آخر الأخبار

باحثون يوقفون بروتينًا مسؤولًا عن إبقاء السرطانات العدوانية على قيد الحياة

شارك

قالت الدكتورة ميليسا فيشل: "هذا البحث يكشف لنا عن نقطة ضعف جديدة تمامًا في سرطان البنكرياس. نحن لا نستهدف الورم فقط، بل نستهدف آلية بقائه الكيميائية".

نجح باحثون من كلية الطب بجامعة إنديانا في كشف نقطة ضعف جوهرية في سرطان البنكرياس — أحد أشرس أنواع السرطانات وأكثرها مقاومة للعلاج — من خلال تعطيل دور بروتين يعمل كـ “حارس شخصي” لآخر يُعد بمثابة “مشغل رئيسي” داخل الخلايا السرطانية.

وقد يؤدي هذا الاكتشاف إلى تطوير علاجات مركبة أكثر فعالية، ليس فقط لسرطان البنكرياس، بل لغيره من الأورام العدوانية التي تعتمد على آليات مشابهة للبقاء.

سرطان البنكرياس: العدو الذي لا يُقهَر

يُعرف السرطان المستهدف باسم “سرطان الغُدّة البنكرياسية القنوي” (Pancreatic Ductal Adenocarcinoma - PDAC)، وهو يمثل أكثر من 90% من حالات سرطان البنكرياس، ويتميّز بمعدل بقاء منخفض جدًا لا يتجاوز 13% على المدى الطويل، بسبب مقاومته الفطرية للعلاج الكيميائي والإشعاعي وحتى المناعي. وهو سرطان لا يكتفي بالنمو ، بل يبني حوله نظام دفاعي متكامل يجعل منه حصناً منيعاً أمام أي تدخل علاجي تقليدي.

وقالت الدكتورة ميليسا فيشل، عالمة الأحياء الخلوية الورمية وأحد مؤلفي الدراسة: “هذا البحث يكشف لنا عن نقطة ضعف جديدة تمامًا في سرطان البنكرياس. نحن لا نستهدف الورم فقط، بل نستهدف آلية بقائه الكيميائية. وهذا يفتح الباب أمام علاجات مركبة قد تكون أكثر فعالية من أي شيء متاح اليوم.”

الثنائي البروتيني

ركز فريق البحث على بروتينين مفرطي التعبير في أورام البنكرياس مقارنة بالأنسجة السليمة: عامل المؤثر الأحمر-الأكسدي-1 (Ref-1) وبيروكسي ريدوكسين-1 (PRDX1). ويشبه الباحثون Ref-1 بـ “مشغّل لوحة التحكم الجينية” داخل الخلايا السرطانية، حيث يُفعّل عوامل نسخ جينية تحفّز نمو الورم ومقاومته للإجهاد والتهرب من الموت.

أما PRDX1 فهو بمثابة “حارسه الشخصي”، حيث ينظّف الخلايا من الجذور الحرة الضارة (Reactive Oxygen Species - ROS) ويحافظ على التوازن الكيميائي الذي يسمح لـ Ref-1 بالاستمرار في عمله دون انقطاع. وهكذا، يشكل الثنائي نظام دعم حيوي للورم، يمنحه القدرة على الصمود حتى في أقسى الظروف العلاجية.

التجربة التي غيّرت المعادلة

لجأ الباحثون إلى تقنيات متقدمة، منها تعديل الجينات باستخدام CRISPR/Cas9 وتقنية siRNA، لخفض مستويات PRDX1 في خلايا سرطان البنكرياس، ثم عُرّضت هذه الخلايا لدواء تجريبي هو APX2014، المصمم خصيصًا لتثبيط النشاط الأكسدي لـ Ref-1. وشملت التجارب مزارع خلوية ثنائية ضمت الخلايا الورمية والخلايا الليفية المرتبطة بالسرطان (CAFs) — وهي خلايا تُعدّ جزءًا أساسيًا من “الستروما” التي تحمي الورم وتغذيه — بالإضافة إلى نماذج ثلاثية الأبعاد تحاكي بيئة الورم الطبيعية بدقة، وأخيرًا فئران زُرعت بأورام بشرية (نماذج زرع خيفي) لاختبار التأثير في كائن حي.

انهيار دفاعات الورم

وكانت النتائج واضحة ومذهلة: إسكات PRDX1 جعل الخلايا السرطانية أكثر حساسية بعشرات المرات للدواء APX2014 مقارنةً باستخدام الدواء وحده. كما أدى الجمع بين التعطيل الجيني والدواء إلى تحفيز قوي لعملية الموت المبرمج، وتقليص حجم الأورام في الفئران، وتحسّن ملحوظ في معدلات البقاء. والأكثر إثارة أن هذا التأثير لم يقتصر على الخلايا السرطانية وحدها، بل طال أيضًا الخلايا الليفية المحيطة بها، ما يشير إلى أن الورم وبيئته المحيطة في شراكة كيميائية حيوية، يعتمد كل منهما على الآخر للبقاء في البيئة القاسية التي يخلقها السرطان.

مفاجأة غير متوقعة

ومن بين أكثر ما فاجأ الفريق أن الخلايا الليفية المرتبطة بالسرطان — والتي طالما اعتُبرت مجرد دعامة فيزيائية أو حاجز يحمي الورم — تبيّن أنها تعتمد هي الأخرى على Ref-1 وPRDX1 للبقاء. وهذا يعني أن استهداف هذا الثنائي البروتيني لا يُضعف الخلايا السرطانية فحسب، بل يُصيب أيضًا “البيئة الداعمة” التي تحيط بها، مما يفتح الباب أمام علاجات تضرب الورم من جبهتين في آنٍ واحد — من الداخل عبر خلاياه، ومن الخارج عبر شبكته الداعمة.

تأكيد سريري

ولم يقتصر البحث على النماذج المخبرية؛ فقد حلّل الباحثون عينات من أنسجة مرضى حقيقيين، ووجدوا أن مستويات Ref-1 وPRDX1 مرتفعة بشكل ملحوظ في الأورام مقارنة بالأنسجة الطبيعية، ما يؤكد أهمية هذا المسار البيولوجي في المرض البشري، ويجعله هدفًا علاجيًا واعدًا لا يمكن تجاهله.

وقال الدكتور مارك كيلي، الأستاذ وباحث السرطان وأحد كبار المؤلفين: “المفاجأة كانت في الخصوصية المطلقة لـ PRDX1. بين كل عائلة البروتينات المشابهة، فقط إزالته — وليس غيره — جعل الأورام حساسة جدًا للدواء. الجمع بين استهداف الحارس والمشغل أعطى نتائج لم نرَ مثلها من قبل.”

رغم الوعد الكبير، يقر الباحثون ببعض التحديات التي لا تزال قائمة. فمعظم البيانات مستمدة من نماذج حيوانية ومختبرية، ولا تزال بحاجة لتأكيد في التجارب السريرية البشرية. كما أن الدواء APX2014 تم حقنه مباشرة في الأورام — وهو أسلوب غير عملي في الاستخدام السريري المباشر، الذي يعتمد عادةً على التناول الفموي أو الوريدي. وبمجرد تطوير مثبطات فعالة لـ PRDX1، يمكن دمجها مع هذا الدواء في علاجات مركبة، مما قد يُسرّع الانتقال من المختبر إلى غرف المرضى.

يورو نيوز المصدر: يورو نيوز
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار