أثارت التطورات المتلاحقة في الشرق الأوسط أثناء زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لدول خليجية وعقد قمة أمريكية خليجية، اهتمام المحللين والخبراء والصحف العالمية، ليس فقط لطبيعة الوفد الأمريكي الذي يضم غالبية من رجال الأعمال، ولا حجم الاستثمارات الخليجية التي سيحصل عليها ترامب، ولكن أيضاً لتأثير القرارات التي يتخذها ترامب على المنطقة بأسرها.
ونشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية تقريراً مطولاً لمجموعة من المراسلين حول الزيارة ونتائجها، خاصة على سوريا وإيران، بعنوان "ترامب يرفع العقوبات عن سوريا، ويمد غصن الزيتون لإيران".
وجاء في التقرير أن ترامب أعلن من السعودية، يوم الثلاثاء، عن خطط لرفع العقوبات المفروضة على الحكومة السورية، وشدد على استعداده للتفاوض مع إيران، مما يُشير إلى إعادة ترتيب للسياسة الخارجية الأمريكية، وأنه لا يوجد فيها "أعداء دائمون".
وأضاف التقرير أن خطاب ترامب في الرياض قدّم "رؤية شاملة وإن كانت متناقضة" في بعض الأحيان، لدور القوة العسكرية الأمريكية في العالم. فقد أعلن معارضته للتدخلات الأمريكية السابقة في الشرق الأوسط، ولكنه أعرب أيضاً عن استعداده لاستخدام القوة للدفاع عن الولايات المتحدة وحلفائها.
وأعلن ترامب هذه التصريحات في إطار سعيه "للحصول على أموال من هذه المنطقة الغنية بالنفط للاقتصاد الأمريكي"، وهو ما ظهر منذ اللحظة الأولى لنزوله من طائرة الرئاسة الأمريكية وهو يلوّح بقبضته، ويُحَيّي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بحرارة، وبدا أنه "يركز" على تأمين مجموعة من الصفقات لعمالقة التكنولوجيا ورجال الأعمال الذين اصطحبهم معه.
وعلّقت الصحيفة على حديث ترامب عن التحديات الأمنية التي تُعاني منها منطقة الشرق الأوسط، ورغبته في أن يكون للولايات المتحدة دورٌ في معالجتها، وإعلانه أنه لن يسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي. لكنه كان قد صرح من قبل باستعداده للتوصل إلى اتفاق، وحثّ طهران على قبول عرضه.
وعن أسباب رفع العقوبات عن سوريا، أوضحت الصحيفة أن ثمة منتقدين داخل الولايات المتحدة وخارجها قالوا إن الإبقاء على العقوبات لفترة طويلة جداً قد يؤدي إلى نفور القادة الجدد الذين قد يكونون منفتحين على التعاون مع واشنطن، وقد يزيد من اعتماد سوريا على داعمين آخرين، بما في ذلك تركيا.
ومن التناقض أيضاً، كما تقول الصحيفة، أن ترامب لطالما قال إن حلفاء الولايات المتحدة يستغلون مظلتها العسكرية دون أن يقدموا الكثير في المقابل، ولكنه في السعودية تعهد بأنه لن يتردد أبداً "في استخدام القوة الأمريكية إذا كان ذلك ضرورياً للدفاع عن الولايات المتحدة، أو للمساعدة في الدفاع عن حلفائنا، ولن نرحم أي عدو يحاول إيذاءنا أو إيذاءهم".
واعتبرت الصحيفة أن تصريحات ترامب، ورفع العقوبات عن سوريا والانفتاح على إيران، كانت تمثل "صفعة" لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي كان "يشعر بالألم" بالفعل من قرار ترامب عدم زيارة إسرائيل، رغم وجوده في المنطقة.
وقالت الصحيفة إن الزيارة تمثل "عرضاً رائعاً للوحدة بين القادة السعوديين والأمريكيين"، وقد مرت ثماني سنوات منذ أن زار ترامب المملكة لأول مرة كرئيس للولايات المتحدة، وخلال تلك الفترة، صمدت علاقته الشخصية بولي العهد السعودي أمام تحديات كبيرة.
وأبرزت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية زيارة ترامب ونتائجها والمكاسب التي سيحققها شخصياً من هذه الزيارة، في مقال بعنوان "المصالح الخاصة الهائلة لدونالد ترامب"، للكاتب إدوارد لوس.
وقال الكاتب إن قطر لم تجد أفضل من طائرة جامبو بقيمة 400 مليون دولار لتهديها إلى ترامب، بعد أن كان قد أعرب عن "حنين" لهذه الطائرة، وتفقّدها في مطار بالم بيتش بعد أسابيع من عودته للرئاسة.
لكن الكاتب يرى أن امتنان ترامب "لن يستمر طويلاً"، وضرب مثلاً بما حدث مع مارك زوكربيرغ، مؤسس شركة ميتا مالكة فيسبوك، والذي دفع مليون دولار لحفل تنصيب ترامب و25 مليون دولار لتسوية دعوى تشهير ضده، لكن هذه الأموال لم تنقذه من دفع غرامات مالية كبيرة.
ومع هذا، يشير الكاتب إلى أنه لا يمكن لأحد أن يقول "لا" لترامب.
وتحدّث عن القوانين الأمريكية المتعلقة بالأخلاقيات الخاصة بتضارب المصالح، وقال: "أصبحت قواعد الأخلاقيات الفيدرالية الآن مجرد قواعد شكلية"، وستكون مفاجأة للمسؤولين السابقين الذين طُلب منهم الإفصاح عن هدايا بمئات من الدولارات، عندما يعلمون أن المحامين الذين يعملون لصالح ترامب اعتبروا أن هدية بقيمة 400 مليون دولار لا تُخالف بند المكافآت في الدستور الأمريكي.
وينطبق الأمر نفسه على عملة "ميمكوين" ($Trump) التي أصدرها ترامب قبل أيام قليلة من أدائه اليمين الدستورية، حيث سيحضر أكبر 220 مستثمراً في عملة ترامب عشاءً خاصاً معه الأسبوع المقبل.
وقال الكاتب ساخراً "يبدو أن هذا أيضاً مُطابق للمواصفات القانونية".
وأشار الكاتب إلى الأموال التي دفعها صندوق استثماري في أبوظبي، وبلغت ملياري دولار عبر شركة العملات المشفرة "وورلد ليبرتي فاينانشال" المملوكة لعائلة ترامب بأغلبية أسهمها، وفي المقابل رفع ترامب قيود بايدن على صادرات أشباه الموصلات إلى مجموعة من الدول، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة. كما وعدت الإمارات باستثمار 1.4 تريليون دولار في الولايات المتحدة على مدى العقد المقبل.
وختم الكاتب المقال بالقول إنه من الصعب "التوفيق بين هذه الصفقات، وبين وعد ترامب بأن تكون أمريكا أولاً" - فطائرة قطر المجانية ستؤثر على شركة بوينغ، المتعاقدة على إعادة إمداد أسطول طائرات الرئاسة الأمريكية، وهناك شكوك حول أن أجندة الرئيس الأمريكي الحقيقية هي "ترامب أولاً"، كما تقول الصحيفة.
أما صحيفة الغارديان البريطانية فنشرت مقالاً عن الهدايا التي تلقاها ترامب، وجاء بعنوان ساخر: "ترامب المسكين: لا يمكنك حتى قبول طائرة فاخرة من قطر دون أن تُتهم بالفساد هذه الأيام"، للكاتبة مارينا هايد.
ووصفت الكاتبة ترامب بأنه "الإمبراطور" الذي سيكون "أحمق" لو لم يقبل هذه الطائرة، وبعد انتهاء "إمبراطورية ترامب الثانية"، ستُنقل الطائرة إلى مكتبة ترامب الرئاسية وتصبح ملكاً خاصاً له.
ومع هذا يصف ترامب هذه الصفقة مع حكومة أجنبية بأنها "شفافة للغاية"، وقالت الكاتبة ساخرةً إنها تعتقد أنه "ربما نتفق" حول ذلك، لكن أكثر ما يُثير الغموض في الأمر هو فكرة أن ترامب يخطط أصلاً لإنشاء مكتبة رئاسية.
وأضافت أن الطائرة الجامبو الفاخرة ليست أجمل هدية لترامب خلال الشهر الماضي، فهناك في المركز الأول اللوحة التي أرسلها فلاديمير بوتين إلى الرئيس ترامب، والتي كشف فنانها الروسي مؤخراً أن بوتين أخبره شخصياً أنها خطوة حيوية في إصلاح علاقة روسيا بالولايات المتحدة، وكان هناك "قلق" من قبول ترامب لوحة فنية ثمينة من بوتين.
وأشارت الكاتبة إلى أنه يصعب عدم الاعتقاد بأن ترامب "لا يُستغل" من جانب من يمنحونه الهدايا. وأضافت الكاتبة أن ذلك يزيد الغضب من سلوك ترامب، لأن أكبر هدية حصل عليها كانت الفوز برئاسة "أعظم قوة في القرن الحادي والعشرين"، مضيفة أن ذلك يأتي في ظل "انعدام الشعور بالخجل تماماً"، كما تقول الكاتبة.