في 15 سبتمبر/أيلول 1963، انتُخب أحمد بن بلة رئيساً للجزائر، ليصبح أول رئيس للبلاد بعد استقلالها عن فرنسا.
وكان بن بلة قد تولى قيادة الجزائر منذ الاستقلال عام 1962، قبل أن يُطاح به في انقلاب عسكري قاده وزير دفاعه آنذاك هواري بومدين عام 1965.
فمن هو أحمد بن بلة؟ وما قصته مع الثورة والاستقلال ثم الحكم والإطاحة؟
وُلد أحمد بن بلة في 25 ديسمبر/كانون الأول 1916 بمدينة مغنية في الجزائر، حيث تلقى تعليمه الأولي، بحسب دائرة المعارف البريطانية.
ويُعدّ بن بلة أحد أبرز قادة حرب الاستقلال ضد الاستعمار الفرنسي، إذ كان واحداً من ستة زعماء رئيسيين يُذكرون في تاريخ الجزائر ضمن الكفاح من أجل التحرر. كما أصبح أول رئيس وزراء للبلاد بعد الاستقلال، وقاد الجزائر في بداياتها نحو نهج اقتصادي اشتراكي.
ينتمي بن بلة إلى عائلة مزارعين أصولها من المغرب، وكان والده مزارعاً ورجل أعمال متواضع في مغنية بولاية وهران. هناك أنهى دراسته المبكرة في المدرسة الفرنسية، ثم واصل تعليمه في مدينة تلمسان المجاورة، حيث اختبر لأول مرة التمييز العنصري، كما بدأ يقترب من أوساط الحركة القومية الناشئة آنذاك.
جُنّد أحمد بن بلة في الجيش الفرنسي عام 1937، وشارك في الحرب العالمية الثانية، حيث حصل على وسام "كروا دو غير" (صليب الحرب) عام 1940، والميدالية العسكرية عام 1944، ورُقّي لاحقاً إلى رتبة ضابط.
غير أنّ تجربته في الحرب، التي خاضها ضابطاً تحت راية الجيش الفرنسي، زادت من رفضه للحكم الاستعماري، خاصة بعد أحداث 8 مايو/أيار 1945، حين قُتل آلاف الجزائريين في مدن سطيف وقالمة وخراطة على أيدي القوات الفرنسية.
وعقب عودته إلى مسقط رأسه في مغنية، استأنف بن بلة نشاطه القومي، متحدياً مصادرة السلطات الفرنسية لمزرعته، وانتُخب مستشاراً لبلدية مغنية عام 1947. لكن تزوير الانتخابات في العام التالي من قبل الحاكم الفرنسي مارسيل إدموند نايغلين دفعه إلى فقدان الثقة بالمسار الديمقراطي، ليغادر بلدته وينضم إلى الحركة السرية التي كان يقودها الزعيم مصالي الحاج.
أسّس أحمد بن بلة مع عدد من رفاقه في حزب مصالي الحاج منظمة سرية أطلق عليها اسم "المنظمة الخاصة"، كانت بمثابة جناح شبه عسكري يهدف إلى الاستعداد لحمل السلاح بأسرع وقت ممكن ضد الاستعمار الفرنسي.
وفي أبريل/نيسان 1949، قاد بن بلة غارة على مركز البريد الرئيسي في مدينة وهران لتمويل الأنشطة الثورية، وهو ما عزّز مكانته بين الجزائريين ورفع أسهمه كأحد القادة البارزين في الحركة الوطنية.
غير أنّه اعتُقل عام 1950 وسجن في منطقة البليدة، لكنه تمكّن بعد عامين من الهرب، ليستأنف نشاطه السياسي والعسكري من جديد.
بعد فراره من السجن، توجّه أحمد بن بلة إلى القاهرة التي أصبحت قاعدة للثوار الجزائريين في الخارج. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1954، شارك في اجتماعات سرّية بين قادة الحركة الوطنية في مصر ونظرائهم داخل الجزائر، حيث اتُّخذ قراران حاسمان: إنشاء جبهة التحرير الوطني، وإطلاق الانتفاضة المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي، وهي الحرب التي استمرت ثماني سنوات.
لعب بن بلة دوراً سياسياً بارزاً في قيادة الجبهة، كما أشرف على تنظيم عمليات تهريب الأسلحة إلى الجزائر. وفي عام 1956، نجا من محاولتي اغتيال، إحداهما في القاهرة والأخرى في طرابلس الليبية.
وفي 22 أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، اختطفت مقاتلات تابعة لسلاح الجو الفرنسي طائرة مغربية كانت تقلّه من الرباط إلى تونس، برفقة أربعة من رفاقه هم: محمد بوضياف، حسين آيت أحمد، رابح بيطاط ومصطفى لشرف. وكانوا في طريقهم للمشاركة في محادثات مع رئيس الوزراء الفرنسي غي مولييه بشأن شروط السلام، لتضع هذه الحادثة حداً مفاجئاً لأحد أهم مسارات الوساطة في تلك المرحلة.
هبطت الطائرة في مطار الجزائر العاصمة، حيث ألقي القبض على بن بلة ورفاقه فوراً، وأودعوا السجن. وبقي محتجزاً لما يقرب من ست سنوات، حتى توقيع اتفاقيات إيفيان عام 1962 التي مهدت الطريق لنيل الجزائر استقلالها عن فرنسا.
قضى أحمد بن بلة ست سنوات معتقلاً في قلعة فرنسية خلال حرب التحرير الجزائرية. وكانت المطالبة بالإفراج عنه جزءاً من شروط مفاوضات الاستقلال التي أفضت إلى اتفاقيات إيفيان عام 1962 بين جبهة التحرير الوطني والسلطات الفرنسية.
وأبعده السجن ما بين عامي 1956 و1962 عن الأخطاء والانقسامات التي وقعت فيها قيادة الجبهة في تلك الفترة، وهو ما جعله يخرج بسمعة "نقية" عند إطلاق سراحه بعد الاستقلال.
لكن الجزائر المستقلة وجدت نفسها في حالة من الفوضى. فقد شكّل قادة جيش التحرير الوطني الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية ذات الطابع المحافظ، في حين انتخب مؤتمر حزب جبهة التحرير في طرابلس قيادة ذات توجه اشتراكي، ضمّت "المكتب السياسي" الذي ترأسه بن بلة. وبذلك أصبح أول رئيس للحكومة الجزائرية في عام 1962.
وانتخب بدون معارضة وبأغلبية ساحقة لرئاسة الجمهورية الجزائرية عام 1963، وقد جمع بن بلة بين منصبي رئاسة الدولة والحكومة بعد انتخابه.
تمكن أحمد بن بلة من إعادة ترسيخ النظام في بلد كان يعيش اضطراباً واسعاً بسبب الاشتباكات بين الجماعات المسلحة والرحيل الجماعي للمستوطنين الفرنسيين، بحسب "دائرة المعارف البريطانية".
فقد أنشأ مؤسسات دولة من الصفر، وخصص ربع الميزانية للتعليم الوطني، وأطلق إصلاحات زراعية واسعة، شملت تأميم المزارع الكبرى التي كان يديرها المستعمرون السابقون، من دون إخضاعها للسيطرة المباشرة للدولة.
سياسياً، تحالف بن بلة مع الدول العربية المناهضة لإسرائيل، وطور علاقات اقتصادية وثقافية مع فرنسا، كما أنهى نزاعاً حدودياً مع المغرب. وقد لقي أسلوبه في الحكم قبولاً شعبياً واسعاً، لكن ذلك لم يمنع الإطاحة به في انقلاب عسكري في 19 يونيو/حزيران 1965 قاده وزير دفاعه هواري بومدين، الذي اتهمه بالانحراف عن مسار الثورة وتركيز السلطات بيده عبر الجمع بين أكثر من منصب.
وضع بن بلة تحت الإقامة الجبرية حتى عام 1980، حين أفرج عنه الرئيس الجزائري آنذاك الشاذلي بن جديد. وبعد ذلك انتقل إلى فرنسا حيث عاش في المنفى حتى عام 1990، قبل أن يعود إلى الجزائر.
أسس بعد عودته حزباً باسم "الحركة الديمقراطية في الجزائر"، وشارك في انتخابات عام 1991 التي ألغيت نتائجها، إذ لم يحصل حزبه سوى على 2 بالمئة من الأصوات. ورغم ضعف تمثيله، عارض بن بلة إلغاء الانتخابات وحل جبهة الإنقاذ الإسلامية التي كانت قد فازت فيها. كما اعتبر المجلس الأعلى للدولة الذي تشكل بعد إقالة الرئيس الشاذلي بن جديد "غير شرعي".
ومع اندلاع أعمال العنف في الجزائر مطلع التسعينيات، دعا بن بلة إلى المصالحة الوطنية، ثم غادر البلاد مجدداً عام 1992 ليستقر في سويسرا.
رغم حظر حزبه عام 1997، عاد أحمد بن بلة إلى الجزائر نهائياً عام 1999.
وتولى منذ عام 2007 رئاسة "مجموعة الحكماء" في الاتحاد الإفريقي، وهو إطار استشاري يضم شخصيات بارزة للمساهمة في حل النزاعات وتعزيز السلم في القارة.
وكان حاضراً في أبريل/نيسان 2009 خلال مراسم تنصيب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية ثالثة.
وفي مارس/آذار 2012، أُدخل بن بلة مرتين إلى المستشفى العسكري في الجزائر العاصمة بعد تعرضه لوعكات صحية، قبل أن يتوفى في 11 أبريل/نيسان من العام نفسه عن عمر ناهز 96 عاماً.
تمتع بن بلة بكاريزما واسعة، ويعد من أبرز رموز القومية العربية وحركة مناهضة الاستعمار العالمية. كما يعدّ واحداً من القادة الكبار في حركة عدم الانحياز إلى جانب شخصيات مثل فيدل كاسترو، وجمال عبد الناصر، وجواهر لال نهرو، وماو تسي تونغ، ممن وقفوا في وجه "الإمبريالية".