آخر الأخبار

اتفاق الرياض وإسلام آباد.. تحالف يغيّر موازين المنطقة

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع استراتيجي مشترك

في لحظة مشحونة إقليميا ودوليا، وقّعت المملكة العربية السعودية وجمهورية باكستان الإسلامية اتفاقية للدفاع المشترك وُصفت بأنها خطوة تاريخية تحمل أبعادًا استراتيجية عميقة.

الاتفاقية لم تأتِ من فراغ، بل جاءت امتدادًا لعلاقات تمتد لأكثر من 8 عقود بين البلدين، لكنها في الوقت الراهن تكتسب أهمية إضافية، كونها تُرسل رسائل متعددة المستويات إلى الإقليم والعالم.

اعتبر المحلل الخاص لسكاي نيوز عربية علي جمالو خلال حديثه إلى غرفة الأخبار على سكاي نيوز عربية، أن الشراكة بين السعودية و باكستان خطوة هامة في ظل التطورات المتسارعة بالمنطقة.

وقال إن الاتفاقية تمثل أرضية لمشروع الأمن القومي العربي، مشيرا إلى أن العلاقات بين الرياض وإسلام آباد ذات جذور تاريخية تعود إلى نحو 80 عاما.

ورأى جمالو أن التوقيع في هذا التوقيت ليس تفصيلا ثانويا، فباكستان دولة نووية، وهذا يضفي على الاتفاق ثقلا إضافيا في ميزان الردع.

وأوضح أن ما تشهده المنطقة من "عربدة في الدوحة" و" الإبادة في غزة" يستوجب تضمين العلاقة السعودية الباكستانية ضمن استراتيجيات الأمن العربي.

وأكد أن الاتفاق ليس مجرد ردة فعل آنية بل هو تعبير عن سياسة سعودية حذرة بعيدة عن الانفعال، تسمح بتنويع مصادر القوة.

وأضاف أن التوازن الاستراتيجي الذي تسعى المملكة لتأكيده لا يقتصر على مواجهة بندقية بأخرى، بل يشمل توازنا في القوى عبر محاور متعددة.

وخلص جمالو إلى أن الاتفاقية تحمل رسالة واضحة: أمن الخليج خط أحمر.

اتفاق لم يأتِ من فراغ

من جهته، شدد الوزير الأردني السابق مهند مبيضين، على أن توقيع هذه الاتفاقية لا يمكن النظر إليه كخطوة عابرة، بل هو نتاج مسار طويل من العلاقات الاستراتيجية العميقة.

وذكّر بأن الملك عبد الله بن عبد العزيز زار باكستان خمس مرات، وأن الملك سلمان زارها مرتين أميرا وملكا، ما يعكس حجم الاهتمام المتواصل.

وقال مبيضين إن العلاقات الثنائية لطالما شهدت بروتوكولات واتفاقيات، لكن ما يميز الخطوة الأخيرة أنها تأتي ضمن سياق مغاير تماما، في ظل التحولات التي يشهدها الإقليم.

وأوضح أن الرادار السعودي يقرأ بعناية المهددات الإقليمية ويعيد ترتيب التحالفات وفق حسابات دقيقة.

وأشار إلى أن الاتفاقية الحالية ليست ردًا مباشرًا على إسرائيل، لكنها انعكاس لحالة القلق العام في المنطقة. وأضاف أن "الرادار السعودي" يضع أسلاكه في الاتجاهات التي تؤمن الاستقرار، ليكون جاهزًا في حال أي تهديد للأمن.

انزعاج أميركي وتبدل في التحالفات

من جهته، كشف مراسل سكاي نيوز عربية في واشنطن، هشام بورار أن البيت الأبيض تحرك للحصول على تعليق رسمي حول الاتفاق، لكن الرئيس الأميركي لم يكن متواجدا في واشنطن لوجوده في زيارة لبريطانيا.

وأوضح أن الرئيس دونالد ترامب أبدى مسبقًا انزعاجه من توجه الهند نحو روسيا و الصين بعد مشاركتها في قمة جمعت قادة هذه الدول مع كوريا الشمالية.

وأرجع ذلك إلى سياسات تجارية أميركية كبدت الهند خسائر، مثل فرض تعريفات جمركية مرتفعة.

ورأى بورار أن الاتفاقية الجديدة تضيف ضغطا إضافيا على الإدارة الأميركية التي تخشى إعادة اصطفاف القوى في الشرق الأوسط بعيدا عن مظلتها التقليدية.

ولفت إلى أن البيت الأبيض، رغم محاولاته تسريع اتفاقيات دفاعية مع شركاء آخرين مثل قطر، يواجه أزمة ثقة متنامية مع دول المنطقة التي تبحث عن بدائل أكثر موثوقية.

تحالف صلب ورسالة في لحظة سيولة

أضاء المستشار السابق في وزارة الخارجية السعودية، سالم اليامي على البعد الأعمق في الاتفاق، معتبرًا أنه استدعاء لتاريخ طويل من الثقة المتبادلة.

وقال إن المملكة تملك علاقات عسكرية مع أطراف عدة، أبرزها الولايات المتحدة، لكن التغيرات الإقليمية دفعت الرياض إلى البحث عن الشريك الأكثر موثوقية.

وأوضح اليامي أن التعاون مع باكستان ليس جديدا، لكنه اليوم يكتسب صفة الشمولية، إذ ينص على أن أي اعتداء على أحد الطرفين يعد اعتداءً على الآخر. واعتبر أن هذا البند يضع البلدين في بوتقة واحدة، ويجعل الاتفاقية بمثابة أحد "صمامات الأمان" في المنطقة.

وأشار إلى أن الاتفاقية تأتي في سياق ما وصفه بـ"السيولة غير المسبوقة" التي تعيشها المنطقة، في ظل انفلات إسرائيلي منذ 1948.

ورأى أن هذا الوضع يعيد الجميع إلى الجذور بحثا عن صيغ تحالفية صلبة. وأكد أن الاتفاق يعكس استعدادًا سعوديًا لاحتمالات مفتوحة، في ظل غياب الثقة بالتصريحات والوعود الدولية.

أبعاد نووية وتجارية وتكنولوجية

من إسلام آباد، اعتبر الباحث السياسي عبد الرحمن الصالحي أن الاتفاقية منحت باكستان دفعة قوية لتأكيد مكانتها ضمن المنظومة الإسلامية والعربية.

وأوضح أن باكستان، كدولة نووية، تشكل عنصر ردع استراتيجي مهم، وأن الاتفاق مع السعودية يعزز من حضورها السياسي والاقتصادي.

وأشار الصالحي إلى أن لباكستان قدرات تصنيعية وعسكرية، وأن الاتفاق سيفتح الباب أمام تطوير التكنولوجيا الدفاعية ضمن إطار التعاون الإسلامي.

وأضاف أن الأبعاد الاقتصادية والدبلوماسية لا تقل أهمية عن البعد العسكري، إذ تمنح الاتفاقية باكستان مجالًا لتعزيز شراكاتها التجارية مع الخليج.

كنه في الوقت نفسه حذر من مخاطر محتملة، أبرزها التدخل الأميركي أو الغربي في تفاصيل تنفيذ الاتفاق، مثل طبيعة القوات المشتركة أو مركز القيادة المحتمل.

كما لفت إلى احتمال أن تؤدي التوترات الباكستانية الهندية إلى تعقيد المشهد.

رسائل الاتفاقية.. بين الردع والبحث عن الموثوقية

من خلال تصريحات الخبراء والمحللين، يمكن قراءة الاتفاقية السعودية الباكستانية على أنها تحمل مجموعة رسائل أساسية:


* تعزيز الردع الإقليمي: الاتفاقية تضع قوة نووية إسلامية إلى جانب المملكة، ما يخلق توازنا جديدا في وجه التهديدات.
* إعادة تعريف التحالفات: الرياض تقول بوضوح إنها تملك بدائل خارج المظلة الأميركية التقليدية.
* تحصين أمن الخليج: تأكيد متجدد أن أمن الخليج خط أحمر لا يمكن تجاوزه.
* رسالة إلى إسرائيل: في ظل التطرف الإسرائيلي وتجاوز الخطوط الحمراء، الاتفاقية تعني أن الرياض قادرة على إعادة التوازن.
* إعادة الاعتبار للمشروع العربي: الاتفاقية ليست دفاعية فقط، بل إحياء لفكرة العمل العربي-الإسلامي المشترك.

البعد الدولي.. إعادة تشكيل المعادلات

الاتفاقية لا يمكن قراءتها بعيدًا عن المشهد الدولي الأوسع. فالتوترات بين الولايات المتحدة والهند، ومحاولات واشنطن الحفاظ على إسرائيل كحليف رئيسي، كلها عوامل تجعل من أي تحرك سعودي باكستاني حدثًا له وقع ثقيل في واشنطن.

إدارة الرئيس الأميركي تواجه مأزقا، فهي من جهة تخشى فقدان حلفائها التقليديين لصالح روسيا أو الصين، ومن جهة أخرى تجد نفسها في خلافات متزايدة مع إسرائيل، باستثناء ملفات محدودة. هذا الوضع يدفع دول الخليج إلى إعادة تموضعها بحثًا عن شركاء أكثر موثوقية.

بين السلام والقوة.. معادلة سعودية مزدوجة

ما يجدر التوقف عنده أن الاتفاقية تأتي في وقت تعمل فيه المملكة على خطين متوازيين:


* الأول هو خط تعزيز القوة والتحالفات الدفاعية كما يظهر في الاتفاق مع باكستان.
* الثاني هو خط الدفع السياسي نحو السلام، لاسيما عبر دعم حل الدولتين.

هذا التوازن بين الردع والدبلوماسية يمنح السعودية موقعًا محوريًا في إعادة صياغة المشهد الإقليمي.

اتفاقية الدفاع المشترك بين السعودية وباكستان ليست مجرد بروتوكول عسكري جديد، بل هي إعلان عن مرحلة مختلفة في الحسابات الإقليمية والدولية.

هي خطوة تعكس رغبة الرياض في تنويع مصادر القوة والبحث عن الشركاء الأكثر موثوقية وسط سيولة غير مسبوقة، وفي الوقت نفسه تذكير بأن أمن الخليج هو الخط الأحمر الذي لا يمكن تجاوزه.

الرسالة إلى واشنطن وتل أبيب واضحة: السعودية لا تنسحب من مشروع السلام، لكنها تملك أوراق القوة التي تعيد التوازن إن لزم الأمر. أما لإسلام أباد، فهي عودة إلى دور مركزي في معادلات المنطقة، كقوة نووية إسلامية تجد في الشراكة مع المملكة رافعة استراتيجية.

في لحظة حرجة، تبدو هذه الاتفاقية بمثابة استثمار في المستقبل، ورسالة ردع، ودعوة للتوازن، وكلها معًا ترسم ملامح مرحلة جديدة في الخليج والعالم العربي.

سكاي نيوز المصدر: سكاي نيوز
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا