في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
أنقرة- التقى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ، اليوم الخميس، الرئيس السوري أحمد الشرع في العاصمة دمشق، حيث جرى بحث العلاقات الثنائية بين أنقرة ودمشق، والتطورات الإقليمية والدولية، إضافة إلى آليات تعزيز التعاون في مختلف المجالات، لا سيما الأمن، وإعادة الإعمار، وإنعاش الاقتصاد السوري.
في تصريح عبر حسابه على منصة إكس، قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، إن زيارته إلى دمشق –وهي الثالثة منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد قبل 9 أشهر– أتاحت له فرصة الوقوف على التقدم الذي أحرزته سوريا في عدد من المجالات، مؤكدا أن بلاده عازمة على تعميق التعاون مع الحكومة السورية بقيادة الرئيس أحمد الشرع.
وأوضح فيدان أنه ناقش مع الرئيس السوري "مجموعة واسعة من القضايا، من التجارة والاستثمار إلى النقل والطاقة"، مضيفا أن اللقاء تناول أيضا الخطوات الثنائية والإقليمية الممكنة لإعادة إعمار سوريا، بما يعزز استقرارها ويدفع عجلة الانتقال السياسي والتنمية الاقتصادية.
وأشار إلى أن الجانب الأمني استحوذ على حيز كبير من المباحثات، ولا سيما التهديدات الداخلية والخارجية التي تمس سيادة سوريا ووحدتها السياسية، مشددا على التزام أنقرة بدعم دمشق في حربها ضد المنظمات الإرهابية، واستعدادها لتقديم الدعم الفني والأمني في إدارة المخيمات الواقعة شمال شرق البلاد.
كما تطرق فيدان إلى الأنشطة الإسرائيلية في الأراضي السورية، معتبرا أنها تمثل تهديدا مباشرا لاستقرار المنطقة، وداعيا المجتمع الدولي -وفي مقدمته الولايات المتحدة والدول الأوروبية– إلى تحمل مسؤولياته في وقف هذه السياسات. وأكد أن تركيا ستواصل الوقوف إلى جانب الشعب السوري ودعم تطلعاته وإرادته المشروعة لبناء مستقبل أكثر أمنا واستقرارا وازدهارا.
ويتصدر ملف إعادة إعمار سوريا وإنعاش اقتصادها جدول أعمال اللقاءات السورية التركية، باعتباره ركيزة أساسية لترسيخ الاستقرار واستعادة الحياة الطبيعية في بلد أنهكته الحرب لأكثر من 13 عاما. ومع الدمار الواسع الذي طال البنية التحتية والانهيار الاقتصادي العميق، تضع أنقرة هذا الملف في مقدمة أولوياتها منذ الإعلان عن سقوط نظام الأسد وبداية مرحلة "سوريا الجديدة".
ومنذ اللحظات الأولى لهذه المرحلة، وجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وزراء حكومته للانخراط في دعم جهود الإعمار، عبر خطة شاملة تتضمن مساهمة كل وزارة تركية في مجال اختصاصها، وبالتنسيق المباشر مع الجانب السوري، بهدف إعادة تشغيل مؤسسات الدولة وتفعيل الخدمات العامة.
يشهد الملف الأمني بين أنقرة ودمشق تنسيقا غير مسبوق منذ سقوط النظام السابق، في إطار توافق مشترك على أن "لا مكان للإرهاب في سوريا الجديدة". وتشكل مكافحة تنظيم الدولة وبقايا التنظيمات "المتطرفة" أولوية لكلا الطرفين، حيث أكدت أنقرة استعدادها لتقديم دعم استخباراتي وعسكري ولوجستي، وبدأت بالفعل خطوات ميدانية مشتركة، بما في ذلك التعاون في إدارة معسكرات احتجاز عناصر التنظيم داخل سوريا.
وفيما يتعلق بوحدات حماية الشعب الكردية، الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني، أبدى الطرفان رفضا قاطعا لوجود أي قوة مسلحة خارج سيطرة الدولة السورية.
وبناء على طلب رسمي من الحكومة السورية الجديدة، بدأت أنقرة بتقديم تدريبات فنية ومشورة عسكرية للجيش السوري، في إطار تفاهمات أمنية جديدة تمنح التحركات التركية داخل سوريا غطاء شرعيا ومؤسساتيا، بدلا من التحركات الأحادية أو عبر وكلاء. وأكد مسؤولون أتراك أن أي تدخل تركي مستقبلي سيتم بطلب من دمشق، وأن هدفه دعم وحدة سوريا واستقرارها.
وبحسب تقارير صحفية، تمهد زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى دمشق لاتفاقية عسكرية وأمنية مرتقبة بين البلدين يُنتظر توقيعها في أواخر أغسطس/آب الجاري. وتشير التسريبات إلى أن الاتفاق -الذي لا يزال قيد الإعداد- يهدف إلى إرساء تعاون دفاعي طويل الأمد، في إطار طلب رسمي تقدمت به الحكومة السورية للحصول على دعم عسكري من تركيا.
وينتظر أن يتناول لقاء فيدان والشرع تفاصيل هذه الترتيبات، وسط تقديرات بأن الاتفاق الدفاعي سيساعد سوريا على سد ثغراتها الأمنية العاجلة، في مواجهة اضطرابات داخلية وتحديات في الجنوب، بينما ترى تركيا فيه فرصة لتثبيت دورها الإستراتيجي عبر قنوات رسمية، بعد سنوات من العمل غير المباشر عبر فصائل المعارضة.
يرى المحلل السياسي محمود علوش أن زيارة فيدان إلى دمشق تأتي في سياق مزدوج:
وفي حديث للجزيرة نت، يقول علوش إن الرسائل التي يحملها فيدان ستكون بالغة الحسم، سواء في ما يتعلق برفض أنقرة لأي محاولات داخلية أو خارجية لزعزعة المرحلة الانتقالية، أو في ما يخص التأكيد على التزامها بوحدة وسلامة الأراضي السورية.
كما يوجه فيدان -وفقا لعلوش- رسالة مباشرة إلى "قسد"، مفادها أن الانتهازية السياسية ستواجه برد حاسم، وأن أي محاولة لإشعال الوضع في الشمال ستقابل بتحرك قوي من جانب تركيا والحكومة السورية على حد سواء.
ويعتبر أن الزيارة تمهد لتقدم في بناء شراكة أمنية جديدة تخدم المصالح التركية في سوريا، وتأتي أيضا في ظل تنامي التهديدات الإسرائيلية هناك، لا سيما عبر علاقتها مع قوى درزية جنوبية، وهو ما تسعى أنقرة للتصدي له عبر التنسيق مع دمشق.
ويُرجع علوش توقيت الزيارة إلى تحولات إقليمية ودولية، خصوصا بعد زيارة القيادة السورية إلى موسكو، مشيرا إلى دور أنقرة في تسهيل التواصل بين دمشق وروسيا، وسعيها لتكريس توازن إستراتيجي في علاقات سوريا الدولية، لا سيما مع موسكو وواشنطن.
من جانبه، يرى الأكاديمي والمحلل السياسي التركي علي فؤاد جوكشه، أن زيارة فيدان إلى دمشق تكتسب أهمية خاصة في ظل التحديات التي لا تزال تعيق استعادة سوريا لبنيتها الموحدة كدولة مركزية.
ويؤكد للجزيرة نت أن أبرز هذه التحديات تتمثل في قوات سوريا الديمقراطية وذراعها العسكري "وحدات حماية الشعب"، التي لم تلتزم بعد بالاتفاقيات الموقعة سابقا، بل "تسعى إلى التماهي مع السياسات الإسرائيلية في المنطقة"، وهو ما يراه مناقضا بشكل مباشر لوحدة الأراضي السورية.
ويضيف جوكشه أن الزيارة تحمل دلالات دبلوماسية مهمة، من أبرزها تأكيد التعاون الوثيق بين تركيا وسوريا في المرحلة الحالية، وتشديد الطرفين على ضرورة حماية وحدة الأراضي السورية. كما يرجح أن تطالب أنقرة خلال اللقاءات مع القيادة السورية بضرورة التزام "قسد" بتعهداتها السابقة، كشرط أساسي لأي استقرار مستقبلي في الشمال الشرقي من البلاد.