القاهرة – أطلقت مصر ، في سابقة تاريخية بسوق الدين الحكومي، أول إصدار من الصكوك السيادية بالعملة المحلية، بقيمة إجمالية بلغت 3 مليارات جنيه (63.2 مليون دولار) لأجل ثلاث سنوات، بمتوسط عائد تنافسي قدره 21.56%. يأتي ذلك في إطار جهود الحكومة لتنويع أدوات التمويل وتعزيز جاذبية السوق المالية وخفض تكلفة الدين العام.
شهد الطرح إقبالًا قويًا بتغطية تجاوزت خمسة أضعاف، وبعائد أقل تكلفة مقارنة بالسندات التقليدية التي سجلت 21.82% في الأسبوع السابق، كما جاء أدنى من سندات الخزانة المماثلة في اليوم ذاته، والتي بلغ متوسط عائدها 21.70%.
وتطرح هذه الخطوة تساؤلات محورية عن دلالاتها الاقتصادية:
وقالت وزارة المالية في أول بيان لها عقب الطرح، إن الإصدار يهدف إلى توسيع قاعدة المنافسة وجذب مدخرين جدد للاستثمار في الأوراق المالية الحكومية، بما يسهم في خفض تكلفة التمويل.
وأضافت الوزارة أن الصكوك تستهدف استقطاب شريحة جديدة من المستثمرين المهتمين بالأدوات المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، لدعم جهود الدولة في تنويع مصادر التمويل وإطالة عمر محفظة الدين العام.
وتشكل هذه الشريحة الأولى من برنامج الصكوك السيادية البالغ 200 مليار جنيه (نحو 4.21 مليارات دولار)، وهي صكوك إجارة قائمة على التأجير التمويلي لأصول مملوكة لوزارة المالية في رأس شقير بالبحر الأحمر .
وكانت مصر قد أنشأت برنامجًا عامًا لإصدار الصكوك السيادية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية بهدف تنويع مصادر التمويل وخفض تكلفة خدمة الدين، وضاعفت قيمته من 25 إلى 200 مليار جنيه (من 526 مليونًا إلى 4.21 مليارات دولار) بعد الإقبال القوي من البنوك والمؤسسات المالية.
وأصدر رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي في يونيو/حزيران 2025 قرارًا بتخصيص أكثر من 174 مليون متر مربع، أي ما يعادل نحو 41.5 ألف فدان من أراضي الدولة في منطقة رأس شقير لصالح وزارة المالية لاستخدامها في خفض الدين العام وإصدار الصكوك السيادية.
قال الخبير المصرفي طارق متولي، إن إصدار مصر لأول صكوك سيادية، ولا سيما صكوك الإجارة، يمثل خطوة نوعية في سوق الدين المحلي، إذ ترتبط هذه الصكوك بأصول حقيقية مملوكة للدولة، ما يوفر شفافية وضمانات إضافية للمستثمرين مقارنة بالسندات التقليدية، وهو ما يجذب اهتمام البنوك الإسلامية الكبرى.
وأوضح متولي في حديثه لـ"الجزيرة نت" أن إصدار الصكوك السيادية جاء استجابة لسببين رئيسيين:
ويرى متولي أن هذه الخطوة تمهد الطريق لموجة جديدة من التمويل الإسلامي في مصر، نظرًا لوجود قاعدة واسعة من العملاء في البنوك الإسلامية تبحث عن أدوات استثمارية شرعية.
ورغم إشادته بالخطوة، أشار الخبير المصرفي إلى أن الصكوك ليست سوى صيغة جديدة للدين الحكومي، فهي تسهم في خفض تكلفة التمويل، لكنها لا تقلل من حجم الدين العام، مضيفًا أنها تعكس، في الوقت ذاته، ثقة المؤسسات المالية في قدرة الحكومة المصرية على الوفاء بالتزاماتها.
وتُقدر الفجوة التمويلية للعام المالي الحالي بنحو 3.6 تريليونات جنيه (75.8 مليار دولار)، وتخطط وزارة المالية لتغطية هذا العجز بـ:
وعن توقيت الإطلاق، أوضحت نائبة رئيس بنك مصر سابقًا، أن السياسات المالية تُحدد وفق احتياجات الدولة في كل مرحلة، وقد رأت الحكومة أن إصدار الصكوك في هذا التوقيت ضرورة لتلبية متطلبات التمويل وجذب شريحة جديدة من المستثمرين.
وقالت في تصريحات لـ"الجزيرة نت"، إن الصكوك السيادية تمثل "طريقًا ثالثًا" لتخفيف تكلفة الدين وتوفير بدائل تمويلية مرنة تقلل من الاعتماد على السندات التقليدية أو التمويل الخارجي المباشر، مشيرة إلى أن عوائد الأصول أو قيمتها السوقية تشكل الضمان الأساسي لالتزام الدولة بسداد حقوق حاملي الصكوك.
وأضافت الخبيرة الاقتصادية أن نجاح الإصدار الأول وتغطيته خمس مرات يعكس ثقة المستثمرين ونجاح الحكومة في استقطاب مؤسسات مالية تلتزم بالاستثمار وفق مبادئ الشريعة الإسلامية، متوقعةً توسيع حجم الإصدارات في المرحلة المقبلة.
رغم النجاح في تدبير التمويل، لا تزال فوائد الديون تشكل ضغطًا هائلًا على الميزانية العامة، إذ التهمت هذه الفوائد كافة إيرادات الدولة خلال الربع الأول من العام المالي، بل تجاوزت إجمالي الإيرادات بنحو 50 مليار جنيه (1.05 مليار دولار).
وتأتي هذه التحديات في وقت تتوقع فيه الحكومة تسجيل عجز كلي بنسبة 7.3% من الناتج المحلي الإجمالي للسنة المالية الجارية.
ووفقًا لتقرير وزارة المالية، ارتفع العجز المالي إلى 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الأول، في وقت زادت فوائد الديون بنسبة 54% لتبلغ 695 مليار جنيه (14.6 مليار دولار) من إجمالي المصروفات، لتصبح العبء الأكبر على الموازنة والاقتصاد المصري ككل.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة