آخر الأخبار

الإسكندرية: لماذا يبتلع البحر ضيوفه كل صيف؟

شارك
مصدر الصورة

شهد شاطئ "أبو تلات" في منطقة العجمي غرب محافظة الإسكندرية، حادثاً مأساوياً أواخر الشهر الماضي، أسفر عن مصرع ست طالبات وطالب واحد في إحدى أكاديميات الضيافة الجوية وإصابة عدد آخر، أثناء رحلة تدريب صيفية جماعية من محافظة سوهاج. تقول الروايات إن الأمواج الجارفة جرفت المصطافين، بينما لم يتدخل المشرفون لإنقاذهم.

يقول ياسر عبد المجيد، والد فارس، أحد الضحايا: كنت أتصفح فيسبوك عندما رأيت خبر الحادث منشوراً لدى زملائه، ثم اتصلت بهم ليخبرني أحدهم أن فارس قد مات. نحن لسنا معتادين على المصايف إطلاقاً، وكان ابني فارس في تدريب إجباري ضمن الأكاديمية.

في بيت فارس، تجمع الأصدقاء والناجيات لتقديم واجب العزاء. هاني رشاد عبد العزيز، صديق فارس وأحد الناجين من الحادث، يروي: "أخذونا من السكن الساعة الثامنة صباحاً، وجرينا نحو الشاطئ حوالي عشرين متراً. ثم قالوا لنا: انزلوا البحر. عند نزولنا، رأينا البنات يغرقن، والكثير من الطلاب حاولوا مساعدتهن. حاولنا طلب المساعدة، لكن لم يأتِ أحد، والمشرفون من الأكاديمية لم يكونوا يعرفون السباحة أو كيفية الإنقاذ".

مصدر الصورة

وفقًا لرواية هاني، استطاع فارس إنقاذ ست فتيات قبل أن يجرفه البحر. ويضيف: "أصعب لحظة عشتها عندما رأيت فارس يغرق وهم عاجزون عن مساعدته".

نجلاء حسن، 18 سنة، إحدى الناجيات، تروي: "في البداية، قيل لنا إننا سنذهب للشاطئ للتجربة فقط، وأنه لا داعي للنزول إلى المياه، لكننا نزلنا بالفعل. جلست بعض الفتيات عند أول الشاطئ، وكانت الأمواج تسحبهن. حاولنا تحذير المشرفين، لكن ردهم كان: سيخرجن الآن. لم يتدخل أحد، حتى بعدما بدا واضحاً أن الفتيات يغرقن. شعرت بعجز كبير، وسُحبت مع الأمواج، ولم أستطع التنفس، وظللت أتشبث بالرمال حتى تمكنت من الخروج وحدي".

ظل مروان، شقيق فارس، يتصل بهاتف أخيه، حتى رد أحد أصدقائه قائلاً: "فارس… تعيش إنت"، ما زاد صدمة العائلة.

يقول والد فارس، إنه "كان شاباً ملتزماً ومطيعاً، ومحباً للخير، وملتزماً بمحاضراته وتدريباته وعمله أكثر من أي شخص آخر. كان ممتازاً في دراسته، وكان طالباً متفوقاً في أكاديمية خاصة للطب والتمريض، ويُطلب بالاسم لمهارته في التعامل مع حالات المرضى".

المنتجعات السياحية وحركة الرمال والأمواج

مصدر الصورة

من جانبها، أصدرت محافظة الإسكندرية بياناً أعلنت فيه فتح تحقيق عاجل للوقوف على ملابسات الحادث، بما في ذلك مدى الالتزام بإجراءات السلامة خلال الرحلة، والتأكد من وجود منقذين أو إشراف كاف على الشاطئ. وأوضحت المحافظة أن شاطئ أبو تلات غير مخصص للسباحة في أوقات معينة نظراً لخطورة أمواجه.

بعد الحادث بيومين، أغلقت السلطات المصرية شواطئ الإسكندرية ومطروح والعلمين وبلطيم، بسبب اضطراب حالة البحر المتوسط، وناشدت هيئة الأرصاد الجوية المواطنين توخي الحيطة والحذر. هذه المرة الأولى التي تغلق فيها جميع شواطئ الإسكندرية بسبب الأمواج العالية، بينما شهدت المحافظة إغلاقات جزئية في سنوات سابقة، مثل شاطئ النخيل عام 2018.

يشرح الدكتور عماد الدين عدلي، رئيس المنتدى المصري للتنمية المستدامة، أن تزايد حوادث الغرق يرتبط بظاهرة "الدوامات" وارتفاع مستوى الأمواج، ويتزامن ذلك غالباً مع تحذيرات متكررة للمصطافين بعدم النزول إلى البحر. ويرى عدلي أن ارتفاع معدلات الغرق مرتبط بقلة خبرة المصطافين وتأثرهم بالظروف المناخية القاسية، بالإضافة إلى التدخلات البشرية العشوائية، مثل بناء مصدات الأمواج فيما تسمى القرى السياحية في الساحل الشمالي الغربي المصري، دون دراسات كافية أو تصاريح رسمية، مما أدى إلى تغير سلوك الأمواج وظهور دوامات خطيرة.

في السياق ذاته، أكد المستشار صبري الجندي، مستشار وزير التنمية المحلية السابق، وجود مخالفات بناء صارخة على الشواطئ، موضحاً أن القانون يحظر البناء على مسافة تقل عن 200 متر من البحر، لكن أغلب القرى السياحية لم تلتزم بذلك، وهو ما زاد من خطورة الشواطئ على المصطافين.

البحر يغضب ويأكل الشواطئ

رغم تكرار حوادث الغرق، قال اللواء أحمد خالد، محافظ الإسكندرية، إن عدد حالات الغرق هذا العام انخفض بنسبة 70% مقارنة بالسنوات الماضية، مع استمرار برامج تدريب وتأهيل المنقذين.

وفي إطار مكافحة التغيرات المناخية، بدأت مصر عام 2019 مشروع حماية دلتا النيل حتى عام 2025، بتمويل 31 مليون دولار من صندوق المناخ الأخضر للمناخ التابع لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لتوفير الحماية لسكان المناطق الساحلية المنخفضة في خمس محافظات، من خلال تركيب نظام سدود منخفضة التكلفة، وإنشاء نظام لرصد تغيرات مستويات سطح البحر وتأثيرها على تآكل الشواطئ.

وكانت دراسة للباحثة إسراء المصري بقسم علوم البحار بجامعة الإسكندرية، أظهرت أن المنطقة الساحلية بين الضبعة ورأس الحكمة فقدت في المتوسط نحو 55 سم من الشريط الساحلي سنوياً بين عامي 1990 و2020. هذا المعدل مرتفع للغاية مقارنة بما سجله تقرير للبنك الدولي عن تآكل السواحل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الذي قدر أن كامل الساحل المتوسطي المصري فقد نحو 10 سم سنوياً بين 1984 و2016.

مصدر الصورة

ويشير رئيس المنتدى المصري للتنمية المستدامة، إلى أن التغيرات المناخية وارتفاع مستوى سطح البحر المصاحب للاحترار العالمي، يصاحبها عواصف وتقلبات جوية متكررة على المناطق الساحلية، تؤدي إلى تغير طبيعة الشواطئ وارتفاع معدلات الإغلاق، وهو ما لم يكن موجوداً بنفس الشكل في الماضي. كما يرى أن ضعف وعي المصطافين يزيد من خطر الغرق، خاصة عند عدم الالتزام بتحذيرات إدارة الشواطئ.

نفى والد فارس بشدة ما تم تداوله عن وجود رايات حمراء تحذر من خطورة النزول إلى البحر قبل الحادث، مؤكداً أن "الرايات الحمراء لم توجد إلا بعد أن تم انتشال الأولاد ورفعهم بواسطة الإسعاف."

كيف نواجه غضب البحر؟

قدم المستشار صبري الجندي مجموعة من الحلول لضمان سلامة المصطافين، وهي إعادة تدريب وتأهيل الغواصين على جميع الشواطئ، وتزويد الشواطئ بأجهزة إنقاذ حديثة، وعدم الاكتفاء بالغواص البشري فقط، وإلزام المصطافين باتباع تعليمات إدارة الشواطئ، وعدم النزول في الأيام ذات الأمواج العالية، ومطالبة وزارة الموارد المائية والري بدراسة شاملة للمخاطر المتعلقة بالشواطئ، وإعلان النتائج للجمهور، مع استخدام الحواجز لمنع النزول في الأماكن الخطرة.

ويتفق معه عماد الدين عدلي رئيس المنتدى المصري للتنمية المستدامة، داعياً إلى تبني مفهوم "الإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية" في مصر، وهو ما يتطلب تعاوناً مستمراً بين كافة الأطراف المعنية، مثل هيئة الشواطئ، والمحافظات، والسلطات المحلية، والمجتمعات المحلية المتأثرة، فهي ظاهرة تحتاج إلى استراتيجية وطنية شاملة، والتعاون بين كافة الجهات المعنية لحماية أرواح المواطنين وثرواتنا الشاطئية.

ويطالب عدلي بضرورة التدريب المكثف لـ "المرشدين" أو المشرفين على الشواطئ لضمان توجيههم المصطافين بشكل جيد ومنعهم من النزول في الأوقات الخطرة، مع زيادة أعداد هؤلاء المشرفين، كما يقترح فرض غرامات على من ينزلون البحر رغم التحذيرات، لردعهم وجعلهم يفكرون "مائة مرة قبل النزول".

ويدعو رئيس المنتدى المصري للتنمية المستدامة إلى تطوير أجهزة إنذار مبكر متطورة في مصر للتنبؤ بالعواصف والتيارات والتقلبات الساحلية قبل حدوثها، لاتخاذ الإجراءات اللازمة للتعامل معها بفعالية.

ويطالب عدلي بفرض دراسات "تقييم الأثر البيئي" كشرط أساسي لأي نشاط يتعلق بالشواطئ. وأكد أن هذه الدراسات يجب أن تُنفذ بالتعاون مع الجهات العلمية والجامعات والمراكز البحثية، وأن يتم تجريم وتغريم من لا يلتزم بإجرائها.

في ختام اليوم، يجلس مروان، شقيق فارس، بجوار والده الذي يقرأ القرآن، ويقول: "كان فارس دائماً في ظهري، حتى لو لم يفعل شيئاً سوى الجلوس في البيت.. كان يمثل بالنسبة لي الأمان بعد أبي".

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار