في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
القدس المحتلة- حذّر عشرات من كبار الخبراء الاقتصاديين في إسرائيل، من بينهم مسؤولون سابقون في وزارة المالية وبنك إسرائيل ورؤساء جامعات بارزون، من أن احتلال قطاع غزة قد يقود البلاد إلى أزمة اقتصادية خانقة ويضعف قدرتها على تحمّل الأعباء العسكرية والاجتماعية.
ووقّع أكثر من 80 خبيرًا اقتصاديًّا على بيان شديد اللهجة، أكدوا فيه أن هذه الخطوة ستفضي إلى تباطؤ النمو ، وزيادة الضرائب، وتضرر التصنيف الائتماني، وفرض عقوبات دولية، فضلا عن تفاقم هجرة الكفاءات، وفق ما أورده الموقع الإلكتروني "والا".
وفي رسالتهم، وجّه الخبراء انتقادًا مباشرًا لقرارات مجلس الوزراء "الكابينت"، ولا سيما المتعلقة باحتلال مدينة غزة وإجلاء نحو مليون شخص إلى جنوبها وتجميعهم في مخيمات، بحسب ما نقلته القناة الـ12 الإسرائيلية.
كما حذروا من أن مثل هذه العملية العسكرية، المتوقع أن تستمر عدة أشهر، ستؤدي بالضرورة إلى سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى في صفوف الجيش الإسرائيلي، إلى جانب تعريض حياة الأسرى المتبقّين في غزة لخطر داهم.
وأكدوا أن هذه الخطوة لن تحقق الهدف المعلن، إذ لا يُتوقع أن تهزم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ، بل قد تفضي إلى نتائج عكسية تثقل كاهل إسرائيل عسكريا واقتصاديا وأمنيا.
ومن بين الأسماء البارزة التي وقّعت على البيان، يبرز البروفيسور مانويل تريخترنبرغ، الرئيس السابق للمجلس الاقتصادي الوطني، المعروف بتأثيره على السياسات الاقتصادية والاجتماعية.
كما وقّع البروفيسور آفي بن باست، المدير العام السابق لوزارة المالية، إلى جانب البروفيسور ميشال ستربتشينسكي، الرئيس السابق لشعبة الأبحاث في بنك إسرائيل، ويورام أريآف، المدير العام السابق للوزارة.
وفي الجانب الأكاديمي والسياسي، حضر البروفيسور أفيشاي برافيرمان، الرئيس السابق لجامعة بن غوريون ورئيس لجنة المالية سابقًا في الكنيست ، إضافة إلى البروفيسور عومر موآف، المستشار السابق لوزير المالية وأحد أبرز الأصوات في قضايا السياسات النقدية، والبروفيسور رافي ملانيك، الرئيس السابق لجامعة رايخمان.
وجود هذه الشخصيات يعكس إجماعًا واسعًا داخل النخبة الاقتصادية على خطورة المضي في احتلال غزة.
معدّو الوثيقة، ومن بينهم البروفيسور إيتاي آتر والبروفيسور بيني بنتال والبروفيسور عيران يشيب، شددوا على أن احتلال غزة سيجرّ الاقتصاد الإسرائيلي إلى تدهور خطير، محذرين: "هذا ليس تهديدا اقتصاديا فحسب، بل تهديدا مباشرا للأمن القومي. اقتصاد ضعيف لن يكون قادرًا على تحمّل تكلفة حملة عسكرية طويلة".
وأجمع الخبراء على أن هذه السياسة قد تؤدي إلى إخراج إسرائيل من مجموعة الدول المتقدمة، ليس فقط بسبب التكاليف المباشرة للحرب، بل أيضًا نتيجة فقدان الثقة الدولية وتراجع مكانتها الاقتصادية عالميا.
وتستحضر تحذيرات الاقتصاديين تجارب إسرائيل السابقة مع الاحتلالات الطويلة، فالتجربة في جنوب لبنان بين عامي 1982 و2000 أظهرت أن السيطرة على منطقة معادية استنزفت الجيش والاقتصاد، وانتهت بانسحاب تحت ضغط الخسائر البشرية والمادية.
وكذلك الحال في غزة قبل 2005، حيث أثبتت تكلفة الإدارة العسكرية المباشرة لملايين السكان الفلسطينيين أنها عبء يفوق قدرة الدولة، ما دفع في النهاية إلى الانسحاب الأحادي الجانب.
اليوم، يحذر الخبراء من أن العودة إلى احتلال غزة ستعيد إنتاج هذه الأعباء ولكن على نطاق أوسع، في ظل اقتصاد أكثر هشاشة وسياق دولي أقل تسامحًا، وهو ما يجعل المخاطر الاقتصادية والمالية مضاعفة.
ويرى الاقتصاديون أن الخطوة ستترتب عليها خسائر بشرية واقتصادية جسيمة، تؤثر طويلا على الاستثمار والإنتاجية والخدمات الاجتماعية، مما يزيد هشاشة إسرائيل اقتصاديا واجتماعيا.
واستعرض مراسل الاقتصاد بالقناة الـ12 الإسرائيلية، يوفال ساديه، وثيقة كبار الاقتصاديين التي تحذر من تداعيات احتلال غزة على الاقتصاد ومستوى المعيشة، مؤكدًا أن الأعباء ستقع مباشرة على المواطن وتضعف مكانة دولة الرفاه.
وأشار إلى أن احتلال غزة سيزيد ميزانية الدفاع بعشرات المليارات لتغطية تكاليف الاحتياط والأسلحة والمعدات والتجهيزات اللوجستية.
وبحسب القانون الدولي، أوضح ساديه أن إسرائيل ستصبح السلطة السيادية على قطاع غزة، ما يحمّلها مسؤوليات ضخمة تجاه السكان تشمل المساعدات الإنسانية، والصحة، والتعليم، والبنية التحتية، بتكلفة لا تقل عن 60 مليار شيكل (نحو 18 مليار دولار) سنويا.
ولفت إلى أن الاحتلال سيؤدي إلى عقوبات أوروبية تضر بعلاقات إسرائيل التجارية، بالإضافة إلى هجرة رأس المال البشري عالي الجودة، مما يقلّص الإنتاجية والناتج المحلي ويزيد الضغط على مستوى المعيشة.
ويؤكد ساديه أن الضرر الاقتصادي سيجبر الحكومة على رفع الضرائب أو تقليص الخدمات في مجالات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، لمواجهة الانخفاض في الناتج المحلي وتراجع القوى العاملة المؤهلة.
وأوضح أن احتلال غزة سيجمع بين زيادة الإنفاق وتباطؤ النمو، ما يرفع الدَّين العام ويهدد التصنيف الائتماني، مع احتمال ارتفاع الفائدة والمخاطر الاستثمارية، ودخول إسرائيل في دوامة اقتصادية شبيهة بأزمات الأرجنتين واليونان.
وفي السياق، أصدر المعهد الإسرائيلي للديمقراطية تقدير موقف حول قرار الحكومة احتلال قطاع غزة، صاغه البروفيسور كارنيت فلوغ والبروفيسور يعقوب فرنكل، أكدا فيه أن هذه الخطوة ليست مجرد مرحلة أخرى في حرب مستمرة منذ عامين، بل تحمل عواقب اقتصادية واجتماعية وخيمة.
وأشار التقرير إلى أن تكثيف المقاطعة الدولية، وارتفاع تكاليف المعيشة، وتضرر الخدمات المقدمة للمواطنين، ستلقي الأعباء مباشرة على دافعي الضرائب، وأن القرارات السياسية يجب أن تكون مرفقة بنقاش إستراتيجي مهني وشفاف.
وأوضح التقرير أن إسرائيل تواجه تحديات وجودية غير مسبوقة، إذ يزيد الانقسام الداخلي وتتضاعف العزلة الدولية. ويعتبر احتلال قطاع غزة وسكانه البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة نقطة تحول خطيرة تهدد التضامن الاجتماعي، والشعب اليهودي في الشتات، وأرواح الجنود و"الرهائن".
وبحسب اتفاقيات جنيف 1949، ستتحمّل إسرائيل مسؤولية الخدمات الأساسية في غزة، وتقدّر تكلفة ترميم المباني والبنية التحتية بحوالي 180 مليار شيكل (53 مليار دولار)، قابلة للزيادة بسبب العمليات العسكرية الأخيرة.
كما ستتحمّل إسرائيل نفقات سنوية للخدمات الأساسية في غزة بنحو 10 مليارات شيكل، بالإضافة إلى أكثر من 20 مليار شيكل لإدارة حكومة عسكرية ومدنية، فضلا عن تكاليف التعبئة العسكرية والأسلحة.
وستنعكس عواقب الاحتلال على قطاع الأعمال، وخاصة التكنولوجيا المتقدمة، في صورة تراجع الإنتاجية والاستثمار نتيجة التعبئة المكثفة وفرض القيود الدولية، ما سيؤدي إلى ارتفاع الفائدة، وزيادة المخاطر، وتراجع التصنيف الائتماني.
وأشار التقرير إلى أن الاحتلال سيزيد عزلة إسرائيل ويضر بالاستثمار والبحث العلمي والتعاون الأكاديمي والجامعي، مع سحب الاستثمارات، وصعوبات التعاون الدولي، وتقليص برامج التبادل، مما يعيق الابتكار والتكنولوجيا بوصفهما محركين رئيسيين للاقتصاد الإسرائيلي.
ويتوقع التقرير أن يؤدي هذا السيناريو إلى زيادة الديون وفوائدها، وانخفاض النمو، وارتفاع تكلفة المعيشة، مع زيادة العبء الضريبي وخطر هجرة الأدمغة وترجع الاستثمار في الخدمات العامة.