في قراءة تحذيرية جديدة لما ترى أنه تحول خطير في أسس الرخاء الأميركي، اعتبرت وزيرة الخزانة الأميركية السابقة جانيت يلين أنّ الولايات المتحدة "تقوّض نجاحها الاقتصادي" من الداخل، محذّرة من أنّ الضغوط السياسية على سيادة القانون، ومجلس الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأميركي)، والجامعات تهدد الأساس المؤسسي للازدهار الأميركي، وفق ما أوردته وكالة بلومبيرغ.
وتقول يلين إنّ ما عبّرت عنه في خطابها في يوليو/تموز 2024 حول ضرورة "عدم الانجرار بعيدا عن الروح الديمقراطية" لم يكن خطابا رمزيا، بل تحذيرا مبكرا من انحراف ينعكس اليوم بشكل أوضح.
وتنقل بلومبيرغ عنها قولها إنّ الديمقراطية الأميركية "تبدو كأنها في خطر وجودي"، مضيفة أن استمرار هذا المسار سيترك الأميركيين "يدفعون ثمنا باهظا".
وتذكّر يلين في حديثها لـ"بلومبيرغ" بأنّ الأبحاث التي استشهدت بها -ومنها أعمال دارون عجم أوغلو وجيمس روبنسون- توضح أن "شرعية المؤسسات وسيادة القانون ترتبطان مباشرة بنمو الناتج المحلي الإجمالي ".
وبالنسبة لها فإن "السياسات الاقتصادية القائمة على النزوات والضغائن" باتت علامة مقلقة على انحراف سياسي قد يضرب قواعد الاستثمار وثقة الشركات.
وتضيف: "أنت تريد أن تعرف أنك ستُعامل بإنصاف… وأن القواعد ستُطبق بطريقة غير سياسية"، محذّرة من أنّ تسييس القرارات التنظيمية قد يدفع المستثمرين المحليين والأجانب لإعادة التفكير في ضخ رؤوس الأموال.
وتلفت بلومبيرغ إلى أن يلين -التي شغلت رئاسة الاحتياطي الفدرالي ووزارة الخزانة ومجلس المستشارين الاقتصاديين- ليست طارئة في معارضتها لسياسات الرئيس دونالد ترامب ، لكنها هذه المرة تحذّر من "انهيار خطير في استقلال الفدرالي".
وتنقل بلومبيرغ عنها قولها إنّ مطالبة ترامب المتكررة بخفض أسعار الفائدة "من أجل تخفيف عبء الدين الحكومي" تُعدّ انتهاكا مزدوجا، ففيها تدخلا مباشرا في سياسة نقدية يجب أن تبقى مستقلة، إلى جانب أنها دعوة صريحة للفدرالي لتجاهل تفويضه القانوني بشأن التضخم والوظائف.
وتضيف يلين: "لو حدث هذا في دولة نامية، لكانت رؤوس الأموال قد فرت فورا ولانهار سعر الصرف وارتفعت أسعار الفائدة طويلة الأجل"، وتتابع بعبارة لافتة: "نحن في خطر التحول إلى جمهورية موز".
"جمهورية موز" هو وصف لدولة تعاني من تفكك مؤسسات الدولة وتسييس الاقتصاد بحيث تصبح السلطة السياسية تسيطر على البنك المركزي والاقتصاد، وهناك ضعف مؤسسات القانون.
كما تربط يلين بين استقلالية الفدرالي والحفاظ على سيادة القانون، محذّرة من أن محاولات عزل مسؤولين في مجلس الاحتياطي الفدرالي -مثل ليزا كوك- تعني عمليا "نهاية استقلال الفدرالي، لأنه عندها يمكن إقالة أي شخص".
وبحسب بلومبيرغ، تتخوف يلين من أن التضييق السياسي على الجامعات والطلاب الأجانب يهدد واحدة من أقوى ركائز الاقتصاد الأميركي، المتمثل بالابتكار والتقدم البحثي.
وتنقل الوكالة عنها قولها: "نحن بدأنا نخسر علماء وباحثين… هناك تخويف صريح لأي شخص قد يعبّر عن فكرة لا تعجب الرئيس".
وتحذّر من أن ذلك سيضعف قدرة أميركا على قيادة سباقات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، قائلة: "جزء كبير من نموّنا يأتي من قيادتنا للتقنيات الجديدة وقدرتنا على إطلاق أعمال جديدة تستغل تلك التقنيات".
أما على صعيد الأسواق، فتقول بلومبيرغ إنّ يلين تقرّ بأن الأداء الحالي قوي، مع ارتفاع مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بنسبة 18% منذ يوم الانتخابات، لكن هذا الازدهار يستند بصورة كبيرة إلى "طفرة الذكاء الاصطناعي" التي قد تخفي هشاشة مؤسسية عميقة.
وتشير يلين إلى أن الدولار بدأ يُظهر علامات ضغط، إذ تراجع 4% منذ إعلان الرسوم الجمركية في أبريل/نيسان الماضي، على الرغم من توقعات رسمية بأنه سيستفيد من التشدد التجاري.
وفي حديثها لبلومبيرغ، تعترف يلين بأنّ القضايا المؤسسية لا تظهر في "سعر علبة الحليب"، لكنها تُراكم مخاطر عميقة. وتقول: "في النهاية، يعود الأمر للأميركيين ليُدركوا الأثر الذي ستتركه هذه التحولات على حياتهم اليومية".
وتتوقع أن يعبّر الناخبون في الوقت المناسب عن رفضهم لهذا المسار، تماما كما عاقبوا الإدارة السابقة بسبب التضخم. لكنها تضيف: "السؤال هو: كم من الوقت سيستغرق ذلك؟".
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة