آخر الأخبار

الأنثروبولجية مايا ويند: هكذا تتواطأ "الجامعات الاستيطانية" مع الحركة الاستعمارية الإسرائيلية

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

فتح قرار "الجمعية الدولية لعلم الاجتماع" تعليق عضوية "الجمعية الإسرائيلية لعلم الاجتماع"، والذي اتُخِذ خلال انعقاد المنتدى الخامس لعلم الاجتماع التابع للجمعية الدولية بالعاصمة المغربية الرباط في الفترة من 6 إلى 11 يوليو/تموز الجاري، أهمية المقاطعة الأكاديمية مجددًا.

ويُعد هذا القرار امتدادًا لبيان "التضامن مع الشعب الفلسطيني" الذي أصدرته الجمعية الدولية في مايو/أيار الماضي، وقد أدان فيه "الجامعات ومؤسسات التعليم العالي في إسرائيل التي لعبت دورا محوريا في نظام إسرائيل الاستعماري الاستيطاني ونظام الفصل العنصري"، مشيرًا إلى صلاتها "بالمخابرات العسكرية، ومحاولات قتل المعرفة ، ومحاولات قتل المدارس"، مما دفعها إلى اتخاذ قرار تعليق العضوية الجماعية للجمعية الإسرائيلية.

لكن الأصوات النقدية القادمة من الداخل الإسرائيلي تكشفُ أبعاد وتفاصيل مهمة للموضوع.

وعلى ضوء ما تقدم، تأتي أهمية مقابلة الجزيرة نت مع الأنثروبولوجية الإسرائيلية مايا ويند (Maya Wind)، التي أوضحت أن كتابها "أبراج من العاج والفولاذ.. كيف ترفض الجامعات الإسرائيلية الحرية الفلسطينية" (Towers of Ivory and Steel: How Israeli Universities Deny Palestinian Freedom) الصادر عام 2024، يأتي استجابة لدعوة صدرت عن مثقفين وناشطين فلسطينيين عام 2004. وقد شكلت هذه المجموعة "الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل" (PACBI)، ودعت إلى مقاطعة الأكاديمية الإسرائيلية بسبب تواطؤها مع "نظام القمع الإسرائيلي".

وتعتبر ويند، أن هذه المقاطعة الأكاديمية هي "الدعوة التأسيسية" لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS). وبصفتها باحثة وناشطة، أرادت أن تكشف طبيعة هذا التواطؤ، وقد توصلت إلى أن الجامعات الإسرائيلية هي في الواقع "ركائز لهذا النظام"، فهي متورطة بعمق، وتعمل كبنية تحتية حيوية للحفاظ على المجتمع الإسرائيلي كمجتمع استيطاني استعماري.

إعلان

وتضيف أن الجامعات الإسرائيلية تتبع تقليد "الجامعات الاستيطانية" التي بُنيت في دول استعمارية أخرى مثل جنوب أفريقيا والولايات المتحدة، لتعزيز مشاريعها الاستيطانية. فالحركة الصهيونية أسست ثلاث جامعات قبل قيام الدولة، وهي الجامعة العبرية، والتخنيون، ومعهد وايزمان، بهدف صريح هو "بناء أمة يهودية" في فلسطين .

ولم تكن هذه المؤسسات خارج المشروع الاستيطاني، بل أصبحت حاسمة في طرد الفلسطينيين خلال النكبة . وقد عملت كقواعد للمليشيات الصهيونية مثل هاغاناه لتطوير الأسلحة، كما توظف الجامعات الإسرائيلية تخصصات أكاديمية معينة لخدمة المشروع الاستيطاني.

ففي مجال علم الآثار، يتم نهب القطع الأثرية الفلسطينية ومحو التاريخ الإسلامي لإضفاء الشرعية على المطالبات بالأراضي، وتُستخدم عمليات التنقيب كذريعة لإزالة الفلسطينيين من أراضيهم. أما دراسات الشرق الأوسط، فقد تطورت عند تقاطع المؤسسات الأمنية والجامعية، وتهدف إلى تدريب الجنود على اللغة العربية من أجل "مراقبة الشعب الفلسطيني بشكل أفضل".

وفي مجال الدراسات القانونية، تعمل كليات الحقوق على تطوير "تفسيرات مبتكرة" للقانون الدولي، بهدف تبرير جرائم الحرب الإسرائيلية، مثل الاغتيالات والتعذيب، وتساعد إسرائيل على التهرب من المساءلة.

مصدر الصورة في كتاب "أبراج من العاج والفولاذ" تحطم ويند الأسطورة التي طالما تمتعت بها الجامعات الإسرائيلية باعتبارها معاقل ليبرالية للحرية والديمقراطية (الجزيرة)

وبالإضافة إلى التواطؤ، تتناول الكاتبة القمع الممنهج الذي تمارسه الجامعات الإسرائيلية. فمنذ عقود، كانت هذه المؤسسات قمعية للغاية تجاه أعضاء هيئة التدريس والطلاب الفلسطينيين، كما يتم قمع الأبحاث النقدية حول مواضيع مثل النكبة. وترى مايا ويند أن حركة المقاطعة الأكاديمية فعالة جداً لأن الجامعات الإسرائيلية تعتمد بشكل كبير على العالم الغربي في التمويل والشرعية والنشر.

تعمل ويند حاليًا كزميلة في قسم الدراسات السوداء وقسم الإعلام والدراسات الثقافية بجامعة كاليفورنيا، ريفرسايد. يركز بحثها بشكل عام على كيفية استدامة المجتمعات الاستيطانية والأنظمة العالمية للنزعة العسكرية والشرطية، مع التركيز بشكل خاص على إعادة إنتاج وتصدير الخبرة الأمنية الإسرائيلية.

وفي كتابها، "أبراج من العاج والفولاذ"، تحطم ويند الأسطورة التي طالما تمتعت بها الجامعات الإسرائيلية باعتبارها معاقل ليبرالية للحرية والديمقراطية. وبالاعتماد على أبحاث مكثفة ومصادر عبرية، توثق الكاتبة كيف أن الجامعات الإسرائيلية متواطئة بشكل مباشر وفعال في انتهاك حقوق الفلسطينيين. فإلى الحوار:


*

من خلال كتابكم القيّم، "أبراج من العاج والفولاذ"، هل الجامعات الإسرائيلية متواطئة مع "نظام القمع الإسرائيلي" الممارس ضد الشعب الفلسطيني؟ وكيف ذلك؟

أُلّف هذا الكتاب استجابةً لدعوة صدرت عن مثقفين وناشطين فلسطينيين في عام 2004، أي قبل 21 عاماً من الآن، حيث اجتمعوا لتشكيل "الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل". في ذلك العام، أعلنوا دعوتهم للمجتمع الأكاديمي الدولي إلى مقاطعة الأكاديمية ونظام الجامعات الإسرائيلية. وقد استندت هذه الدعوة إلى ما وصفوه بتواطؤ نظام الجامعات الإسرائيلية مع "نظام القمع الإسرائيلي" الممارس ضد الشعب الفلسطيني.

إعلان

في الواقع، سبق ذلك؛ الدعوة الرسمية إلى حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) بعام كامل، مما يعني أن المقاطعة الأكاديمية هي الدعوة التأسيسية لحركة "بي دي إس"، وقد اعتبرتُ هذا الأمر مهماً ومثيراً للاهتمام؛ لأنه يوضح أن المثقفين والناشطين الفلسطينيين حددوا نظام الجامعات الإسرائيلية كركيزة أساسية لنظام إسرائيل للفصل العنصري والاستعمار الاستيطاني.

بصفتي ناشطة من القدس في حركات التحرير الفلسطيني طوال حياتي، ثم أكاديمية وباحثة، كان لدي اهتمام كبير بالإجابة على السؤال الذي طرحته "الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل" (PACBI)، وهو: هل الجامعات الإسرائيلية متواطئة؟ وإن كانت كذلك، فكيف؟

ولأنني يهودية إسرائيلية، أتمتع بامتيازات تتيح لي الوصول بسهولة إلى الأرشيفات الإسرائيلية، وحرم الجامعات، والمصادر العبرية، وإجراء المقابلات، كما تدربت كعالمة أنثروبولوجيا، مما مكنني من المراقبة الميدانية على مدار عدة سنوات.

وهكذا، ذهبت إلى الأرشيفات ومكتبات الجامعات الإسرائيلية وأجريت ملاحظات ومقابلات لأكشف حقيقة هذا التواطؤ. يوضح الكتاب أن الجامعات الإسرائيلية هي بالفعل ركيزة لهذا النظام، كما أشارت إلى ذلك "الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل" منذ فترة طويلة، فهي متورطة بعمق، وتعمل كبنية تحتية مهمة للحفاظ على المجتمع الإسرائيلي كمجتمع استيطاني استعماري وإنكار الحقوق الفلسطينية. ويفصل الكتاب كل الطرق التي يحدث بها هذا التواطؤ عبر نظام الجامعة.

تتبع الجامعات الإسرائيلية تقليداً طويلاً لما أُسميه "الجامعات الاستيطانية"، وهي مؤسسات تبنيها الأنظمة الاستيطانية الاستعمارية لتعزيز مشاريعها

مصدر الصورة الجامعات الإسرائيلية بنية تحتية لنظام استعماري، والدعوات لمقاطعتها بدأت منذ 2004 (أسوشيتد برس)
*

في كتابك، تُظهرين كيف أن الجامعات الإسرائيلية بُنيت منذ البداية لتكون أداة أساسية لدعم المشاريع الصهيونية، حيث أطلقتِ عليها وصف "الجامعات الاستيطانية"، هل يمكنك أن تشرحي لنا هذه الفكرة بمزيد من التفصيل؟ كيف أُسست هذه الجامعات لتكون أداة في خدمة هذه المشاريع الصهيونية؟

بالفعل، تتبع الجامعات الإسرائيلية تقليداً طويلاً لما أُسميه "الجامعات الاستيطانية"، وهي مؤسسات تبنيها الأنظمة الاستيطانية الاستعمارية لتعزيز مشاريعها.

بالنسبة للقراء الذين قد لا يكونون على دراية كاملة، تتأسس الدول الاستيطانية الاستعمارية دائماً بنفس الهدف: تصفية السكان الأصليين واستبدالهم بالمستوطنين لبناء دولة جديدة على أراضيهم. هذا المنطق نفسه نجده في جنوب أفريقيا، والولايات المتحدة، وكندا ، وأستراليا، ونيوزيلندا، والعديد من الدول الأخرى. إسرائيل ليست الأولى، لكنها تتشارك مع هذه الدول، خاصة تلك التي بُنيت تحت الإمبراطورية البريطانية، في دور مشابه للجامعات.

تُبنى هذه الجامعات على أراضٍ للسكان الأصليين تم تطهيرها من خلال الإبادة الجماعية والتجريد من الملكية، وبعد ذلك تعمل كمؤسسات تساعد على تعزيز مشروع الاستيطان ، وهو ما ينطبق تماماً على الحالة الإسرائيلية.

تُظهر الحركة الصهيونية، حتى قبل عام 1948، اهتماماً ببناء ثلاث جامعات، ليس فقط لتكون مراكز للتميز العلمي، بل تعتبرها جزءاً حاسماً من مشروع بناء أمة يهودية في فلسطين، ووضع الأساس للدولة الإسرائيلية. لقد رأت هذه الحركة أن الجامعات الثلاث: الجامعة العبرية (1918)، والتخنيون، ومعهد وايزمان، ضرورية لمشروع الاستعمار وكمؤسسات لبناء الدولة. وقد تم تأسيسها بشكل مقصود وصريح قبل فترة طويلة من قيام الدولة، لتكون جزءاً من مشروعها الاستيطاني.

لم تكن الجامعات خارج هذا المشروع، بل أصبحت هي نفسها حاسمة في طرد الفلسطينيين خلال النكبة. تم تجنيدها من قبل المليشيات الصهيونية، خاصة الهاغانا، حيث تحولت هذه الجامعات الثلاث إلى قواعد لتطوير التقنيات والأسلحة التي كانت مهمة لطرد الفلسطينيين. كما شارك أعضاء هيئة التدريس والطلاب أنفسهم في هذا التطوير والتصنيع.

إعلان

على سبيل المثال، طوّر طالب دكتوراه في الجامعة العبرية أدوات للمساعدة في تسميم مصادر مياه الشرب الفلسطينية بالتيفوئيد والدوسنتاريا في جميع أنحاء فلسطين التاريخية، بهدف طردهم ومنع عودتهم. هذا مجرد مثال واحد من أمثلة كثيرة لكيفية مشاركة الجامعات بنشاط كبير في النكبة.

كما أن الأشخاص الذين كانوا يعملون في هذه الجامعات لتطوير الأسلحة خلال حرب 1948 كانوا معفيين من الخدمة العسكرية الإلزامية، لأن عملهم اعتبر معادلاً للمشاركة في الحرب، مما يؤكد أهمية دور هذه المؤسسات في الصراع.


*

كيف تساهم الجامعات الإسرائيلية في مشاريع الاستيطان و"التهويد" عبر استخدام حرمها الجامعي كمواقع استراتيجية؟

تَستخدم الجامعات الاسرائيلية حرمها كمواقع مهمة لما تسميه إسرائيل "التهويد"، وهو مشروع يهدف إلى إحلال اليهود محل الفلسطينيين. على مر الزمن، أصبح حرم الجامعات نقطة ارتكاز لهذا المشروع في مناطق مختلفة.

ففي النقب، تساعد جامعة بن غوريون على طرد البدو الفلسطينيين وتوسيع الاستيطان اليهودي. وفي حيفا والجليل، وهي مناطق ذات تركيز عالٍ من الفلسطينيين بعد النكبة، بَنت إسرائيل جامعة حيفا للمساعدة في توسيع الاستيطان اليهودي وقطع الاتصال الإقليمي للفلسطينيين. كما جرى توسيع حرم الجامعة العبرية في جبل المشارف ليشمل أحياء فلسطينية محتلة مثل العيسوية في القدس الشرقية .

ولا ننسى جامعة أرئيل، التي تقع في قلب مستوطنة أرئيل غير القانونية في الضفة الغربية المحتلة، والتي كانت بمثابة محرك رئيسي لنمو المستوطنة، حيث شهدت نمواً هائلاً بعد تحول الكلية الصغيرة إلى جامعة معتمدة.


*

كيف وظف المشروع الاستيطاني الصهيوني التخصصات الأكاديمية، مثل الدراسات القانونية وعلم الآثار، ودراسات الشرق الأوسط، لخدمة الاستيطان وسياسات "التهويد"؟

فيما يتعلق بالتخصصات التي ذكرتها، كان بإمكاني الكتابة عن عدد لا حصرَ له من التخصصات التي وظفها المشروع الاستيطاني الصهيوني لخدمة سياساته، لكنني اخترت هذه التخصصات الثلاثة التي ذكرتها لأُسلط الضوء عليها في الكتاب.

ودعني أبدأ بعلم الآثار، الذي كان مجالاً حاسماً في إضفاء الشرعية على مطالبات إسرائيل بفلسطين التاريخية. يقوم هذا التخصص على نهب القطع الأثرية الفلسطينية، مما يعني أن علم الآثار الإسرائيلي يقوم على السرقة الممنهجة. توسع هذا المجال بشكل كبير بعد احتلال الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة عام 1967، حيث تجري عمليات نهب وتنقيب غير قانونية تخالف القانون الدولي واتفاقية جنيف .

ما فعلته إسرائيل بشكل ممنهج، ووفقاً للوثائق، هو محو التاريخ الفلسطيني والإسلامي الذي يمتد لمئات آلاف السنين، بينما تُنظَّم المواقع التاريخية لتقديمها على أنها يهودية حصراً. كما تُستخدم عمليات التنقيب الأثرية كذريعة لإزالة الفلسطينيين من أراضيهم في الوقت الحاضر.

لذلك، فإن الجامعات الإسرائيلية ومعاهدها الفنية والأثرية تشارك جميعها في هذه الممارسات غير القانونية، وتساعد إسرائيل على إثبات مطالباتها بالأرض من خلال هذه الروايات الأثرية، التي تُقدَّم على أنها بحث علمي.


*

هل يمكنكِ أن تشرحي لنا المزيد حول كيفية استغلال الجامعات الإسرائيلية للدراسات القانونية لتبرير ما حدث في فلسطين وفي الاحتلال؟

لا يقتصر الأمر على التبرير فحسب، بل يمتد إلى التمكين. إن مجال دراسات الشرق الأوسط، على سبيل المثال، يمثل تقاطعاً مهماً بين الدولة الأمنية الإسرائيلية، والجيش، والنظام الجامعي.

منذ البداية، لم يكن الغرض من تدريس اللغة العربية ودراسات المنطقة هو دمج الإسرائيليين في محيطهم، بل كان يهدف إلى فهم المنطقة بشكل أفضل لإخضاع الشعب الفلسطيني. لذا، تُستخدم الخبرات التي تتطور في أقسام دراسات الشرق الأوسط لهذا الغرض تحديداً.

هناك تناوب مستمر بين الأكاديميا والحكومة العسكرية، حيث يعمل العديد من القائمين على السيطرة العسكرية على الفلسطينيين كأكاديميين في هذه الأقسام. وعلى سبيل المثال، في قسم دراسات الشرق الأوسط والدراسات الإسلامية بالجامعة العبرية، يوجد برنامج مرموق يسمى "حاباط سالوت" (زهرة الزنبق) مخصص لتدريب جنود المخابرات الإسرائيلية على اللغة العربية ودراسات المنطقة لتمكينهم من مراقبة الشعب الفلسطيني بشكل أفضل.

وفي الوقت الحاضر، يساعد هؤلاء الخبراء في تحديد الأهداف للاغتيالات الإسرائيلية في غزة. وبهذا، تقدم الجامعة نفسها كقاعدة للجيش لتدريب جنوده على تنفيذ مهام الاحتلال غير القانوني، والآن الإبادة الجماعية.

إعلان

أما الدراسات القانونية فهي مجال آخر مهم للمناقشة، خاصةً ونحن نرى الفشل التام للنظام القانوني الدولي. لقد استمرت إسرائيل في العمل مع الإفلات التام من العقاب، ويرجع ذلك جزئياً إلى محاولاتها المستمرة للتأثير على الرأي القانوني الدولي لصالحها.

لقد عملت كليات الحقوق في الجامعات الإسرائيلية على تطوير تفسيرات مبتكرة للقانون الإنساني الدولي وقوانين الحرب، بهدف جعل ممارساتها ممكنة ومقبولة، مثل: الحفاظ على احتلال عسكري غير قانوني، والقيام بالاغتيالات، والتعذيب، واستخدام القوة غير المتناسبة ضد المدنيين.

ولم يُحاسب الإسرائيليون على جرائم الحرب هذه مطلقاً، وأحد الأسباب الرئيسية هو أن كليات الجامعات الإسرائيلية طورت تفسيرات تهدف إلى نزع الشرعية عن الأمم المتحدة، ومحكمة العدل الدولية ، والمنظمات الحقوقية الدولية التي وصفت إسرائيل بأنها دولة فصل عنصري، بهدف التهرب من المساءلة عن جرائمهم.

في الآونة الأخيرة، حشدت كليات القانون الإسرائيلية نفسها لنزع الشرعية عن القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، والتي تتهم فيها إسرائيل بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية.

باختصار، توضح الأمثلة المذكورة أن الجامعات الإسرائيلية تستخدم الخبرة القانونية لإضفاء الشرعية على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية الإسرائيلية، مما يؤكد دورها العميق في المشروع الاستعماري الحالي والإبادة الجماعية.

مصدر الصورة منذ البداية، كان تطوير الأسلحة والتقنيات متداخلاً بشكل وثيق مع نظام الجامعات الإسرائيلي (غيتي)
*

إن أي دولة عادية تمتلك جيشاً، فهل يمكننا القول إن إسرائيل هي جيش يمتلك دولة، وفي الوقت نفسه، هذا الجيش يمتلك جامعات؟

أعتقد أن ما ذكرته مثير للاهتمام. في الواقع، هناك تعبير شائع في إسرائيل يقول إنها "جيش يمتلك دولة"، وهذا صحيح، فإسرائيل مجتمع عسكري بالكامل.

وبصفتي باحثة في النزعة العسكرية الإسرائيلية، أرى أن الأمر ليس مجرد مسألة ملكية، بل هو مشاركة جماعية. فالمشروع العسكري لا يقتصر على الجيش والشرطة وأجهزة المخابرات، بل يتطلب أيضاً انخراط المجتمع المدني بأكمله.

إن الإبادة الجماعية الحالية، وأكثر من 100 عام من الاستعمار، لم تكن لتحدث لو كان الأمر مقتصراً على الجيش وحده. فالمجتمع بأكمله يشارك فيها بطرق مختلفة، وحتى الجامعات. كما أن البنية التحتية للمجتمع المدني، مثل الجامعات، تصبح جزءاً من هذا الجهاز، لأن الحفاظ على مجتمع استيطاني مثل إسرائيل، والقضاء المستمر على الفلسطينيين، يتطلب مشاركة جماعية حقيقية.

تتعاون الجامعات مع النظام الأمني الإسرائيلي على مستويات متعددة. فأولاً، تستضيف كل جامعة وتدير برامج دراسية مصممة خصيصاً للجنود، وعناصر جهاز الأمن العام (شاباك)، والشرطة. هذه البرامج، التي تشمل مختلف المجالات العلمية والإنسانية والاجتماعية، تهدف إلى تدريب القوى العاملة اللازمة للاحتلال ونظام الفصل العنصري.


*

تُظهرين في كتابك كيف تتعاون الجامعات مع الجيش والأمن الإسرائيلي على مستويات مختلفة، ليس فقط من خلال تقديم الدراسات العسكرية والتكنولوجيا، بل أيضاً على مستويات أخرى. هل يمكنكِ أن تشرحي لنا المزيد عن هذه الفكرة؟

تتعاون الجامعات مع النظام الأمني الإسرائيلي على مستويات متعددة. فأولاً، تستضيف كل جامعة وتدير برامج دراسية مصممة خصيصاً للجنود، وعناصر جهاز الأمن العام (شاباك)، والشرطة. هذه البرامج، التي تشمل مختلف المجالات العلمية والإنسانية والاجتماعية، تهدف إلى تدريب القوى العاملة اللازمة للاحتلال ونظام الفصل العنصري.

ثانياً، منذ البداية، كان تطوير الأسلحة والتقنيات متداخلاً بشكل وثيق مع نظام الجامعات الإسرائيلي. لقد وُلدت شركات مثل رافائيل وإلبيت والصناعات الجوية الإسرائيلية من رحم جامعات مثل معهد وايزمان والتخنيون. ولا يزال هذا التعاون قائماً بقوة حتى يومنا هذا، حيث تمول العديد من هذه الشركات المختبرات الجامعية وتستقطب الطلاب للانضمام إليها. كما يشارك أعضاء هيئة التدريس والطلاب في أبحاث مشتركة مع هذه الشركات.

وللتأكيد على عمق هذا الارتباط، قال أحد قادة الأكاديميا الإسرائيلية الذي شغل مناصب في مجلس التعليم العالي: إن "التبادلات الدولية هي الأكسجين للجامعات الإسرائيلية، والجامعات الإسرائيلية هي الأكسجين للصناعة العسكرية الإسرائيلية". هذه الكلمات تؤكد أن الصناعات العسكرية الإسرائيلية، بمكانتها الحالية كمصدر عالمي رئيسي، ما كانت لتتطور بهذا الحجم لولا الدعم الذي تقدمه لها الجامعات.


*

يتناول كتابك التواطؤ والقمع كجزأين أساسيين ومترابطين. كيف تنتج الجامعات الإسرائيلية المعرفة لدعم الاستعمار والفصل العنصري، وفي الوقت نفسه تقمع الفلسطينيين والأبحاث والنقاشات النقدية، مثل الدراسات التي تسلط الضوء على النكبة؟

صحيح، ينقسم الكتاب إلى جزأين أساسيين هما: التواطؤ والقمع، وكلاهما مترابط. يناقش الجزء الأول كيف تنتج الجامعات الإسرائيلية المعرفة بهدف الحفاظ على الاستعمار والفصل العنصري، بينما يوضح الجزء الثاني كيف تقمع هذه الجامعات المعارضة وأي حركة تحرر.

منذ البداية، كانت الجامعات الإسرائيلية قمعية بشكل كبير، خاصة تجاه أعضاء هيئة التدريس والطلاب الفلسطينيين. في العقود الأولى، لم يُسمح للفلسطينيين بالالتحاق بها، وعندما سُمح لهم بالدخول تدريجياً، كان هؤلاء الطلاب -من المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل- يخضعون للمراقبة الشديدة. فقد تعاونت الحكومة العسكرية الإسرائيلية مع الجامعات لمراقبتهم والتأكد من أنهم لا ينظمون أنفسهم أو يستخدمون تعليمهم لتأجيج المعارضة ضد المشروع الصهيوني .

هذا التعاون وهذا القمع لم يتوقفا أبداً، بل استمرا وتواصلا حتى يومنا هذا. يواجه الباحثون الفلسطينيون الذين يعملون في الجامعات الإسرائيلية قمعاً شديداً في أبحاثهم وتنظيمهم. كما تُعلَّق المجموعات الطلابية الفلسطينية بشكل روتيني، وتُمنع فعالياتها، ويتم استدعاؤهم للتحقيق. وقد تصاعد هذا القمع بشكل حادّ منذ بدء الإبادة الجماعية، حيث تُحيل الجامعات قضايا الطلاب التأديبية إلى الجهات الأمنية، وتستدعي الشرطة لإلقاء القبض عليهم بتهمة التحريض.

أما فيما يخص إنتاج المعرفة، فإن الجامعات تغطي بشكل منهجي ومستمر على مواضيع مثل النكبة، ولا تسمح بالأبحاث النقدية حولها. لعقود طويلة، لم يُسمح إلا بالقليل جداً من الأبحاث عن النكبة داخل الجامعات الإسرائيلية، على الرغم من أن الباحثين الفلسطينيين وغيرهم خارج هذه المؤسسات كانوا يجرون أبحاثاً مكثفة حولها.

ولم تدخل النكبة في النقاش الأكاديمي الإسرائيلي إلا عندما قام المؤرخون الإسرائيليون اليهود الجدد بالوصول إلى الأرشيفات الإسرائيلية واستخدام المصادر العبرية لتأكيد ما كان الفلسطينيون يوثقونه منذ فترة طويلة. ولكن، ما حدث بعد ذلك هو أن هؤلاء المؤرخين تعرضوا لرد فعل عنيف هائل، مما دفعهم لمغادرة البلاد، مثل آفي شلايم وإيلان بابي، بينما تراجع بيني موريس عن عمله النقدي.

تواصل الجامعات الإسرائيلية إنكار النكبة حتى يومنا هذا، وتمنع فرص البحث والدراسة عنها، سواء من قبل الباحثين الفلسطينيين أو الإسرائيليين. وهذا القمع المستمر للتاريخ يضمن استمرار المشروع الاستعماري، وهو السبب وراء جهل الإسرائيليين الكبير بالنكبة؛ لأنها ببساطة لا تُدرّس في جامعاتهم.


*

توضحين في كتابك كيف تحارب الجامعات الإسرائيلية حركة المقاطعة الأكاديمية بفعالية. في ضوء ذلك، هل يمكنكِ أن تشرحي لنا لماذا تُعد المقاطعة، وتحديدًا المقاطعة الأكاديمية، مهمة جدًا؟ وكيف تحارب الجامعات الإسرائيلية حركات المقاطعة على ضوء ما حدث للجمعية الدولية لعلم الاجتماع مؤخراً في المغرب؟

تكتسب المقاطعة أهميتها لأن نظام الجامعات الإسرائيلية يؤدي وظيفة حيوية في الحفاظ على حكم الفصل العنصري، وفي الإبادة الجماعية حالياً، وهذا ما أكدته "الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل" (PACBI) منذ 21 عاماً.

تُعد المقاطعة فعالة بشكل لا يصدق، لأن النظام الجامعي الإسرائيلي يعتمد بشكل كبير على العالم الغربي في التمويل والشرعية والنشر الأكاديمي وكل ما يتعلق به. ولهذا السبب تحاربها الجامعات الإسرائيلية بشدة. وللتوضيح، تمثل موافقة "الجمعية الدولية لعلم الاجتماع" مؤخراً في المغرب على تعليق عضوية "الجمعية الإسرائيلية لعلم الاجتماع" خطوة انتصار مهمة، وإن كانت جزئية.

تعمل الجامعات الإسرائيلية على إنتاج دعاية الدولة الإسرائيلية، في محاولة لإخفاء طبيعة الفصل العنصري والتغطية على جرائم الحرب، وحتى الإبادة الجماعية. كما أنها تتعاون مع وكالات الدولة لإنتاج سياسات وبرامج تهدف إلى نزع الشرعية عن نشاط حركة المقاطعة وتجريمها، خاصة في حرم الجامعات.

وقد تجلى ذلك بوضوح خلال العامين الماضيين، حيث تدخل رؤساء الجامعات الإسرائيلية شخصياً، وكتبوا رسائل إلى نظرائهم في الغرب، وطلبوا منهم اعتقال الطلاب وقمع الاحتجاجات الداعمة لحركة التحرير الفلسطيني، وهذا يوضح مدى تدخلهم النشط في ما يحدث بحركة التضامن مع فلسطين.

مصدر الصورة مشروع قانون جديد ينص على استبعاد الطلاب من الدراسة بالجامعات في حال التضامن مع الشعب الفسطيني (الجزيرة)
*

تُظهر إجاباتك السابقة وما ذكرتِه في كتابك أن النظام الإسرائيلي هاجم بشكل ممنهج الجامعات والنظام التعليمي في فلسطين. في هذا السياق، هل يمكننا القول إن إسرائيل تخشى الفلسطينيين المتعلمين والتعليم داخل فلسطين؟

نعم، لقد أطلقت على هذا المشروع اسم "التدمير المدرسي"، وهو تدمير متعمد للمراكز التعليمية الفلسطينية. إن استهداف مراكز التعليم هو أمر نموذجي للأنظمة الاستعمارية التي تسعى لإخضاع السكان بشكل أفضل من خلال تدمير أنظمتهم التعليمية.

يُعد النظام التعليمي الفلسطيني مهماً جداً في المجتمع الفلسطيني، فهو مجتمع مثقف للغاية، وله نظام تعليمي مزدهر. وقد اضطر الفلسطينيون في الضفة الغربية وغزة إلى تطوير نظامهم الجامعي الخاص بعدما تم فصلهم عن الحياة الفكرية الغنية في جامعات الشرق الأوسط قبل النكبة.

ومنذ البداية، تدخلت الحكومة العسكرية الإسرائيلية بشكل مستمر لقمع هذا النظام، حيث كانت تداهم الجامعات وتصادر الكتب وتفرض رقابة على المناهج الدراسية. كما استمرت في إغلاق الجامعات، مثلما حدث خلال الانتفاضة الأولى ، وجرّمت التعليم.

إن قمع الطلاب الفلسطينيين في الجامعات الفلسطينية شديد للغاية، فقد جرّمت إسرائيل التنظيم الفلسطيني في الجامعات، حيث أعلنت أن 411 مجموعة وجمعية طلابية غير قانونية منذ عام 1967، وهذا يعني أن أي عمل سياسي يقوم به طالب فلسطيني في جامعته يُعتبر جريمة، مما يعرضه للاعتقال والتعذيب في السجون العسكرية الإسرائيلية.

إن تدمير كل جامعة في غزة على مدار العامين الماضيين هو أحدث تصعيد لهذا المشروع الذي استمر لعقود. وفي عامي 2014 و2021، قصفت إسرائيل الجامعات بالفعل من الجو، لكن التدمير الحالي متعمد بشكل كامل. لقد دمرت إسرائيل كل جامعة فلسطينية في غزة، وهو عمل لا يمكن تصوره، ويدل على أن إسرائيل تخشى التعليم الفلسطيني لأنه يمثل تهديداً لاحتلالها.

(هذا سؤال، ويحتاج ترتيبات فنية خاصة بالأسئلة) هل ترين أن حركة المقاطعة ستنجح في دفع الأكاديميا الإسرائيلية لتعيد النظر في علاقتها بالدولة، أم أن الجامعات في إسرائيل هي مجرد أداة عسكرية؟
أعتقد أن المقاطعة ستنجح، بل إنها تعمل بالفعل.

قد يكون الوعي الإسرائيلي متأخراً بعض الشيء، ولكننا نرى بالفعل أن العديد من أعضاء هيئة التدريس الإسرائيليين يتم إلغاء دعواتهم، ويفقدون المنح والفرص، وهذا سيجبرهم في النهاية على إعادة التفكير في تعاونهم مع الدولة والجيش.

ما حدث في جنوب أفريقيا مع المقاطعة الأكاديمية تحت حكم الفصل العنصري؛ هو أن الضغط الدولي وعزل الأكاديميين البيض في جامعاتهم العنصرية، أجبر العديد منهم على الانضمام إلى الحركة والانصياع لدعوة " المؤتمر الوطني الأفريقي " لقطع العلاقات بين جامعاتهم وبين النظام.

وهذا هو بالضبط ما تنوي حركة "المقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل" تحقيقه؛ أي أن يُجبَر أعضاء هيئة التدريس والطلاب الإسرائيليون على التنظيم لقطع العلاقات بين جامعاتهم ونظام الفصل العنصري الإسرائيلي.

أعتقد أن هذا سيحدث. الآن وقد نمت حركة المقاطعة بشكل كبير خلال العامين الماضيين، فإنها تتحرك بسرعة هائلة ويتبناها طلاب وأعضاء هيئة تدريس في جميع أنحاء العالم. لذا ستكون المقاطعة فعالة جداً، وبمجرد أن يتم عزل الأكاديميا الإسرائيلية بشكل كافٍ، سيُجبرون على تغيير تعاونهم.


*

ما هو الدور المطلوب من الجامعات والأكاديميين في الدول العربية تجاه جهود إسرائيل لتطبيع العلاقات الأكاديمية في العالم العربي"؟

أعتقد أنه من المهم جداً أن ينخرط الأكاديميون والطلاب في العالم العربي ضمن "الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل". فمع "اتفاقيات إبراهيم"، تحاول إسرائيل تطبيع العلاقات مع العديد من الدول العربية عبر إقامة تعاون بين الجامعات الإسرائيلية والعربية. لذلك، من الضروري أن تقاوم الجامعات العربية هذه المحاولات وتُكرّم الدعوة الفلسطينية للمقاطعة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار