رئيس مجلس الوزراء السيد محمد شياع السوداني، يرعى مراسم توقيع اتفاقية مبادئ (HOA) بين وزارة النفط وشركة اكسون موبيل الأمريكية.
وخلال استقباله لنائب رئيس الشركة السيد بيتر لاردن والوفد المرافق له بحضور القائم بالأعمال الأمريكي لدى العراق، أشار السيد رئيس مجلس الوزراء الى أن… pic.twitter.com/RERfm5OoQi
— المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء 🇮🇶 (@IraqiPMO) October 8, 2025
بغداد – بعد انقطاع استمر قرابة عامين، عادت شركة إكسون موبيل، عملاق الطاقة الأميركية، إلى المشهد النفطي العراقي بخطوة إستراتيجية.
فقد أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني عن توقيع اتفاقية مع الشركة في 8 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، تهدف إلى مساعدة العراق في تطوير حقل "مجنون" النفطي العملاق في محافظة البصرة جنوبي البلاد، إضافة إلى توسعة البنية التحتية لتصدير النفط في البلاد.
هذه العودة تفتح الطريق أمام الشركة لاستكشاف أحد أكبر الحقول في العراق، وتأتي في وقت تعيد فيه كبرى شركات النفط العالمية، بما فيها إكسون موبيل، تركيزها على أصول النفط والغاز لتعزيز محافظها الاستثمارية.
أكد الخبير في قطاع الطاقة، عاصم جهاد، أن اتفاق المبادئ الأخير بين العراق وشركة "إكسون موبيل"، يتجاوز البعد الاقتصادي ليخدم أهداف العراق في تحقيق توازن سياسي واقتصادي في علاقاته النفطية مع واشنطن ، خاصة في ظل التنافس الأميركي الصيني والمتغيرات الإقليمية والدولية.
وقال جهاد للجزيرة نت إن الاتفاق يعكس رغبة "إكسون موبيل" في العودة للعراق، في محاولة لتعويض جزء من مشروع الجنوب المتكامل الذي لم يكتمل سابقا في إطار سعي الحكومة العراقية إلى إعادة بناء الثقة مع كبريات الشركات العالمية، وتحسين صورة البيئة الاستثمارية، بعد تراجع تنافس الشركات المصنفة في الصف الأول في جولات التراخيص السابقة.
أشار جهاد إلى أن وزارة النفط العراقية تعمل على إعادة النظر في صيغ التعاقد المعتمدة مع الشركات الأجنبية لجعل البيئة الاستثمارية أكثر جاذبية ومرونة. ويجري حاليا بحث الانتقال من صيغة عقود الخدمة الفنية التقليدية (المعتمدة منذ 2009 والتي حدت من جاذبية الاستثمار بسبب العوائد المحدودة والأخطار التشغيلية على المستثمر) إلى صيغ أكثر توازنا، مثل عقود المشاركة في الأرباح أو الشراكة في الإدارة.
وتهدف هذه الإصلاحات التعاقدية إلى:
وأوضح جهاد أن اتفاقية المبادئ لحقل مجنون، ليست العقد النهائي، بل تتطلب تنفيذ دراسات تجارية وفنية مفصلة والتفاوض على العقد التشغيلي، الأمر الذي قد يستغرق فترة زمنية، مرجحًا أن تختلف صيغة العقد الجديد لحقل مجنون جذريا عن عقود جولات التراخيص السابقة، حيث ستمنح مرونة أكبر في تقاسم الأرباح، وتفتح المجال أمام الشركة للدخول في أنشطة تسويق وتخزين النفط في الخارج، مما يحفز "إكسون موبيل" وربما شركات أميركية أخرى على زيادة استثماراتها في العراق.
وشدد جهاد على أن تحصين الاتفاق السياسي أمام التغييرات الحكومية المقبلة ضرورة لضمان استمرار الشراكة ورفع الثقة في البيئة الاستثمارية العراقية أمام الشركاء الدوليين.
ويقع حقل مجنون على بُعد 60 كيلومترًا (37 ميلًا) من البصرة جنوب العراق، وهو من أغنى حقول النفط في العالم، إذ تُقدَّر احتياطياته بنحو 38 مليار برميل.
في حين أكد الدكتور حمزة الجواهري، الخبير في الشأن النفطي، أن عودة شركة إكسون موبيل، إحدى أكبر شركات الطاقة العالمية، إلى العمل في العراق تمثل خطوة إستراتيجية ذات منافع اقتصادية وسياسية كبرى، أبرزها توفير خزين نفطي إستراتيجي للعراق خارج الحدود لاستخدامه في أوقات الأزمات والطوارئ.
وقال الجواهري للجزيرة نت إن عودة إكسون موبيل، التي كانت سابقًا مقتصرة على إنتاج وتطوير حقل غرب القرنة 1 (جنوبي البلاد)، تشمل الآن مجموعة واسعة من المشاريع، على رأسها:
وكانت إكسون موبيل قد غادرت الأراضي العراقية في مطلع 2024، حيث سلّمت جميع عملياتها في حقل غرب القرنة 1 (الذي يتجاوز إنتاجه 600 ألف برميل يوميًا) إلى شركة بتروتشاينا الصينية، في خضم انسحابات سابقة لشركات عالمية أخرى مثل شل و"بي بي".
وفقًا لتأكيدات الجواهري، فإن سعة إكسون موبيل التخزينية الهائلة حول العالم تُمثِّل "حلا أمثل" للعراق، وتغنيه عن الحاجة لإنشاء أنابيب تصدير إضافية باهظة التكلفة.
وأوضح أن الاستفادة من هذه المخزونات النفطية في مناطق جغرافية مختلفة تمنح العراق مرونة إستراتيجية كبيرة. ففي حال توقّف التصدير من منطقة الخليج لأي ظرف طارئ، يمكن للعراق الاستمرار في بيع نفطه بالاعتماد على مخزوناته الإستراتيجية الموجودة في خزانات إكسون موبيل خارج الحدود.
وأشار الخبير إلى أن الطاقة الإنتاجية للعراق حاليا 6 ملايين برميل يوميا، والتي تتجاوز التزامه مع أوبك والمقدرة بنحو 4 ملايين برميل يوميا يمكن أن تغذي هذه الخزانات لتكوين هذا الخزين الإستراتيجي الحيوي.
إلى جانب هذه المنفعة الإستراتيجية، تحدث الجواهري عن منافع اقتصادية أخرى مهمة منها تفعيل مشاريع المصافي والصناعات البتروكيميائية والتي ستغير شكل الصناعة النفطية في العراق وتعيد تشكيلها، مما يعطي أهمية قصوى لوجود البتروكيميائيات والمصافي المتطورة حسب المعايير العالمية الجديدة.
أما على الصعيد السياسي، فأكد الجواهري أن هذه الخطوة ستعيد التوازن بين عمل الشركات الأميركية والشركات الأخرى داخل العراق، خاصة بعد تراجع وجود الشركات الأميركية مؤخرا، موضحًا أن الدور الممنوح لإكسون موبيل سيكون "أكبر وأكثر أهمية" من عقود باقي الشركات، حيث ستتمكن من تخزين واستثمار كميات من النفط العراقي قد تصل إلى ما يقارب نصف الكمية التي يصدرها العراق فعليا عبر أوبك.
واستبعد الجواهري احتمالية استخدام النفط المخزن ورقة ضغط على العراق مستقبلا، مؤكدا أن جميع واردات تصدير النفط العراقي تودَع في الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأميركي)، فضلا عن النظرة الخاصة التي توليها واشنطن للعراق والحرص على تقوية المصالح المشتركة، لافتًا إلى أن المنافع الكبيرة التي حصلت عليها إكسون موبيل الآن كانت الدافع القوي لعودتها، خلافا للظروف والمكاسب المحدودة التي كانت سائدة عند خروجها قبل عامين.
من جانب آخر، أكد الخبير في الشأن النفطي، بلال خليفة، أن عودة الشركات الأميركية والغربية للعمل في القطاع النفطي العراقي، وفي مقدمتها شركة "إكسون موبيل"، تحمل دلالات إستراتيجية واقتصادية وسياسية مهمة في هذا التوقيت الحساس.
وقال خليفة لـ"الجزيرة نت"، إن الشركات الأميركية والغربية تتميز عن نظيراتها الصينية والآسيوية من حيث طريقة العمل ورصانة المنتج، مشيرا إلى أن هذا التباين هو سبب رئيسي في إدراج شرط "أن تكون المناشئ غربية وخصوصا الأميركية" في معظم المناقصات النفطية ذات الطبيعة الاستيرادية.
واعتبر خليفة أن الحالة الخاصة لـ"إكسون موبيل"، بعد انسحابها وعودتها للعمل مجددا، تعطي مؤشرات إيجابية قوية حول:
وأضاف الخبير النفطي أن دخول "إكسون" يحمل تبعات سياسية مهمة، مستشهدا بدور الشركات الأميركية في عدم سقوط إقليم كردستان بيد تنظيم الدولة الإسلامية سابقا بسبب حماية القوات الأميركية لمشاريعها هناك.
وأكد أن تنوع جنسيات الشركات العاملة في العراق يعكس إستراتيجية واضحة للابتعاد عن سياسة المحاور واعتماد مبدأ الحياد في علاقاته الدولية.
وفيما يتعلق بالضمانات الأمنية لـ "إكسون موبيل" بعد حادثة سحب موظفيها سابقا، شدد خليفة على أن الظروف الأمنية الحالية مختلفة تماما عن أيام الانفلات الأمني وظهور تنظيم الدولة.
وأشار إلى أن شركة "إكسون" "لا تحتاج ضمانات أمنية إضافية كي تعود للعمل".
وحول كيفية موازنة الحكومة العراقية بين جذب الشركات الغربية الكبرى مثل "إكسون موبيل" وتعميق الشراكات مع الشركات الآسيوية، أوضح خليفة أن الشركات الصينية والآسيوية "تحتل نسبة كبيرة قد تصل إلى 90% من الشركات العاملة في القطاع النفطي"، مؤكدا أن إدخال الشركات الغربية أمر بالغ الأهمية لكسر الاحتكار، وخلق تنافس يهدف إلى "تقديم أفضل الخدمات بأقل الأسعار".
وأكد خليفة على أن عودة عملاق أميركي في هذا التوقيت تمثل "النقطة الجوهرية والموضوع الإستراتيجي"، خاصة وأن التوتر السياسي في أوجه، محذرا من مغبة الاعتماد الكبير على الإيرادات النفطية من خلال دولة واحدة، ومعتبرا أن ذلك "خطأ كبير لتجنب إيقاف الإمدادات في حالة الطوارئ أو حدوث منازعات مستقبلية"، وأن هذا الاتفاق يعكس تحولا في إستراتيجية العراق نحو تقليل الاعتماد على طرف دولي واحد في قطاع الطاقة.