طهران- على وقع التوتر المتفاقم بين إيران من جهة وأميركا من جهة أخرى، إلى جانب عزم الترويكا الأوروبية تفعيل " آلية الزناد " في ملف طهران النووي، أجرى مساعد المدير العام لل وكالة الدولية للطاقة الذرية ، ماسيمو آبارو، مباحثات بالعاصمة طهران بشأن كيفية تعامل الجانبين في الظروف الجديدة التي تمخضت عن مهاجمة تل أبيب وواشنطن منشآت إيران النووية.
وأفضت مباحثات آبارو مع ممثلي وزارة الخارجية ومنظمة الطاقة الذرية في إيران، إلى اتفاق على "استمرار المشاورات" بين الجانبين؛ إذ أعلن مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون القانونية والدولية، كاظم غريب آبادي، مساء أمس الاثنين، أن بلاده طالبت -في الاجتماع- بإصلاح الآليات الخاطئة السائدة في تعامل الوكالة الأممية مع الملف النووي الإيراني .
وهذه هي الزيارة الأولى من نوعها منذ خروج مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إثر مصادقة كاظم غريب آبادي، في يونيو/حزيران الماضي، على مشروع قرار يقضي بتعليق طهران تعاونها مع الوكالة الأممية ردا على ما اعتبره "عدم القيام بمسؤولياتها خلال العدوان الذي شنّه الكيان الصهيوني بمشاركة أميركية على منشآت إيران النووية".
وتجمع الأوساط السياسية في طهران على أن زيارة الموفد الأممي إلى طهران تأتي محاولة لإعادة تنظيم التعامل التقني بينهما، لكنها تنقسم بشأن جدوى مثل هذه المباحثات في ظل تمسك جميع الأطراف المعنية بملف طهران النووي بمطالبها.
وبينما تشكك شريحة من المراقبين الإيرانيين بقدرة المسارات الدبلوماسية على حلحلة القضايا الشائكة في ملف طهران النووي في ظل تمسك الجانب الأميركي بتصفير تخصيب اليورانيوم داخل إيران واتخاذ الجانب الأوروبي قرارا محسوما بتفعيل "آلية الزناد"، يلمس آخرون في عدول طهران عن قرارها تعليق جميع أشكال التعاون مع الوكالة الذرية تغييرا في سياسة إيران النووية.
من جانبه، يرى علي بيكدلي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الشهيد بهشتي، في زيارة مساعد الوكالة الذرية إلى طهران مؤشرا على عزم الحكومة الإيرانية تلطيف سياستها الخارجية لا سيما بشأن الملف النووي، مستدركا أن دبلوماسية بلاده لا يمكن أن تشهد تغييرا جذريا بين ليلة وضحاها بعد عقود من التشدد وسيطرة تيارات متطرفة عليها.
وفي حديث للجزيرة نت، يقول بيكدلي إن زيارة الموفد الأممي إلى طهران جاءت متناسبة مع مرونة الحكومة بشأن ملف "طريق ترامب" (طريق ترامب للسلام والازدهار المقرر إنشاؤه بدلا ل ممر زنغزور ) وكذلك التغييرات في الهيكلية الأمنية، والأجندة التي حملها الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي علي لاريجاني إلى كل من بغداد وبيروت.
لكن حكومة بزشكيان تخشى انهيار شعبيتها في حال تخليها عن ثوابت البلاد السياسية والبرامج التي دفع الشعب ثمنها غاليا خلال السنوات الماضية، وفق بيكدلي الذي يؤكد أنه في ظل المفاوضات السرية مع بعض العواصم الغربية يجدر بالقوى الغربية أن تقدّر ظروف حكومة مسعود بزشكيان وأن تظهر هي الأخرى جانبا مرنا في تعاملها مع الملف الإيراني، تمهيدا لحلحلة القضايا الشائكة على طاولة المفاوضات.
وفي قراءته لنتائج مباحثات آبارو في طهران، يتابع الأكاديمي الإيراني أنه لا يعول على "تقارير مؤطرة" لا تتجاوز عادة الاتفاق على مواصلة المحادثات ما لم تتخذ أطرافها خطوات عملية لتبديد هواجس الطرف المقابل، معتبرا أن أي فرصة لنزع التوتر بين طهران والعواصم الغربية لا بد أن يمر عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ويشير بيكدلي إلى أن معارضة طهران أي زيارة تفقدية لخبراء وممثلي الوكالة الذرية ستكون عائقا أمام إعداد الوكالة تقريرا حول برنامج طهران النووي، مشددا على أن عدم إظهار الجانبين مرونة عملية سيزيد التوتر في الملف وسيسرع من تفعيل آلية الزناد وعودة العقوبات الأممية المقرة قبل توقيع الاتفاق النووي عام 2015.
وخلص إلى أنه رغم التغييرات الطارئة في سياسة إيران الخارجية، يستبعد أن تفضي إلى إنفراجة حقيقية وسريعة بشأن ملف طهران النووي بسبب ضيق الفترة الزمنية المتبقية لاتخاذ قرار بشأن تفعيل آلية الزناد من عدمه وأن الملف في طريقه لمزيد من التعقيد.
في المقابل، يذهب طيف من المحللين الإيرانيين إلى أنه في ظل تشبث طهران بحقها في التخصيب السلمي وتهديدها بالخروج من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) في حال تفعيل الجانب الأوروبي آلية الزناد فإن حظوظ نزع التوتر في ملف طهران النووي تتضاءل يوميا وتكاد تصبح معدومة.
في السياق، يعتقد أستاذ العلاقات الدولية المتخصص بالملف النووي الإيراني، محسن جليلوند، أنه رغم رغبة الحكومة الإيرانية بإدارة ملفها النووي حتى يوم النهاية في الاتفاق النووي المبرم عام 2015، والذي يوافق 18 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، فإن الجانبين الأميركي والأوروبي يفسران الخطوات الإيرانية في سياق "شراء الوقت".
وفي حديثه للجزيرة نت، يعتقد جليلوند أن السبب الأساس وراء الأزمة بين إيران والقوى الغربية لا يقتصر على ملف طهران النووي -وإن كان يتصدر قائمة الخلافات بينهما- بل أيضا سياسة إيران الخارجية التي يرى الجانب المقابل أنها تعرض إسرائيل إلى تهديد وجودي.
ويضيف أن الخلاف بينهما لن ينتهي بحسم الخلافات حول النووي الإيراني وأن ثمة برامج أخرى مثل الصواريخ الباليستية ستكون على جدول أعمال الجانب الغربي.
ويشير الأكاديمي الإيراني إلى أن ثمة خلافات جوهرية بين طهران والغرب ستجعل من أي زيارة ومباحثات سياسية عديمة الجدوى لخفض التوتر بينهما، مضيفا أن الخلاف بين إيران والقوى الغربية لن ينتهي سوى بتحييد البرنامجين النووي والصاروخي وإزالة محور المقاومة المتمثل في الحاءات الأربعة: حزب الله في لبنان وحماس في غزة والحشد الشعبي في العراق والحوثيين في اليمن.
وخلص إلى أن زيارة مساعد الوكالة الذرية لطهران -والتي جاءت وسط استمرار التوترات حول تفعيل آلية الزناد وإصرار أميركي على "تخصيب صفري" داخل الأراضي الإيرانية- شكلت "مؤشرا إيجابيا" في الطريق الصحيح، لكن الهوة ما تزال عميقة بين الموقفين الإيراني والغربي في غياب مؤشرات على تقارب حقيقي في الملفات العالقة، وبالتالي تبدو الزيارة خطوة رمزية في طريق مسدود.