آخر الأخبار

جريدة القدس || حالة قلبية نادرة لامرأة عمرها ٥٠ عاماً وأنجبت 8 أطفال

شارك الخبر

 في رحلة عمرها 50 عاماً، كانت السيدة (ع.خ) تعيش حياتها وسط تحديات وصعوبات لا تتوقف، ولم تكن تعلم أن قلبها، الذي واجه الحياة بكل قوة، يحمل سراً نادراً لم يُكتشف إلا قبل شهور، وعلى الرغم من ذلك، استطاعت هذه السيدة أن تنجب ثمانية أطفال وتعيش حياة مليئة بالصمود والإصرار، قبل أن تكشف الأعراض المتفاقمة عن الحقيقة التي ظلت مخفية بداخلها طوال تلك السنوات دون أن تعلم.


عاشت السيدة سنواتها معتقدةً أن ما تشعر به من إرهاق وضيق تنفس بين الحين والآخر ليس إلا نتيجة لأنشطتها اليومية، ومع مرور الوقت، بدأت صحتها تتدهور بشكل ملحوظ، حيث انخفضت نسبة الأوكسجين في دمها إلى مستويات خطيرة وصلت إلى نحو ٦٥٪، مما جعل لون بشرتها يميل إلى الزرقة، وبعد استشارة العديد من الأطباء، نصحها البعض بزراعة قلب أو قلب اصطناعي، إلا أن أحدًا منهم لم يتوقع حجم التعقيد الذي تحمله حالتها.


رغم حالة القلق الكبيرة التي يعيشها المريض وذويه قبل إجراء هذا النوع من العمليات الدقيقة، يأتي دور الكادر الصحي في التخفيف عليهم، متسلحين بالمعلومة والتجربة الطبية، ومؤمنين بأن الله يعطي الإنسان بقدر جهده وتعبه وحرصه على سلامة وصحة الآخرين.


يقول رئيس قسم جراحة وقسطرة قلب الأطفال، د. نزار حجة، وصلت السيدة إلى مجمع فلسطين الطبي، وبدأ الأطباء بإجراء سلسلة من الفحوصات المكثفة التي كشفت عن إصابتها بحالة نادرة تُعرف بـ "رباعية فالو"، وهي حالة خلقية تسبب وجود فتحة بين بطيني القلب، وتضخم في عضلة القلب اليمنى، وتضيق عند الشريان الرئوي.


أمام هذه الحالة النادرة، التي تُعد من الحالات النادرة جداً على مستوى العالم لمريض بهذا العُمر، قرر الأطباء في قسم جراحة وقسطرة قلب الأطفال بالمجمع التدخل العاجل لإنقاذ حياتها، وأُدخلت السيدة إلى غرفة العمليات، وقام الفريق الطبي بإزالة التضيق من الصمام الرئوي وسد الفتحة بين البطينين، وتخفيف تضخم عضلة البطين الأيمن، مما ساعد على استعادة تدفق الدم بشكل طبيعي وتحسن وظائف القلب، كما تم تخفيف التضخم في عضلة القلب اليمنى، لضمان عمل جانبي القلب بتناغم دون الحاجة لاستبدال الصمام، أو زراعة قلب.


بعد العملية بشكل سريع، لاحظ الأطباء تحسناً ملحوظاً في حالتها، حيث عاد لون بشرتها إلى طبيعته بعد أن كان مائلاً إلى الزرقة نتيجة انخفاض نسبة الأوكسجين في الدم، لدرجة أن أهلها رأوا لون بشرتها الحقيقي لأول مرة منذ سنوات طويلة.


تعد هذه الجراحة واحدة من بين 134 عملية قلب مفتوح أجراها قسم جراحة قلب الأطفال في مجمع فلسطين الطبي منذ افتتاحه قبل عام ونصف، محققاً نسبة نجاح مذهلة بلغت نحو 99٪، ويُعد هذا القسم الأول من نوعه في المستشفيات الحكومية الفلسطينية، وقد تم تجهيزه بأحدث التقنيات بفضل دعم جمعية إغاثة أطفال فلسطين. 


ويضيف د. حجة، "عملُنا في غاية الدقة والحساسية بجميع مراحله وحلقاته المتداخلة في الجراحية والعناية المكثفة وأخصائيي تشخيص القلب والعمليات والتمريض ووحدة عناية القلب، وفنيي التروية وأخصائيي التخدير، وصولاً للعيادات لمراجعات المرضى ومتابعة حالتهم الصحية بعد نجاح العملية وخروجهم، ونحن نرسم خطة دقيقة جداً لمسار علاج المرضى بالفحوصات والصور والمتابعة الطبية، وتجهيز المعدات وغرف العمليات وأجهزتها، وحتى الاستعداد النفسي للكادر، وعلينا أن ننجح ولا مجال للخطأ".

قسم جراحة وقسطرة قلب الأطفال في مجمع فلسطين الطبي يعتمد على فريق متكامل يتألف من أربع حلقات أساسية: الجراحة، العناية المكثفة، أخصائيو تشخيص القلب، وفريق العمليات والتخدير، مما يضمن تقديم رعاية شاملة ومتكاملة للمرضى.


وبجهود هذا الفريق الطبي المتكامل، استعادت السيدة صحتها بشكل كبير ونشاط حياتها الطبيعي، لتصبح مثالاً حياً على المعجزات الطبية التي تُصنع بالإيمان والعلم. واليوم، تعيشُ حياة جديدة مليئة بالأمل، بعدما كان قلبها يواجه تحدياً نادراً كاد أن يسلبها حياتها، وقصة علاجها ليست مجرد قصة عن تحدٍ صحي فقط، بل هي رمز لصمود الإنسان وإبداع الأطباء الفلسطينيين الذين يواصلون تقديم الرعاية المتقدمة في أصعب الظروف.


كوادر القسم كغيرها من الأقسام في المجمع والمستشفيات الحكومية، تعمل بروح الفريق الواحد، وهنا نفخر بكوادر كثيرة كالدكتور أحمد دار سليم أخصائي جراحة قلب الأطفال والكبار، وأحمد طنينة ومسلم شريتح وهما فنيي تروية، وكذلك الجهد الكبير مع الدكتور عبد الحليم أبو حلتم وفريقه التخديري في حلقة العمليات، والممرض محمد أبو حمد وفريقه التمريضي، وصولاً لأخصائيي العناية المكثفة، الدكتور محمد صلاح وطاقمه وأيضاً وحدة عناية القلب، وكذلك نذكر الدور الفعال الذي يقدمه أخصائيو قلب الأطفال محمد أبو طاقة والدكتورة رولا عواد وفريقهما.


يقول وزير الصحة د. ماجد أبو رمضان إن هذا القسم يهدف إلى توطين الخدمات العلاجية لجراحة وقسطرة قلب الأطفال، وهو ما يخفف بشكل كبير من العبء النفسي والمادي على العائلات الفلسطينية، وهذه الإنجازات الطبية التي تتحقق في المستشفيات الحكومية، هي دليل على التقدم الكبير الذي يشهده القطاع الصحي في فلسطين.


ويضيف الوزير أن إجراء عمليات نادرة ومعقدة، مثل هذا النوع من الجراحات، يعكس الكفاءة العالية للطواقم الطبية والقدرات المتقدمة للكوادر العاملة، مؤكداً أن الحكومة الفلسطينية ملتزمة بتطوير الخدمات الصحية وتوطين العلاج داخل الوطن، مما يخفف الأعباء على المواطنين ويعزز من الاعتماد على الكوادر الوطنية، والقيادة الفلسطينية والحكومة ستواصل دعمها لهذه المشاريع الحيوية.


ويؤكد وكيل الوزارة د. وائل الشيخ أن هذه النجاحات لم تكن لتتحقق لولا الدعم المستمر من الشركاء والداعمين الذين يسهمون بشكل فاعل في تعزيز البنية التحتية الصحية وتوفير المعدات الحديثة، ضمن استراتيجية الوزارة في تعزيز التعاون والعمل المشترك، بهدف توفير رعاية صحية متكاملة ومتقدمة لجميع المواطنين، وافتتاح المزيد من الأقسام المتخصصة التي تلبي احتياجات المواطنين.


ويقول مدير عام مجمع فلسطين الطبي د. أحمد البيتاوي إن قسم جراحة قلب الأطفال في المجمع يُعد من الإنجازات البارزة في المجال الطبي الفلسطيني، وهذا القسم الذي تم افتتاحه حديثًا بتجهيزات طبية عالية المستوى، يشهد نجاحات متتالية بفضل الطواقم الطبية المميزة التي تعمل فيه.


وهذا النوع من العمليات يُعدُّ فخراً للشعب الفلسطيني، نظرًا لندرته وأهميته الطبية، وتأتي في إطار سلسلة من النجاحات العلمية والطبية التي يفخر بها المجمع في مختلف أقسامه. 


وتعد هذه القصة جزءاً من العديد من القصص التي تفخر وزارة الصحة الفلسطينية بها، مشكلةً نموذجاً للعمل المتكامل بين مختلف التخصصات الطبية والتمريضية والمهن المساندة، وتُعد أيضاً مرآة لثمرة تعاون فرق طبية من خارج فلسطين وداخلها في تعزيز وبناء القدرات وتوطين الخدمات.


القدس المصدر: القدس
شارك الخبر

إقرأ أيضا