آخر الأخبار

هل تحلق أجنحة التنين في سماء إيران؟

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

منذ دخولها الخدمة مطلع الألفية عام 2006، شكّلت طائرة "تشنغدو جيه-10 (Chengdu J-10) أو "التنين القوي" حجر الزاوية في تحديث سلاح الجو الصيني، كونها أول مقاتلة متعددة المهام تُنتجها بكين محليًا بتكنولوجيا متقدمة، وبقدرات تنافس مقاتلات غربية وروسية من نفس الجيل.

وتتميز نسخة "جيه-10 سي" (J-10C) المطورة بأنظمة طيران متقدمة تضاهي تلك الموجودة في أغلب الطائرات الحربية الغربية، مما يعزز من قدرات الطيار على تنفيذ المهام بفعالية عالية.

وقد أثار الحديث مؤخرا عن صفقة عسكرية محتملة بين الصين و إيران -لبيع طائرات "جيه-10 سي" وذلك بعد أيام قليلة من وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران – تساؤلات حول أهداف هذه الصفقة ودلالاتها الإستراتيجية.

فهل هي مجرد صفقة أسلحة لتعزيز قدرات إيران الدفاعية، أم خطوة إستراتيجية تعكس تحولا في الدور الصيني بالمنطقة؟ وهذا التقرير يحاول تفكيك أبعاد الصفقة المحتملة، ويقاربها ضمن السياقات الإقليمية والدولية الراهنة.

مصدر الصورة وزير الخارجية الصيني ونظيره الإيراني يوقعان اتفاقية الشراكة الإستراتيجية عام 2021 (الأوروبية)

تفاصيل الصفقة

وبينما يسود الغموض حول تفاصيل هذه الصفقة الجوية التاريخية، تطفو على السطح تساؤلات مثيرة حول ماهية هذه الطائرات وقيمتها الإستراتيجية؟

وتعد طائرة "جيه-10 سي" من مقاتلات الجيل الرابع المتقدمة، وتُصنف ضمن فئة "الجيل 4.5" وهي مزوّدة برادار "إيه إي إس إيه" (AESA) ومحرك مطور من طراز "دبليو إس-10 بي" (WS-10B) وتتمتع بقدرات مناورة وتسليح متقدمة تشمل صواريخ جو جو طويلة المدى.

ويُعتقد أن إيران تسعى منذ سنوات لامتلاك هذه الطائرة لتعويض عجز سلاحها الجوي الذي يعتمد على أسطول قديم من مقاتلات أميركية وروسية.

ووفق ما نقلته صحيفة ساوث تشاينا مورنينغ بوست، في 26 يونيو/حزيران 2025، نقلا عن مصادر استخباراتية آسيوية، فإن "الاتفاق بين بكين وطهران يشمل تسليم 24 طائرة على دفعات تبدأ نهاية العام الجاري، مقابل دعم طهران لتمركز الشركات الصينية في ممرّات الطاقة الإيرانيّة".

إعلان

وقد بدأت المحادثات حول الصفقة منذ عام 2021، لكنها تسارعت في أعقاب توقيع اتفاق التعاون الإستراتيجي بين البلدين عام 2021، والذي مهّد لإطار تعاون عسكري واقتصادي أوسع.

ففي 27 مارس/آذار 2021، وقّعت الصين وإيران "اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة" تمتد إلى 25 عاما، لتكون بمثابة خارطة طريق لتعاون طويل الأمد بين البلدين في مجالات الاقتصاد والطاقة والبنية التحتية والدفاع.

وتستند الاتفاقية إلى مبدأ المنفعة المتبادلة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وتشمل التزامات صينية ضخمة تبلغ قيمتها 400 مليار دولار، بالاستثمار في قطاعات إيرانية حيوية مثل تطوير الموانئ والسكك الحديدية، والنفط والغاز والبتروكيماويات، مقابل حصول بكين على إمدادات طاقة مستقرة بأسعار تفضيلية.

وتُعد الاتفاقية جزءا من سياسة الصين لتعزيز نفوذها عبر "مبادرة الحزام والطريق" في حين تسعى إيران عبرها إلى التخفيف من وطأة العقوبات الغربية وتثبيت حضورها في التوازنات الآسيوية.

كما تفتح الاتفاقية الباب أمام تعاون عسكري وأمني، من خلال تبادل الخبرات، وتنظيم تدريبات مشتركة، وتعزيز الصناعات الدفاعية، وهو ما انعكس لاحقا في تسارع التنسيق العسكري بين الجانبين، وصولا إلى صفقة مقاتلات "جيه-10 سي".

وجاءت المواجهات بين إسرائيل وإيران في يونيو/حزيران 2025 لتُعيد تحفيز الصين على تفعيل هذا التعاون مع طهران، في إطار سعيها لتقويض النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط ، وفق تحليل معهد ستراتفور.

مصدر الصورة

هل تكسر الصين قواعد اللعبة؟

وبينما تتسارع الأحداث في الشرق الأوسط، تبرز الصين كلاعب جديد يحمل مفاتيح تغيير الموازين، مما قد يؤدي إلى تحول جذري في دور بكين من شريك اقتصادي إلى ضامن أمني في المنطقة.

ففي 24 يونيو/حزيران الماضي، وضعت المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل أوزارها بعد 12 يومًا من القصف المتبادل، وخلّفت دمارا واسعا في منشآت عسكرية وبنى تحتية إيرانية، مقابل استهدافات دقيقة للبنية التحتية العسكرية الإسرائيلية خاصة في الجليل والنقب .

وفي هذا السياق، تبدو الصفقة الإيرانية المحتملة مع الصين بمثابة رد إستراتيجي لتعويض الخسائر، وخطوة تعكس مزيدا من الانفتاح الإيراني على المعسكر الشرقي.

وقد غرد الأمين السابق لمجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني ، في 28 يونيو/حزيران، قائلًا "العقيدة الدفاعية الإيرانية بحاجة إلى إعادة هيكلة جوية، والتعاون مع الصين ليس مجرد خيار تكتيكي بل هو تحوّل إستراتيجي".

لطالما آثرت بكين أدوات النفوذ الاقتصادي على التدخلات العسكرية المباشرة في الشرق الأوسط. لكن الصفقة المرتقبة -إن تمّت- فستكون أول صفقة علنية تبيع فيها الصين طائرات قتالية لدولة تخوض مواجهة مفتوحة مع إسرائيل، وتحت طائلة العقوبات الأميركية.

ووفق تحليل صادر عن مركز الدراسات التابع لوزارة الدفاع الأميركية ، فإن "بكين تُدشّن مرحلة جديدة من الدبلوماسية الدفاعية، تعيد تشكيل موازين القوى التقليدية، وتخترق هيمنة واشنطن على أمن الشرق الأوسط".

تداعيات الصفقة

من المتوقع أن تلقي هذه الصفقة بين طهران وبكين بظلالها على المنطقة والعالم، وأن تثير ردود الفعل المتوقعة من القوى الكبرى، فهل نحن على أعتاب مرحلة جديدة من التوتر الجيوسياسي الذي سيشعل صراعات خفية وعلنية؟

إعلان

ورغم عدم صدور أي تصريح رسمي مباشر من الحكومة الإسرائيلية بشأن الصفقة الصينية الإيرانية المحتملة، فإن مصادر استخباراتية إسرائيلية أعربت عن قلقها من تداعياتها.

فقد نقل تقرير نشره موقع صحيفة "إنديا تودي" عن مسؤول سابق باستخبارات الجيش الإسرائيلي قوله إن الصفقة "قد تتضمن تبادل معلومات عسكرية وتقنيات حساسة، وهو ما يثير قلقا إستراتيجيًا متزايدا في إسرائيل".

وأشار المصدر إلى أن امتلاك إيران مقاتلات من نوع "جي-10 سي" قد يقلص من هامش التفوق الجوي الإسرائيلي في أي مواجهة مستقبلية.

وفي المقابل، لم يصدر أي تعليق رسمي إسرائيلي من وزير الدفاع يسرائيل كاتس أو مكتب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ، الأمر الذي فسره مراقبون بأنه محاولة لتفادي توتير العلاقات مع بكين، أو إعطاء الصفقة طابعًا تضخيميًا إعلاميًا يخدم طهران.

ويعكس هذا الصمت الرسمي ترددا إسرائيليا في الدخول بمواجهة علنية مع الصين، خاصة في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية العالمية واشتباك واشنطن وبكين على أكثر من جبهة.

مصدر الصورة امتلاك إيران مقاتلات "جيه-10 سي" قد يقلص من هامش التفوق الجوي الإسرائيلي في أي مواجهة مستقبلية (شترستوك)

وتُعد الصفقة أيضا اختبارا حقيقيا للسياسة الأميركية تجاه كل من الصين وإيران، فإذا التزمت واشنطن الصمت، فقد تُتهم بالعجز عن فرض الانضباط الإستراتيجي على خصومها، أما إذا ردّت بعقوبات على الصين فإنها تخاطر بتأزيم علاقاتها مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

وفي هذا السياق، صرّح السيناتور الجمهوري جيم ريش -خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ مطلع يوليو/تموز الجاري- بأن الصفقة "تتجاوز الخطوط الحمراء، ويجب معاقبة أي كيان صيني يزود إيران بتقنيات قتالية تهدد حلفاءنا في المنطقة".

أما روسيا ، التي لطالما كانت المزود الأساسي لطهران بالسلاح عبر صفقات شملت مقاتلات سوخوي ومنظومات دفاع جوي، فتتابع بقلق دخول الصين على خط السوق العسكرية الإيرانية.

وقد عبّر سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي -خلال مؤتمر أمني في موسكو – عن قلق بلاده من "التسرع في تسليح أطراف إقليمية خارج نطاق التفاهمات التقليدية بين موسكو وطهران".

عقيدة عسكرية إيرانية جديدة

رغم أن العمود الفقري لقوة الردع الإيرانية لا يزال قائما على الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة ، فإن المواجهات الأخيرة مع إسرائيل أعادت إلى الواجهة نقاشا متزايدا داخل الأوساط العسكرية والإعلامية الإيرانية حول ضرورة تحديث القدرات الجوية الهجومية التقليدية.

ويرى مسؤولون ومحللون إيرانيون أن أي صفقة محتملة لشراء مقاتلات متطورة -في إشارة ضمنية إلى طائرات "جيه-10 سي" الصينية- من شأنها أن تعزز من قدرة طهران على فرض معادلات ردع جديدة، وتقليص الفجوة في ميزان التفوق الجوي، التي شكلت تقليديا نقطة ضعف في البنية العسكرية الإيرانية.

ومع إدخال البعد الجوي إلى الشراكة الصينية الإيرانية، يبدو أن طهران تمضي في تعزيز تموضعها ضمن محور الشرق، مستفيدة من انشغال الولايات المتحدة في ساحات التوتر الأخرى، مثل أوكرانيا وتايوان .

وتُقرأ الصفقة في هذا السياق بوصفها رسالة صريحة إلى واشنطن: النفوذ الصيني لم يعد محصورا في مشاريع البنية التحتية بل بات يمتد إلى أدوات الردع الصلبة.

وفي خضم هذه التحولات الدراماتيكية، تبقى الأعين شاخصة نحو السماء: هل ستحلق أجنحة التنين الصيني فوق الشرق الأوسط لترسم خريطة جديدة للمنطقة، أم أن التحديات الجيوسياسية ستحد من طموحاته؟

وإذا تمت صفقة "جيه-10 سي" بين الصين وإيران، فلن تكون مجرد صفقة سلاح، بل هي إعلان عن مرحلة جديدة من التموضع الجيوسياسي في الشرق الأوسط.

فإيران تسعى لتعويض خسائرها العسكرية وإعادة هيكلة عقيدتها الجوية، في حين ترسل الصين رسالة ضمنية بأنها باتت فاعلا أمنيا لا يُستهان به في المنطقة. أما إسرائيل والولايات المتحدة، فتقفان أمام تحدي الردّ على هذا التطور دون إشعال حرب إقليمية جديدة.

إعلان
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا