آخر الأخبار

طوفان الرواية ورواية الطوفان.. عن معركة السردية بين المقاومة وإسرائيل

شارك الخبر

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على الرابط أعلاه للمشاهدة على الموقع الرسمي

لطالما كان الأدب بشقيه، الشعر والنثر، سلاح الشعوب المناضلة، لا يقلّ أهمية وتأثيرا عن أسلحة الحروب المعروفة، فمنذ فجر التاريخ الأدبي كان للكلمة في نفس العدو أثر كالسيف، وفي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رأينا تشجيعه لشعراء المسلمين على الذود عن عرض المسلمين والدفاع عنهم بالكلمة والقصيدة حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت رضي الله عنه: "اهجهم، فو الذي نفسي بيده لهو أشدّ عليهم من النبل".

وكذلك الأمر في الجهة المقابلة، فالعدوّ يكتسب شرعية زائفة من خلال ما يروجه من حقائق مفبركة أو بما يضفيه عليها من مبالغات تكسبه تعاطفا جماهيريا كبيرا، فالمحرقة النازية الصهيونية بثت في الوعي الجمعي ما يخدم أهداف الصهاينة، وحمّلت الأجيال اللاحقة التي لم تشهد الوقائع إثم ما فعله السابقون بلبوس الواقعة التي غُيّبت كثيرٌ من تفاصيلها لتظهر بوجه واحد، بوجه الخطيئة، فلولا أعمال روائية وأشعار ومسرحيات موظّفة لترسيخ جرائم النازية في الذاكرة البشرية ما كانت لتحوز على التعاطف العالمي الذي نشهده اليوم، والأمثلة على ذلك كثيرة.

فهناك روايات عدة كتبت حولها وحولت إلى أفلام لاقت رواجًا كبيرا وحازت على جوائز عالمية عدة، أسهمت في ترسيخ الحقائق التي نسجوها بالمبالغات لشرعنة قضيتهم عالميا، كرواية "فُلك شندلر" للأسترالي توماس كينيلي، ورواية "سارقة الكتب" للأسترالي ماركوس زوساك، ورواية "عازف البيانو" للبولندي اليهودي فلاديسلاف شبيلمان التي تحولت إلى فيلم سينمائي نال عددًا من جوائز الأوسكار.

مصدر الصورة
طوفان الأقصى حطّم أسطورة الشعب الذي لا يُقهر، وإن كنا لم نصدق هذه الأسطورة يوما ما (مواقع التواصل)

إن الحرب الدائرة في قطاع غزّة اليوم إبادة جماعية لا يمكن لعاقل أن ينكرها، ولا يخفى على امرئ ما يؤديه الأدب من دور عظيم في تشكيل الوعي الجمعي للناس وتوجيهه، ومن هذه النقطة انطلق نضال أقلام شعوبنا العربية أيضا، فطوفان الأقصى ليس محض عمل عسكري فحسب، فقد أغرق الأوهام الشعبية وحطم أوثان الأمة وقض مضجع العدو وأيقظ حنين الأرض وأوقد شعلة الانتماء، وأعلن عن صخب التراب وعزف سيمفونية التوق إلى الحرية والاستقلال من كل مظاهر الغصب والظلم والطغيان، وتبدّت ألحانها في أعمال أدباء الأمة شعرا ونثرا.

فالطوفان حطم أسطورة الشعب الذي لا يُقهر، وإن كنا لم نصدق هذه الأسطورة يوما ما، لأن أهل الأرض يعرفون جيدا أنهم يواجهون عدوا جبانا يحتمي خلف المدججات الآلية والأسلحة المطورة ودعم القوى العالمية، على أن هذه الحقائق لا بد أن تعرفها الأجيال، ولا بد من وسيلة غير الإعلام الذي تتناوبه الجهات المختلفة أهدافا ومصالح.

فكان الأدب خير وسيلة لبقاء الحقائق وخلودها، لا سيما أننا نواجه عدوًّا متغطرسا يستعين على تمكين نفسه بمهاجمة المدنيين وقصفهم، فيمنع عنهم شروط الحياة الأساسية من ماء ومأكل وكهرباء، كما هو الحال في قطاع غزة الجريح اليوم، ولا يكتفي بذلك، بل يقصف المستشفيات وأماكن تجمع الناس الباحثين عن نقطة أمان لأطفالهم وعوائلهم، فيقصف المدارس التي تجمعوا فيها، ويغرق في العدوان وكأنه يروي ظمأ انتقام السنين ويحجز لنفسه الجناح الأكبر في قعر جهنم فيمسح عوائل وأحياء كاملة عن بكرة أبيها.

أثبت الطوفان ظمأ الشعوب العربية للحرية والخلاص من عدو زُرع بين جنبات الأمة كسرطان ينهش في جسدها ويقوض كيانها ويهدد وجودها، فانبرى الأدباء في مجال القص والرواية إلى تعرية جرائم هذا الغاصب والكشف عن دناءته، راسمين معالم الإنسان الفلسطيني المقاوم، وكيف تفجرت طاقاته الكامنة في سبيل خلاص أرضه ودحر العدو الغاشم المدجج بأعتى أنواع الأسلحة، وبيّنت الأعمال الأدبية التي خطتها أيادٍ عربية واعدة كيف يفجر الظلم طاقات الإنسان المختلفة ويظهر إبداعاته.

وبيّنت كيف تهزم القلة الكثرة الباغية، وكيف تتفوق الأقلام على الأسلحة الفتاكة في كشف وضاعتها وتعرية أهدافها اللاإنسانية، وأظهرت الأعمال الأدبية التي كتبت خلال عام واحد منذ تفجر الطوفان كيف يتولد العزمُ والإصرار على متابعة النضال من الظلم والقمع والتجويع والحصار الممنهج، وكيف أخرج لنا قوة تجرف في طريقها أوهام الماضي والحاضر، وترسم خطاً جديدا لمستقبل هذه الأمة.

انبرى أدباء الأمة لتخليد هذا الكفاح المشرف، وحاكوا من تفاصيله حكايات تلمس الواقع فترتفع به ليصل إلى أسماع العالم من جهة، لكنها لا تفوقه واقعا، فمهما خطت الأقلام من آلام ومعاناة لن تفي حق الحقيقة، ولن تصل إلى ذروة الأوجاع التي عاينها أهلنا الفلسطينيون ولا يزالون تحت وقع الأسلحة المدمرة التي تمزق جسد الإنسانية أمام الأحياء جميعهم صغاراً آملين بغد أفضل، وكباراً مكلومين بواقع يحاصرهم بالخذلان والتخلي.

الرواية الأدبية مرآة سرديّة الحروب

يعبر الأدب دائما عن بعض وجوه الحقيقة الإنسانية، فيخلّد صمود الشعوب وتضحياتها، وفي فن الرواية نجد متسعًا ومجالاً أكبر للتعبير عن دقائق الوقائع التي تعيشها الشعوب المستعمرة المسلوبة أرضها وحقوقها، فالرواية فن المجتمع كما يقال، وهي الأقدر قياسا بغيرها من الفنون الأدبية على رسم الملامح السياسية والاجتماعية والاقتصادية لأي مجتمع في حقبة زمنية محددة.

ففي رواية "الحرب والسلم" لتولستوي استطاع الكاتب أن يعرض أحوال روسيا حين جاءها نابليون غازياً سنة 1812م، وكذلك هوغو في رواية "البؤساء"، إذ رسم أحوال فرنسا في القرن التاسع عشر وتحدث عن حروب نابليون، وعلى الجانب العربي حدثنا نجيب محفوظ في كثير من رواياته عمّا جرى بعد نكسة يونيو/حزيران، وكذلك فعل عادل الأسطة في روايته "ليل الضفة الطويل" إذ تحدث عن واقع المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية بعد الاحتلال الإسرائيلي، ناهيك عما كتبه غسان كنفاني من روايات عن أحداث نكبة فلسطين سنة 1948.

مصدر الصورة
رواية "الحرب والسلم" لتولستوي استطاع الكاتب فيها أن يعرض أحوال روسيا حين جاءها نابليون غازيا سنة 1812 (الجزيرة)

من المعروف أن لفن الرواية عناصر معينة لا بد من توافرها حين يشرع الروائي بالكتابة، وقد قدم طوفان الأقصى للروائيين العرب هذه العناصر بوجوه متعددة، من أحداث ووقائع، وصراعات، وشخصيات، وأمكنة، وأزمنة.

فالحدث الأعظم يدور حول مباغتة عدو شرس متمثل في الكيان الصهيوني، والصراع أبدي بين الخير والشر والحق والباطل والغاصب والمغتَصب، ونتائج الصراع تفجر عواطف الفقد وتكسر مرايا موت، أما الشخصيات فهي نماذج حية ترسم لنا مظاهر التضحية والفداء، وتتحلى بالصبر والمرابطة.

وإذا ما أردنا أن نتحدث عن الأمكنة، فمحورها مكان مقدس لدى جميع أصحاب الكتب السماوية، ويستحق الاستبسال في الدفاع عنه. أما الزمن فهو زمن النضال والكفاح والذّود عن المقدسات وكرامة الإنسان المستباحة، والمحافظة على الأرض والتراب، وحماية الناس نساء وأطفالاً وشيوخا من القتل والإبادة والتهجير والفناء.

في الروايات التي كتبت حول طوفان الأقصى لا يجهد الكاتب في تفعيل الخيال وتكثيف الصور لعرض الأفكار وتدعيم المعاني وحشد عواطف القارئ واستنفارها، فالبؤس واليأس في واقع الحال لا يحتاج إلى أدوات تؤكده وتكثفه، والصور الحية خير دليل. قد تبدو بعض الأحداث عجائبية لأنها تعكس اجتماع الصدق والنفاق في بقعة أرضية ولحظة زمانية واحدة، لكنها حقائق ووقائع تثبتها المشاهد التي تزودنا بها صور الإعلام الحي والشريف!

لم نعد بحاجة للرجوع إلى التاريخ للكتابة عن نماذج إنسانية مثلت معاني عميقة بنضالها وما قدمته من تضحيات، فالواقع اليوم يضج بتلك الأمثلة، ولا يكفي المداد، ولا تلحق الأقلام بركب قصص النضال والكفاح والتضحية الحية، ولا خير من واقع يحرض في قلم الكاتب طاقات الإبداع لرسم الواقع بصدق وموضوعية، على أن طوفان الأقصى ليس معزولاً عن أسبابه الوجودية والتاريخية، فهو رد فعل طبيعي على المجازر الصهيونية الممتدة من سنة 1948 إلى يومنا الحالي.

الرواية في أدب المقاومة والطوفان في "الأدب الإسرائيلي" < ....

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك الخبر

إقرأ أيضا