آخر الأخبار

حزب الله أمام مرحلة جديدة

شارك الخبر
من كان يتوقع عندما أطلقت "حماس" عملية "طوفان الأقصى" قبل سنة إلا نصف شهر تقريبًا أن الحرب الضروس التي شنتّها إسرائيل على قطاع غزة ستدوم طيلة هذا الوقت، ومن كان يتصّور أن ثمن هذه العملية كان باهظًا من حيث النتائج، ومن حيث الأضرار البشرية والحجرية؟ ومن كان يعتقد أن الحرب التي فتحت على لبنان من خلال جبهته الجنوبية ستتحوّل إلى حرب استنزاف، بعدما فتحها "حزب الله" في وجه إسرائيل إسنادًا لفلسطينيي القطاع ولإشغال الجيش الإسرائيلي، الذي لم تشغله الجبهة الجنوبية عن دكّ غزة، ولم يكتفِ بهذا القدر، بل صبّ جام حقده على القرى الجنوبية، التي حوّلها إلى قرى متساوية منازلها مع الأرض وفارغة من سكانها، الذين تهجرّوا، مكرهين، إلى جنوب نهر الليطاني، ولم يكتفِ أيضًا بكل ما تسبّب به من مآسٍ وويلات في الجنوب والبقاع، بل زاد على كل هذا لم  يكن يخطر على بال أحد، لأن ما قامت به في اليومين الماضيين في أكثر من منطقة لبنانية، وبالأخصّ في المناطق المنتمية جغرافيًا ودينيًا وسياسيًا لبيئة "حزب الله"، يفوق أي تصّور، حتى أن حروب الماضي الأكثر بشاعة في التاريخ  لم تشهد مثيلًا لهكذا نوع من الاجرام ؟
صحيح أن إسرائيل، وبعد عام تقريبًا من حربها المدمّرة على غزة، وحربها الاستنزافية في لبنان، لم تحقّق الأهداف، التي رفعتها حكومتها الحربية بقيادة بنيامين نتنياهو، وصحيح أن مشاكلها الداخلية قد أصبحت لا تُعدّ ولا تُحصى، ولكن الصحيح أيضًا، وهو ما يؤسف له، هو أن قطاع غزة لم يعد صالحًا للسكن، وأن فلسطينييه الذين يبلغ تعدادهم ما يقارب المليونين قد أصبحوا من دون مأوى، ويفتك بهم جوع كافر، بعدما استشهد منهم ما يقارب الخمسين ألفًا. والصحيح أيضًا أن لبنان المستنزف بقدراته الشحيحة لم يعد قادرًا على الصمود اجتماعيًا، وإن كان قادة "المقاومة الإسلامية" يؤكدون أن مقاتليهم قادرون على الصمود في وجه العدو ليس سنة فحسب، بل سنوات. وقد زادت هذه القناعة أكثر بعد مجازر 17 و18 أيلول الأسودين.
الخبراء في الشؤون العسكرية يؤكدون في توقعاتهم أن إسرائيل لن تشّن حربًا واسعة وشاملة ضد لبنان، ليس لأنها عاجزة وغير قادرة، بل لأنها لم تستطع أن تُقنع الولايات المتحدة الأميركية بإعطائها الضوء الأخضر. فإذا شنّت حربها الواسعة من دون هذا الضوء تكون كمن يفتح على نفسه أبواب جهنم. ولكن في المقابل لم تستطع واشنطن عبر موفدها آموس هوكشتاين أن تقنع تل أبيب بأن حربها المستمرة ضد غزة وضد لبنان عبر بوابتيه الجنوبية والبقاعية ستُدخل المنطقة بأسرها في دوامة من الفوضى لن تكون نتائجها لمصلحة الدول، التي لا تزال تدور في الفلك الأميركي، خصوصًا أن الأميركيين مقبلون على انتخابات مفصلية لم تشهدها القارة الأميركية من قبل، وهي المقسومة أفقيًا بين جمهوريين وديمقراطيين، من دون أن تغيب عن أذهانهم ما أدّت إليه خلافات أهل الشمال مع أهل الجنوب من نتائج لا يزال صداها رطبًا في أذهان البعض.
ومن يراقب عن كثب ما تقوم به إسرائيل في القطاع، الذي أنهكته، وفي الضفة الغربية المقبلة على حال غير آمنة وغير مستقرّة، وفي لبنان عبر تفريغ قراه الأمامية من أهلها بعدما حوّلتها ومزارعها وحقولها إلى أرض محروقة، يدرك بما لا يقبل الشكّ أن تل أبيب ماضية في مخططها التفريغي والتهجيري مع ما يتلاءم مع أطماعها التاريخية، وبالتوازي فإن أمن مستوطناتها الشمالية يبقى هاجسًا لن يتبدّد إلا إذا استطاع جيش العدو فرض سيطرته النارية على المناطق المقابلة لتلك المستوطنات، والتي كانت تعيش في أمان قبل فتح جبهة المساندة تمامًا كحال القرى الجنوبية الأمامية المنتشرة من البحر إلى تلال كفرشوبا.  
وبعدما اعتقد الإسرائيليون أن مهمتهم الأمنية في القطاع قد شارفت على الانتهاء يبدو أن أولويتهم حاليًا تتجه للتركيز على الجبهة اللبنانية، إذ أن التصعيد الكلامي على لسان السياسيين والعسكريين يحمل تهديدات متكرّرة بإعطاء أولوية لـ "جبهة الشمال"، تلميحا أو بطريقة مباشرة، تبدو كجزء أساسي في الحرب النفسية تجاه العدو في الشمال. يترافق ذلك مع تصعيد في القوة النارية، وإن بقي ضمن قواعد الاشتباك التي بقيت ناظمة للحرب الدائرة. 
وقد تعزّزت هذه القناعة لدى الخبراء العسكريين، الذين أصبحوا على يقين بأن الحرب الشاملة والواسعة واقعة لا محال، خصوصًا بعد كلام الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله، الذي فُهم منه أنه لم يعد لديه ما يخسره، وأن ما كان قد سمي بـ "الخطوط الحمر" قد سقطت بعدما أقدمت إسرائيل على ما أقدمت عليه.
 
  
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك الخبر

إقرأ أيضا