في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
فرضت المواجهة العسكرية الخاطفة بين إسرائيل وإيران، التي امتدت 12 يوما فقط، واقعا جديدا في المنطقة، حيث لم تعد الحروب تقاس بالكثافة النارية أو بعدد الدبابات، بل بفعالية المسيرات، ودقة الضربات، والاختراقات الاستخباراتية، والدور الخفي للهجمات السيبرانية.
وبينما أعلن وقف إطلاق النار، لا تزال ارتداداته العسكرية والسياسية تُلقي بظلالها على معادلات الردع، وأسس التفاوض، وشكل النظام الإقليمي المقبل.
وفي مقابلات خاصة مع "سكاي نيوز عربية"، شدد خبراء ومحللون على أن هذا الصراع القصير في الزمن، الغزير في الرسائل، كشف عن تحولات جذرية في مفهوم الردع، وتفوّق واضح لإسرائيل في المجال الاستخباراتي، وسط تراجع تكتيكي إيراني فرضته الضرورات.
الردع الذكي وتحوّل مفهوم الحسم
قال الخبير العسكري والاستراتيجي مهند العزاوي إن وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب للصراع بـ"حرب الـ12 يوما" يحمل أبعادا تتجاوز المدة الزمنية، مشيراً إلى أنه "يعكس نموذجا أميركيا جديدا في الردع السريع، القابل للتكرار".
وأوضح العزاوي أن الحرب لم تكن تهدف إلى إسقاط النظام الإيراني، بل إلى "تقليم أظافره" وضرب مراكز القوة الصاروخية والنووية، وهي رسالة مفادها أن واشنطن تملك القدرة على فرض معادلات سياسية بالقوة في أقل من أسبوعين، دون الانجرار إلى حروب طويلة.
تفوق استخباراتي إسرائيلي.. وتراجع إيراني تكتيكي
في معرض تحليله لسير العمليات، أكد العزاوي أن إسرائيل "نجحت في تطبيق نمط جديد من الردع من الداخل"، عبر ضربات دقيقة نفذتها طائرات مسيرة وروبوتات هجومية مزودة بتقنيات الذكاء الاصطناعي. ولفت إلى أن إسرائيل استطاعت تنفيذ عمليات استخباراتية دقيقة، شملت اغتيالات وعمليات استهداف مركزة ضد قيادات الحرس الثوري ومنشآت نووية داخل العمق الإيراني.
وبحسب العزاوي، فإن إيران كانت الطرف الأكثر حاجة لوقف إطلاق النار، نظراً لتعدد الجبهات وضخامة الخسائر العسكرية، خصوصاً في الدفاعات الجوية ومواقع الطاقة والمفاعلات النووية. وأكد أن "استمرار الحرب كان سيقوّض البنية العسكرية الإيرانية بالكامل".
الحرب السيبرانية.. الجبهة الموازية غير المرئية
بيّنت المعطيات أن الهجمات الإلكترونية لعبت دوراً محورياً في هذه المواجهة، إذ شنّت مجموعات مرتبطة بإسرائيل هجمات على بنوك ومؤسسات مالية ومنصات رقمية إيرانية، مما كبد إيران خسائر تجاوزت 90 مليون دولار. كما حاولت مجموعات مرتبطة بطهران استهداف بنى تحتية وشبكات حكومية داخل إسرائيل.
هدف لم يتحقق.. إسقاط رأس النظام
كشف العزاوي أن بنك أهداف إسرائيل تضمن أربع مراحل: تحييد منظومات الدفاع، تدمير القدرات النووية، تصفية القيادات، ثم التوجه نحو إسقاط النظام أو تعطيل مركز القيادة.
وقال: "إسرائيل نفذت ثلاث مراحل، لكنها توقفت قبل تحقيق المرحلة الرابعة على الأرجح بضغط أميركي مباشر من ترامب، الذي فضّل تثبيت الردع على كسر النظام".
دور ترامب الحاسم.. ومشهد تفاوضي في الأفق
رأى العزاوي أن الضربة الأميركية للمنشآت النووية الإيرانية جاءت "لرفع السبب المباشر للصراع"، وهو البرنامج النووي، ما منح إسرائيل ذريعة للانسحاب من التصعيد، وفتح الباب أمام تسوية دبلوماسية.
وفي السياق ذاته، اعتبر المحلل الخاص لسكاي نيوز عربية محمد صالح صدقيان أن طهران تنظر إلى تصريحات ترامب، التي أكد فيها أنه لا يسعى لإسقاط النظام الإيراني، كفرصة للعودة إلى المفاوضات. وقال: "إيران تنتظر عودة وزير خارجيتها عباس عراقجي من جولته الخارجية لتحديد شكل المسار الدبلوماسي".
إسرائيل.. لا تفاوض بلا "صفر تخصيب"
من جانبه، أكد مراسل "سكاي نيوز عربية" في القدس، نضال كناعنة، أن إسرائيل متمسكة بمطلب "صفر تخصيب" على الأراضي الإيرانية، وتعتبر البرنامج الباليستي الإيراني تهديدا وجوديا لا يقل عن النووي. وقال إن إسرائيل ستسعى إلى فرض شروطها عبر المفاوض الأميركي، وتحاول إقناع ترامب بأن اتفاقاً ناجحاً يجب أن يشمل وقف التخصيب وتفكيك الصواريخ الباليستية ومنع تمويل الأذرع العسكرية.
علاقات إيران بالخليج... ما بعد "قاعدة العديد"
في ظل الضربة الإيرانية على قاعدة العديد الأميركية في قطر، سادت تساؤلات حول مستقبل علاقة إيران بدول الخليج. لكن صدقيان أوضح أن "اتصالات مباشرة جرت بين القيادة الإيرانية والقطرية والإماراتية لاحتواء تداعيات القصف"، مضيفا أن طهران حرصت على التأكيد بأن استهداف القاعدة الأميركية لم يكن موجها ضد الدوحة.
مراقبة البرنامج النووي... تحدٍّ جديد
رغم الضربات، أكد كناعنة أن إيران قد تكون تجاوزت مرحلة التخصيب، وانتقلت إلى مرحلة تركيب الرأس النووي، ما يجعل تتبع برنامجها النووي أكثر صعوبة. وقال: "المخزون المخصب موجود، والعمل الآن في طور هندسة التفجير النووي، وهي عملية سرية لا تتطلب منشآت ضخمة أو آلاف الفنيين".
ورغم وقف إطلاق النار، يترقب الشرق الأوسط شكل المرحلة المقبلة: هل تتجه إيران والولايات المتحدة إلى اتفاق جديد تفرض فيه واشنطن الشروط بغطاء إسرائيلي؟ أم تتكرر الانفجارات من الداخل في سياق "ردع محدث" لا يعرف جبهة واضحة؟.. أسئلة ستكشف عليها المرحلة المقبلة.