (الجزيرة)

نقلة نوعية

ويضيف أبو قويدر أن الخدمات المقدمة داخل المعبر شهدت نقلة نوعية، إذ تحسنت نظافة المرافق العامة، وتوفرت خدمة الإنترنت المجاني بما يتيح للمسافر التواصل مع أهله فور وصوله، فضلا عن الاهتمام بإنشاء أماكن مخصصة للأطفال وألعاب لهم، وتنظيم حركة الدخول والخروج عبر تقسيم الدور بين الأفراد والعائلات.

ويرى أبو قويدر حديثه بالقول إن هذه التفاصيل "قد تبدو بسيطة، لكنها بالنسبة للمسافرين بالغة الأهمية، لأنها تقدم صورة جديدة عن سوريا من خلال أهم بواباتها البرية".

ويلمس أي شخص قادم من دولة عربية أو أوروبية الفرق الكبير، ويخرج بانطباع أن هناك اهتماما حقيقيا بالخدمات والناس، وهو تطور إيجابي طال انتظاره، حسب تعبير أبو قويدر.

مصدر الصورة أماكن لاستراحة المسافرين داخل معبر نصيب (الجزيرة)

ثكنة عسكرية

وسيم الكراد، أحد العاملين على خط دمشق عمّان، يروي للجزيرة نت أن المعبر قبل سقوط النظام لم يكن معبرا بالمعنى الحقيقي للكلمة، بل "ثكنة عسكرية" تثقل كاهل السائقين والمارين، لكنه اليوم، كما يقول، "بات من بين أفضل المعابر في الشرق الأوسط من حيث التعامل وتيسير أمور الركاب".

إعلان

ويشير الكراد إلى أن أبرز المشاكل في الماضي كانت الخوف من الاعتقال المفاجئ، خاصة للسائقين الذين ارتبطت أسماؤهم بالنشاط الثوري أو وردت في قوائم المطلوبين للأجهزة الأمنية. كما كان موظفو المعبر يلجؤون إلى ذرائع واهية مثل "انقطاع الإنترنت" للضغط على السائقين والمسافرين ودفعهم إلى الرشوة.

ويضيف أن الصورة اليوم تغيرت بشكل كبير رغم وجود بعض "التصرفات الفردية" من موظفي الجمارك أثناء التفتيش، إذ أصبحت الإجراءات أكثر سلاسة والانطباع العام غدا إيجابيا.

مصدر الصورة عدد من المسافرين القادمين من الأردن (الجزيرة)

نموذج للتطوير

ويوضح مدير العلاقات في الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية مازن علوش، للجزيرة نت، أن التحديات التي واجهت عملية إعادة تنظيم وتطوير معبر نصيب كانت معقدة ومركبة، فالبنية التحتية تضررت بشكل واسع نتيجة سنوات الحرب وغياب التجهيزات التقنية.

وبيّن أن التطوير تطلب أيضا إعادة تأهيل الكوادر البشرية بما يتناسب مع حجم المهام الجديدة، إضافة إلى تجاوز التحديات اللوجستية المرتبطة بضغط حركة العبور واستمرار العمل من دون توقف خلال تنفيذ المشاريع.

ويشير علوش إلى أن النظام الجديد يقوم على مبدأ "الشباك الواحد" لتسريع الإجراءات الجمركية والإدارية، مع تفعيل الربط الإلكتروني مع الإدارة المركزية، وتحديث صالات المسافرين، وتوسيع ساحات الشحن، وإدخال تجهيزات تفتيش متطورة.

مصدر الصورة صالة القادمين ويظهر مجسم لخريطة سوريا ركّب قبل أيام (الجزيرة)

أرقام تعكس التحول

بحسب علوش، فإن تطوير المعبر أدى إلى تسهيل انسياب البضائع وتقليص زمن العبور وخفض تكاليف النقل، وهو ما أسهم في تنشيط التبادل التجاري وزيادة حركة القطاعات الاقتصادية داخل سوريا.

وتظهر الأرقام حجم التحول، إذ ارتفع متوسط مرور الشاحنات من نحو 500 شاحنة يوميا قبل التطوير إلى أكثر من 800 شاحنة، بينما قفز عدد المسافرين من حوالي 3 آلاف إلى أكثر من 12 ألفا يوميا.

ويرى علوش أن تجربة معبر نصيب ليست سوى خطوة أولى ضمن مشروع وطني أوسع لإعادة رسم صورة المعابر السورية. وتقوم الرؤية الحكومية على الدمج بين إعادة تأهيل البنية التحتية وتحديث الأنظمة الإدارية وتطوير الخدمات، بما يجعل المنافذ بوابات عبور آمنة وفعالة تتماشى مع المعايير الدولية.

ويضيف: "لقد أثبتت تجربة نصيب أن التطوير ممكن إذا توفرت عناصر أساسية في مقدمتها التخطيط الدقيق، والاعتماد على كوادر مدربة، وتطبيق أنظمة حديثة في التفتيش والجمارك. نحن ننظر إلى هذه التجربة كنموذج يمكن تعميمه على بقية المعابر، بما يرسخ موقع سوريا كممر تجاري إقليمي، ويعزز حضورها في شبكات النقل الدولية".

مصدر الصورة مدخل معبر نصيب من جهة الأردن (الجزيرة)

انعكاسات اقتصادية

فيصل العبيدات، تاجر أردني عايش المعبر في مرحلتي الحرب وما بعدها، يصف -للجزيرة نت- الفارق الكبير: "في السابق كانت تجربتنا مملوءة بالتحديات، من طول الانتظار وتعقيد الإجراءات وارتفاع الرسوم، إلى القلق الدائم من الوضع الأمني. أما اليوم فالوضع مختلف تماما".

ويؤكد العبيدات أنه لمس تحسنا واضحا في سرعة الإجراءات وسلاسة التخليص الجمركي، وهو ما ساعد على تقليل زمن العبور وخفض التكاليف، فضلا عن جعل الرسوم الجمركية أكثر تنافسية.

إعلان

ويرى أن هذه التطورات انعكست إيجابا على نشاطه التجاري، إذ بات بإمكانه التعامل بسرعة مع السوق السورية والأسواق الأخرى عبر سوريا، مما فتح أمامه فرص تعاون أوسع مع شركاء جدد.

وعن الخدمات داخل المعبر، يوضح التاجر الأردني أن الأجواء تشبه "المعابر الأوروبية"، من صالات مكيفة وشبكات إنترنت مجانية، إلى برادات مياه موزعة في كل مكان، وتصاميم مريحة لأماكن الجلوس، إضافة إلى المساحات الخضراء والورود التي تبعث شعورا بالترحيب.

كما لفت إلى وجود مجسمات داخل المعبر جذبت السوريين العائدين بعد سنوات من الغياب، حيث التقط كثير منهم صورا تذكارية بجانبها بملامح فرح واضحة.

يعكس التحول الذي شهده معبر نصيب ملامح مرحلة جديدة في جنوب سوريا، إذ لم تقتصر التغييرات على البعد اللوجستي فقط، بل شملت أبعادا سياسية واقتصادية أوسع. فالمعبر لم يعد مجرد نقطة عبور، بل تحول إلى منصة لإعادة وصل سوريا بجوارها، وإلى رافعة لبناء الثقة بين المواطن السوري ومؤسسات الدولة.

ويرى مراقبون أنه رغم بقاء التحديات الأمنية والإدارية، فإن نجاح تجربة نصيب قد يشكل مؤشرا على قدرة السلطات السورية على إدارة معابرها بأسلوب أكثر احترافية وتنافسية، بما يعزز فرص البلاد في استعادة دورها كممر تجاري إقليمي وتخفيف آثار العزلة التي فرضتها سنوات الحرب.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا