"نحن لا نتكلم عن لغة كتبت بالحروف اللاتينية، إنما نتكلم عن لغة كتبت بلسان القرآن العظيم، وأنزلت على قلب رسولنا الكريم.. هنا يكون وجه الخطر".
أسير في شوارع القاهرة، ولا أقرأ إلا عناوين وأسماء محلات كلها بلغات أجنبية، وأشعر بالحزن والاغتراب على مدينة كانت قريبا عجيبة عصرها، فلم تعد القاهرة تلك المدينة التاريخية الوديعة الأثيرة لدى سكانها، بل أضحت مدينة غريبة على أهلها وعشاقها، بوجهها الملطخ بالألوان والمساحيق، وشوارعها المزدحمة باللافتات البراقة التي تعج بمختلف اللغات، والإعلانات الشاهقة الارتفاع بعرض الشوارع.
تدعو تلك الإعلانات المواطنين بجرأة أقرب إلى التبجح لاقتناء الفيلات والشاليهات والوحدات السكنية ومنتجعات الترفيه الساحلية ودعايات مجمعات سكنية (بكمبوند) مغلقة على أهلها، بحراسات خاصة، والسعر ملايين الجنيهات.
والمثير أن معظم هذه الإعلانات مطبوعة بلغات أجنبية، قد لا تتخللها كلمة واحدة باللغة العربية، وهي بالطبع إعلانات موجهة لفئة معينة من الناس، وغير معنية بالسواد الأعظم من المواطنين الذين لا يجيدون اللغات الأجنبية في معظم الأحوال.
وإن قادتك خطواتك إلى قلب القاهرة سيصيبك الذهول، ولأول وهلة تظن أنك في بلد أوروبي، ملأت شوارعه اللافتات والعناوين المكتوبة بلغات أجنبية، حتى تخلت محلاتها ومؤسساتها عن أسمائها العربية لتحمل عناوين جديدة باللاتينية، ومعظم الإعلانات واللافتات لا تتخللها كلمة واحدة باللغة العربية.
وعندما تنظر لأسماء المحلات تذهل من فوضى العناوين التي تسيطر على واجهات المحلات المكتوبة كلها باللغة الإنجليزية، والبضائع الموجودة بكل المحلات بلغات غير العربية من دون التزام بكتابة اللغة العربية كما كان متبع من قبل.
علينا الاعتراف بأن اللغة العربية صارت ضحية الداخل والخارج والقريب والبعيد في السنوات الأخيرة، وفي الوقت التي تواجه فيه تحديات شرسة من الخارج، نراها وقد أهملها أهلها وتركوها للتحدث والكتابة بلغات مغايرة حتى أشرفت على الموت، في وقت نرى فيه لغات أخرى تبعث من تحت الرماد بعد أن ماتت من آلاف السنين.
واستشعارا بالخطر القادم للنيل من هويتنا العربية من خلال إهمال الأجيال الشابة للغتهم العربية، أطلقت وزارة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج مبادرة "اتكلم عربي" تهدف للتمسك بالهوية العربية والعادات والتقاليد المصرية.
المبادرة هدفها دعم اللغة العربية والهوية الوطنية في مواجهة التحديات والحروب الحديثة، ومنها حرب طمس الهوية، مؤكدة على التمسك بثقافتنا العربية لتجنب أي عملية استقطاب لأبنائنا بالخارج والداخل.
وفي الداخل حملت العديد من الصحف الصادرة بالقاهرة شعار "اتكلم عربي" في محاولة للتنبيه إلى خطر الكلام بلغات مغايرة وحث الشباب على ضرورة الاهتمام والفخر بلغتهم الوطنية.
وبعيدا عن الحديث المكرور عن كون اللغة العربية واحدة من أشهر اللغات العالمية، واللغة الدينية لأكثر من مليار مسلم حول العالم، واللغة الرسمية لـ22 دولة عربية، وتدخل ضمن اللغات الست المستعملة رسميا في المنظمات الدولية، وتحتل المركز الثالث في ترتيب اللغات العالمية، وتعدها الأمم المتحدة من اللغات الحيوية، وتحتفي بها كل عام في يوم اللغة العربية، في 18 ديسمبر/كانون الأول كل عام، وتصفها في ديباجتها: "اللغة العربية ركن من أركان التنوع الثقافي للبشرية، وهي إحدى اللغات الأكثر انتشارا واستخداما فى العالم، إذ يتكلمها يوميا ما يزيد على 400 مليون نسمة من سكان المعمورة"؛ بعيدا عن هذا ومع كل هذه التصريحات والتشنجات والادعاءات بالانتماء والوطنية لا يخفى على أحد المصير الغامض المقبلة عليه لغتنا العربية بين أبنائها وفي عقر دارها.
تشير كل الأدلة على أن هناك حالة خصام بين الشباب واللغة العربية، وهناك ما يشبه القطيعة بين طلاب المدارس الدولية التي لا تدرس سوى اللغات الأجنبية ولغتهم العربية، وأما المدارس الحكومية فالمستوى التعليمي فيها منهار والطلاب لديهم جهل شبه كامل بقواعد اللغة العربية، وكتاباتهم مليئة بالأخطاء النحوية واللغوية الفاضحة.
وفي ظل انتشار الهواتف المحمولة التي وأدت عادة القراءة لدى الشباب، ولمعرفة واقع اللغة على الأرض، التقينا بعض الطلاب، حيث قال أحمد عماد طالب بكلية الحقوق: لم يعد لجيلنا الوقت ولا القدرة على القراءة، ونادرا ما ترى طالبا ممسكا بكتاب دراسي، فما بالك بكتب الثقافة، (الموبايل) يقوم الآن بكل شيء تقريبا، سماع المحاضرات وتصوير المذكرات، حتى أوقات الفراغ والتسلية يملؤها الموبايل، والتواصل مع الزملاء والأصدقاء يتم من خلال لغة متعارف عليها بين الشباب ويطلقون عليها في مصر (لغة الفرانكو) حيث تكتب الكلمات العربية بالحروف اللاتينية، والحروف العربية غير الموجودة في الإنجليزية مثل حرف (العين، والحاء والخاء والشين) تكتب بالأرقام.
ويضرب لنا أحمد مثالا بتلك الحروف ويقول: نكتب بدلا من حرف (ح) رقم (7)، وأما حرف (خ) فنكتبه رقم (5) ، وحرف (ع) نكتبه رقم (8) وحرف (ش) نكتب بدلا منه رقم (4).
ويضيف: هذه الطريقة تكون أيسر وأسهل للطلاب الذين لا يجيدون اللغة العربية والإنجليزية بشكل جيد، أما طلاب المدارس الدولية الأجنبية وغيرهم من الطلاب الذين يجيدون اللغة الأجنبية فتكون كتابتهم وكلامهم بهذه اللغة من دون اللغة العربية، ومن لا يجيد اللغات الأجنبية ويكتب بشكل جيد فيكتب اللغة العربية بحروف لاتينية، مثال: (ana fe el kafy) ومعناها "أنا في المقهى" أو (القهوة) باللغة العامية.
طالب جامعي: "كل كتابتنا بلغة الفرانكو (بحروف لاتينية وأرقام)، نادر جدا لو فتحت موبايل أي طالب ووجدت المراسلات والكتابة (الشيتات) باللغة العربية، الكل الآن يكتب العربية بحروف أجنبية"
ووجهت سؤال للطالب حسام عوض بكلية التجارة جامعة عين شمس: إلى أي حد تنتشر كتابة اللغة العربية بالحروف والأرقام الأجنبية؟ فقال: كل كتابتنا بهذه اللغة، نادر جدا لو فتحت موبايل أي طالب ووجدت المراسلات والكتابة (الشيتات) باللغة العربية، الكل الآن يكتب العربية بحروف أجنبية.
ولما سألته عن السبب، قال "الكتابة باللغة العربية أصبح أمرا صعبا، ومن المعتاد أن ترى خريج الجامعة يخطئ في الكتابة، فيكتب "لكن" "لاكن"، ويكتب الضمة واوا، والكسرة ياء، وهكذا.. ولأننا إن كتبنا بالعربية وأخطأنا نتعرض للاستهزاء من الآباء والمدرسين، وفوق ذلك اللغة العربية تحتاج لتشكيل حتى يفهمها الطرف الآخر، أما "لغة الفرانكو" فلا ضم فيها ولا كسر ولا فتح، كلها حروف من دون تشكيل، وإن أخطأنا، فالخطأ مفهوم ومتعارف عليه ولا لوم من أحد".
طالب جامعي: "الكتابة باللغة العربية أصبح أمرا صعبا، ومن المعتاد أن ترى خريج الجامعة يخطئ في الكتابة، فيكتب "لكن" "لاكن"، ويكتب الضمة واوا، والكسرة ياء، وهكذا.. ولأننا إن كتبنا بالعربية وأخطأنا نتعرض للاستهزاء من الآباء والمدرسين، وفوق ذلك اللغة العربية تحتاج لتشكيل حتى يفهمها الطرف الآخر، أما "لغة الفرانكو" فلا ضم فيها ولا كسر ولا فتح، كلها حروف من دون تشكيل، وإن أخطأنا، فالخطأ ....