قرر الاحتياطي الفدرالي الأميركي في 10 ديسمبر/كانون الأول الحالي خفض النطاق المستهدف ل سعر الفائدة الأساسي بمقدار 25 نقطة أساس ليصل إلى 3.50% – 3.75%، في خطوة أنهت أشهرًا من الترقب، لكنها لم تمثل انعطافًا جذريًا في السياسة النقدية .
فقد شدد البنك المركزي، في بيانه، على أن قراراته المقبلة ستظل مرهونة بالبيانات الاقتصادية، ولا سيما مسار التضخم وقوة سوق العمل، دون أي التزام مسبق بمسار تخفيضات متتالية.
ووفقًا لما نقلته رويترز، كشف القرار عن تباين داخل لجنة السوق المفتوحة، كما أظهرت التوقعات الاقتصادية المحدثة أن غالبية صناع السياسة لا يتوقعون أكثر من خفض إضافي واحد خلال عام 2026.
وقد فُهم ذلك في الأسواق على أنه رسالة واضحة بأن الفدرالي لا يرى أن معركة التضخم قد انتهت بعد، وأن أي تيسير إضافي سيكون محسوبًا وبطيئًا.
لكن ماذا يعنيه هذا الخفض فعليًا للحياة المالية اليومية؟
من الناحية العملية، لا تنتقل قرارات الفائدة من الفدرالي إلى الأفراد بشكل مباشر أو متساوٍ:
ولهذا أوضح رويترز أن إشارات الفدرالي حول احتمال التوقف المؤقت حدّت من تراجع العوائد طويلة الأجل، رغم خفض الفائدة الرسمي.
بعبارة أبسط، خفض الفائدة يخفف الضغط، لكنه لا يغيّر قواعد اللعبة فورًا.
السيناريو الذي تميل إليه الأسواق حاليًا، استنادًا إلى تصريحات مسؤولي الفدرالي التي نقلتها رويترز، هو استمرار ما يُعرف بـ"الهبوط الناعم"، وهو تباطؤ اقتصادي تدريجي، مصحوب بتضخم ينخفض ببطء، وسوق عمل يفقد بعض الزخم من دون انهيار حاد.
في هذا السياق، يفضّل الفدرالي الإبقاء على السياسة النقدية في منطقة تقييدية نسبيًا، مع هامش ضيق للتخفيضات.
بالنسبة للأفراد، يعني ذلك أن:
ومن هنا تظهر الفكرة الأساسية بكون السياسة النقدية لم تعد عبئًا إضافيًا، لكنها أيضًا ليست حلا بحد ذاتها.
في حال تراجع التضخم بوتيرة أسرع من تقديرات الفدرالي، من دون ارتفاع كبير في البطالة، قد يفتح ذلك الباب أمام خفض إضافي للفائدة، عندها:
لكن هذا السيناريو يحمل وجهًا آخر أقل إيجابية. فمع كل خفض إضافي، تتراجع عوائد الادخار، وتفقد الحسابات النقدية جاذبيتها، ويُدفع الأفراد -خصوصًا المتقاعدون- نحو البحث عن بدائل قد تكون أعلى مخاطرة.
ولهذا، ووفقًا لما نقلته رويترز، لا يزال هذا المسار يُنظر إليه على أنه احتمال ثانوي في المرحلة الحالية، في ظل استمرار المخاوف من ضغوط سعرية محتملة مرتبطة بالطاقة أو التجارة العالمية.
السيناريو الأكثر إرباكًا يتمثل في عودة التضخم للارتفاع، سواء بسبب صدمات خارجية أو عوامل تجارية. في هذه الحالة، قد يتوقف الفدرالي عن أي خفض إضافي، وتبقى الفائدة مرتفعة لفترة أطول، مما يعني أن استفادة الأفراد من الخفض الحالي ستكون محدودة.
أما في حال حدوث تباطؤ اقتصادي حاد أو ركود ، فقد يلجأ الفدرالي إلى خفض أكبر للفائدة، لكن التجربة تُظهر أن البنوك في مثل هذه الظروف تميل إلى تشديد الإقراض.
ونتيجة لذلك، يكون المستفيد الأكبر هم أصحاب الدخل المستقر والتصنيف الائتماني القوي، في حين لا تشعر الفئات الأكثر هشاشة بتحسن فوري.
والخلاصة أن تقليل الديون المكلفة، الحفاظ على قدر كافٍ من السيولة، وعدم ربط القرارات المصيرية بتوقعات غير مؤكدة لمسار الفائدة، كلها عوامل ستظل أكثر أهمية من أي خفض منفرد في سعر الفائدة.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة