اجتمع قادة الدول الأكثر نفوذا في العالم بمدينة جوهانسبرغ -نهاية الأسبوع الماضي- في قمة مجموعة العشرين برئاسة جنوب أفريقيا، التي وُصفت بأنها محطة مفصلية في مسار معالجة أزمة الديون التي تعصف بالجنوب العالمي.
وشدد رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا باستمرار على أن القضية تمثل محور أجندته، مؤكدا أن تكاليف السداد المتصاعدة تركت الحكومات، خصوصا في أفريقيا، بلا مساحة لتمويل الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم.
ورغم التعهدات المتكررة -ومن بينها إعلان القادة عن "تعزيز تنفيذ الإطار المشترك لمجموعة العشرين"- فلم تقدم جنوب أفريقيا أي مقترحات جديدة لتخفيف القيود المالية عن الدول المثقلة بالديون.
وتبددت الآمال بأن يستخدم قادة العالم القمة لمعالجة أزمة الديون السيادية عندما غاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن الاجتماع، وسط خلافات مع جنوب أفريقيا بشأن سياساتها الداخلية، في وقت يشهد فيه العالم انسحاب واشنطن من التعددية.
كما مثلت القمة نهاية فترة وجيزة من قيادة الجنوب العالمي لمجموعة العشرين، بعد رئاسة إندونيسيا عام 2022، والهند عام 2023، والبرازيل عام 2024. ومن المقرر أن تتولى الولايات المتحدة رئاسة المجموعة في الأول من ديسمبر/كانون الأول المقبل.
تضم مجموعة العشرين 19 اقتصادا متقدما وناشئا، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، وتمثل 85% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وقرابة ثلثي سكان العالم.
في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اجتمع وزراء مالية ومحافظو البنوك المركزية في واشنطن وأصدروا بيانا توافقيا حول الديون، جاء فيه:
"ندرك أن ارتفاع مستويات الديون يمثل إحدى العقبات أمام النمو الشامل في عديد من الاقتصادات النامية، ويحد من قدرتها على الاستثمار في البنية التحتية، والقدرة على مواجهة الكوارث، والرعاية الصحية، والتعليم، وغيرها من الاحتياجات التنموية".
كما تعهد البيان بـ"إعادة تأكيد التزامنا بدعم جهود الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل لمعالجة هشاشة الديون بطريقة فعالة وشاملة ومنهجية".
وفقا لمعهد التمويل الدولي، ارتفع إجمالي ديون الدول النامية إلى مستوى قياسي بلغ 109 تريليونات دولار بحلول منتصف عام 2025.
وقد أجبرت جائحة كوفيد-19، والصدمات المناخية، وارتفاع أسعار الغذاء عديدا من الدول الفقيرة على الاعتماد على الديون لاستقرار اقتصاداتها، مما زاحم الاستثمارات الأخرى.
على سبيل المثال، قدرت الأمم المتحدة أن أكثر من 40% من الحكومات الأفريقية تنفق على خدمة الديون أكثر مما تنفق على الرعاية الصحية.
قبل صدور البيان الختامي للقمة، أدانت 165 منظمة خيرية -في رسالة- بطء تقدم المجموعة في تحقيق استدامة الديون، وحثت الرئيس رامافوزا على تنفيذ إصلاحات قبل تسليم رئاسة المجموعة إلى الولايات المتحدة.
وطالبت الرسالة صندوق النقد الدولي ببيع احتياطاته من الذهب وإنشاء صندوق لتخفيف الديون، كما دعمت إنشاء "ناد للمقترضين" لتسهيل التعاون بين الدول المنخفضة الدخل.
لكن حتى الآن، لم تكمل أي من الدول المنضمة إلى الإطار المشترك -إثيوبيا وزامبيا وغانا وتشاد- صفقات إعادة هيكلة ديونها، ولم يوفر البرنامج سوى 7% من تكاليف الديون لتلك الدول الأربع.
منذ أوائل الألفية، ألغى صندوق النقد والبنك الدولي وبعض دائني نادي باريس أكثر من 75 مليار دولار من الديون.
لكن بعد الأزمة المالية عام 2008، تدفق المقرضون من القطاع الخاص إلى الاقتصادات المنخفضة الدخل، ليحلوا تدريجيا محل القروض الأرخص من المؤسسات الدولية.
وبين عامي 2020 و2025، ذهب نحو 40% من مدفوعات الديون العامة الخارجية من الدول المنخفضة الدخل إلى مقرضين تجاريين، بينما ذهب ثلثها فقط إلى مؤسسات متعددة الأطراف.
كما برزت الصين بوصفها أكبر دائن منفرد في العالم، خصوصا في الجنوب العالمي، حيث التزمت بأكثر من 472 مليار دولار عبر بنوكها بين 2008 و2024.
أشارت تقارير خبراء ومنظمات مدنية إلى أن تنوع المقرضين وصعوبة التنسيق بينهم جعل حل الأزمات أكثر تكلفة وتعقيدا.
ودعت أصوات عديدة إلى إنشاء هيئة مستقلة لإعادة هيكلة الديون، على غرار محكمة الإفلاس الأميركية، لتسريع المفاوضات وتقليل التكاليف الاقتصادية.
لكن مع ضعف التعاون المتعدد الأطراف حاليا، تبقى هذه الطموحات بعيدة المنال.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة