في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
تسير في طريقها للعمل أو الدراسة وفجأة تتعرض للضرب على كتفها من قبل رجال غرباء وأحياناً نساء. هذا الموقف تعرضت له الشابة السورية إيمان بشكل متكرر. إيمان تعيش منذ عشر سنوات في ألمانيا، تدرس حاليا اللغة الألمانية وتعمل مدربة رياضية في برلين. تحدثت عن مواقف مشابهة تعرضت لها مثلاً خلال استخدامها المواصلات، كما ذكرت: هذا يظهر مثلا "عندما يفضل شخص ألماني الجلوس إلى جانب شخص ألماني آخر بدل الجلوس بجانبي". رغم ارتدائها الحجاب، تنفي أن يكون حجابها هو السبب الوحيد للمواقف التي تعرضت لها، بل لأنها بشكل عام تبدو شخصاً غريباً عن البلد.
أظهرت دراسة حديثة أجراها مركز الدراسات الإسلامية بجامعة مونستر الألمانية ونشرت نتائجها مجلة Chrismon بأن عددا متزايداً من الشباب المسلمين يشعرون بـ "الاغتراب" في ألمانيا. لا ينشأ هذا الشعور عادةً من تجارب شخصية سلبية، بل لأن الكثيرين لديهم انطباع عام بأن مجتمع الأغلبية ينظر إلى الجالية المسلمة نظرة سلبية في جميع المجالات، وبالتالي لا يعترف بهم شخصيًا ولا ينظر إليهم على قدم المساواة. وهذا الشعور بـ "الاغتراب" يمكن أن يُضعف التماسك الاجتماعي، بحسب الدراسة.
حوالي 20 في المائة من بين 1887 مسلمًا من أصول مهاجرة شملهم الاستطلاع لا يُعانون من هذه المشاعر السلبية. لكن اللافت للنظر هو أن الدراسة توصلت إلى أن "الشباب يتأثرون بتجارب تمييز لم يعيشوها بأنفسهم، بل تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو الحوارات العائلية، أو الخطابات السياسية. ومع ذلك يشعرون بارتباط قوي بها. فهم يتجهون أقل نحو تجاربهم الإيجابية الخاصة، وأكثر نحو هوية مشتركة كـ"مُهمّشين" في المجتمع الألماني".
يعيش محمد الوهابي في ألمانيا منذ حوالي ثماني سنوات ونصف. يقيم في برلين وهو نائب مدير مشروع في الاتحاد الرياضي لولاية برلين. بالإضافة إلى ذلك فهو ناشط في العمل المدني والتطوعي. وعن تزايد ظاهرة الشعور بالاغتراب لدى الشباب المسلم في ألمانيا، يوضح الوهابي: "من منظور علم الاجتماع، يُعد الشعور بالانتماء أحد العناصر الأساسية لتكوين هوية مستقرة، وخاصة لدى فئة الشباب. فعندما يشعر الشاب المسلم مرارًا بأنه "مختلف" أو "غير مقبول"، فإن ذلك يترك أثرًا عميقًا في نفسيته، ويؤثر على نظرته لذاته وثقته في المجتمع". ومن خلال عمله الذي يتيح له الاحتكاك مع الكثير من الشباب المسلمين في ألمانيا يشير الوهابي إلى أنهم "يواجهون تمييزًا يوميًا: سواء عند البحث عن عمل، أو سكن، أو في المدرسة، أو حتى في الحياة اليومية. كما يشعرون بعدم التمثيل في السياسة ، أو الإعلام، أو المناصب العامة. وهذا يولد شعورًا بعدم الانتماء، حتى لو كانوا مولودين في ألمانيا، ويتقنون لغتها، ويشاركون في بنائها".
محمد الوهابي واجه مثل هذه التحديات بشكل شخصي، كما يتحدث لـDW: "قبل أربع سنوات، تلقى رسائل عنصرية مجهولة من أحد الجيران، كتب فيها: "اخرج من بلادنا، أنتم تأخذون نساءنا وأعمالنا وتريدون أسلمة مجتمعنا." ويقول: "كنت أعرف من أرسلها، ولكن بدلًا من أن أرد بالكراهية، دعوت جاري لتناول الطعام معي. جهّزنا طعامًا مغربيًا، وجلسنا معًا وتحدثنا طويلًا. عندها اكتشفت أن هذا الرجل لم يسبق له أن تحدث إلى مسلم في حياته. كان يبني تصوراته فقط من خلال ما يقرأه في بعض الصحف أو يشاهده في وسائل الإعلام. لكن بعد الحديث، بدأ يرى الأمور من منظور مختلف، وفهم أن الواقع أعقد وأغنى من الصور النمطية التي كان يعتقدها". ومنذ ذلك اليوم، أصبح محمد الوهابي وجاره الألماني أصدقاء.
يحرص محمد الوهابي من خلال عمله على دعم الشباب المسلم في ألمانيا.صورة من: Privatجملة قصيرة بوزن ثقيل: "الإسلام الآن ينتمي أيضا لألمانيا"، صرح بها الرئيس الألماني الأسبق كريستيان فولف في الثالث من أكتوبر/ تشرين الأول 2010 في خطابه بمناسبة الذكرى العشرين لإعادة توحيد ألمانيا. فماذا تغير بعد 15 عاماً؟ بحسب تقرير صادر عن المرصد الوطني للتمييز والعنصرية -"ناديرا" للعام 2025، أفاد ما يصل إلى 55 في المائة من المسلمين المشاركين بتعرضهم للتمييز بسبب اعتبارهم "غير ألمان". فيما تتعرض 37 في المائة من النساء المسلمات للتمييز في المناصب العامة. ويتعرض 19 في المائة من الرجال المسلمين للتمييز من قبل الشرطة.
وفق المرصد الوطني للتمييز والعنصرية -"ناديرا" عام 2023، أفاد 36 في المائة من الرجال المسلمين و35 في المائة من النساء المسلمات بتعرضهم للتمييز والعنصرية بشكل متكرر في قطاع الرعاية الصحية. كما ذكر 54 في المائة من الرجال المسلمين و61 في المائة من النساء المسلمات، "الدين" كسبب أدى إلى تعرضهم للتمييز والعنصرية. هذه التجارب أثرت سلباً على الحياة اليومية للرجال والنساء المسلمات في ألمانيا، قد وصل إلى أن واحدة من كل ثماني نساء مسلمات حوالي 13 في المائة وسبعة في المائة من الرجال المسلمين قد أجّلوا زيارتهم للطبيب خوفًا من التعرض للتمييز هناك.
هذه التجارب تستغلها الجماعات الإسلامية المتطرفة. وقد أظهرت الدراسة الحديثة التي أجراها مركز الدراسات الإسلامية بجامعة مونستر الألمانية، "تغيراً في لغة الإسلامويين المتطرفين في السنوات الأخيرة". ففي الماضي، كانت السلفية التقليدية تفصل بين المؤمنين وغير المؤمنين بشكل صارم. أما اليوم، فتستخدم الحركات الإسلامية خطابًا سياسيًا قائمًا على الهوية. فهم يتحدثون عن "الغرب العنصري" و"المسلمين المضطهدين"، وعن "الرجل الأبيض" و"الأشخاص الملونين".
من جانبه يرى أوزكان كارادينيز الباحث في المركز الألماني لأبحاث الهجرة والاندماج (DeZIM) أن "الإسلامويين المتطرفين يستغلون هذا الإقصاء وقلة التقدير التي يتعرض لها المسلمون بسبب خلفياتهم الثقافية وجوانب هويتهم. ومن هنا ينطلقون عبر شبكات التواصل الاجتماعي، مخاطبين ومضخمين تجاربهم الخاصة في الاختلاف والانتقاص من قيمتهم. ويواجهون الازدراء الاجتماعي بتأطير إيجابي ومبالغ فيه لما يُفترض أنها صفات سلبية. وهذا ما يُمثل مدخلاً للاستقطاب".
ويؤكد الباحث كارادينيز على ضرورة العمل على صورة "ألمانيا كبلد هجرة" . ولكن هذه الصورة يجب أن تنعكس على أرض الواقع في المؤسسات التعليمية، وسوق العمل، والحكومة والإدارة، والأماكن العامة".