آخر الأخبار

عادل حمودة يكتب: 101 سنة هيكل.. الاختلاف لا ينفي الإعجاب

شارك الخبر

من كتاب «أحاديث السحاب» للكاتب الكبير عادل حمودة

الاختلاف لا ينفى الإعجاب

فى السطور التالية ننشر فصلًا من كتاب «أحاديث السحاب» الصادر عن دار ريشة للنشر والتوزيع، للكاتب الكبير الأستاذ عادل حمودة، كتب فيه شهادته وعلاقته بالكاتب الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل الذى يواكب هذا الأسبوع ذكرى ميلاده الـ١٠١.

يستقبل محمد حسنين هيكل زواره فى شقة مكتبه المجاورة لشقة سكنه فى العمارة المطلة على نيل الجيزة الملاصقة لفندق «شيراتون» القاهرة.

شقة صغيرة بها حجرة سكرتيرته جيهان عطية، وحجرة مكتبه ومطبخ وعلى جدرانها عُلقت صوره مع شخصيات حكمت العالم.

حجرته بها مكتب يجلس وراءه واضعًا عليه نسخًا من كتبه المنشورة بلغات أجنبية، ومكتبة، وخلفه على الحائط علَّق خريطة تاريخية نادرة لمصر.

وهو يفضل استقبال ضيف واحد حتى يستمع إليه ويركز معه ويستفيد منه، ويفسر ذلك وجود مقعد وحيد أمامه، مثله مثل وزراء بريطانيا.

شقة المكتب اشتراها من عائد كتابه «وثائق القاهرة»، أول كتاب نشره باللغة الإنجليزية عام ١٩٧١ وتُرجم إلى ٢١ لغة منها اللغة العربية، حيث تغير عنوانه إلى «عبد الناصر والعالم»، حسب رغبة الناشر اللبنانى (دار النهار).

جاء الكتاب بعد أن أقنع هيكل بأهميته اثنين من أصدقائه هما دنيس هاملتون، رئيس التحرير العام لصحف «طومسون» ومنها «التايمز»، وساى سالزبيرجر، أحد رؤساء صحيفة «نيويورك تايمز». بعد نحو العامين شعر بضرورة تلك الشقة محدودة المساحة عندما اختلف مع الرئيس أنور السادات.

كان خلافهما حول النتائج السياسية لحرب أكتوبر وتغيُّر البوصلة الرئاسية ناحية الولايات المتحدة والتسليم بأن غالبية أوراق اللعبة فى يدها وحدها، وسنجد شرحًا وافيًا لوجهة نظر هيكل فى كتابه «أكتوبر السلاح والسياسة».

كان وراء ذلك الانقلاب هنرى كيسنجر، قيصر السياسة الأمريكية الذى بدأ يمهِّد للسلام بين مصر وإسرائيل خطوة خطوة، ولكن هيكل وجد فى ما يجرى من حوله اندفاعًا نحو هاوية تنتهى بخروج مصر من معادلة القوة العربية.

وبدعوة من السادات جلس هيكل وزوجته «هدايت تيمور» على مائدة العشاء، ورغم كرم سيدة البيت فإن الحوار بين الرجلين أفقد الطعام مذاقه، واعتذر هيكل عن عدم تناول القهوة لتأخر الوقت، فعدّها السادات إهانة، ولكنه كتم غيظه وسحب نفسًا من «البايب».

فى طريق العودة سيرًا على الأقدام، قال هيكل لزوجته:

- لن أدافع عن سياسة غير مقتنع بها.

- لكنّ السادات لن يتركك تعبِّر عن رأى يخالف رأيه.

- غالبًا سيُخرجنى من «الأهرام».

بدت لحظة الفراق قريبة، ولم يتذكر السادات أن «هيكل» وقف إلى جانبه فى صراعه على السلطة ضد رجال عبد الناصر الذين وصفهم بـ«مراكز القوى»، كما أن «هيكل» صاغ التوجيه الاستراتيجى لحرب أكتوبر بعد أن شارك فى خطة الخداع التى سبقت صوت المدافع وأزير الطائرات.

كما توقع هيكل؛ لم يقبل السادات باستمراره فى «الأهرام»، وفى أول فبراير ١٩٧٤ وبعد ١٧ سنة قضاها رئيسًا للتحرير غادر الصحيفة التى شيَّد مبناها على أحدث طراز وفرض اسمها على العالم.

هنا برزت أهمية الشقة الصغيرة التى اشتراها بعائد أول كتبه من النشر الدولى.

أصبحت مكتبًا ملاصقًا لبيته يستقبل فيها ضيوفه ويحتفظ فيها بملفاته ويضع مؤلفاته.

سمعت هذه القصة التى لم تُنشر من قبل منه، مضيفًا:

- «بسبب تلك الشقة لم يتغير برنامجى اليومى فى لعب الجولف أو قراءة الصحف فى السيارة أو ارتداء ملابسى الكاملة وأنا أدخلها لأجد كل شيء مثلما كان فى (الأهرام)».

وبإزاحة ثقل مهام رئيس التحرير عن كاهله وجد وقتًا فسيحًا ليلتقى مصادره الخارجية وليجدد صداقته بصناع السياسة والصحافة فى كل مكان وليجد وقتًا للسفر ليتابع عن قرب ما يجرى فى العالم.

فى جدول سفرياته المهنية ثلاث رحلات يحرص عليها:

رحلة إلى أوروبا (خصوصًا لندن وباريس) مرة كل سنة (على الأقل)، غالبًا فى شهر يوليو، يتابع فيها ما يحدث فى القارة الأوروبية، ليعود منها إلى شاطئ قرية «الرواد» فى الساحل الشمالى، ثم إذا اشتد البرد التمس الدفء فى الغردقة.

ورحلة إلى آسيا وإفريقيا مرة كل عامين ليرصد إرهاصات الأحداث فى مناطق تقف بين العالمين الأول والثالث، وإنْ خرجت تلك الرحلة من حساباته فى السنوات العشر الأخيرة من عمره.

أما الولايات المتحدة فالرحيل إليها مرة كل ثلاثة أعوام بوصفها المحرك الأكثر تأثيرًا فى الأحداث، لكنه فى كثير من الأحيان سافر إليها مريضًا يبحث عن شفاء لعارض صعب ألمَّ بصحته.

فى مستشفى كليفلاند (ولاية أوهايو) أزال ورمًا فى الكلى وورمًا فى البروستاتا وتناول نوعًا متطورًا من أدوية السرطان لتجنبه.

بقيت الكلى نقطة ضعفه الصحية، وقبل رحيله أُصيبت كليتاه بالفشل، ورغم وجود جهاز للتنقية فإن الرجل الذى تعوَّد أن يهز الدنيا لم يقبل أن يكون ساكنًا.

حافظ «هيكل» على مصادره الصحفية والسياسية ليتجنب الظل الذى فرضه عليه السادات بعد أن سار كل منهما فى طريقه.

فى الصفحة التاسعة من كتابى المنشور عام ٢٠٠٠ تحت عنوان «هيكل... الحياة والحرب والحب»، كتبت على لسانه:

إن السادات اندهش عندما عرف أن الزعيم الإيرانى آية الله الخمينى استقبله فى ديسمبر ١٩٧٨ فى منفاه الأخير (قرية نوفيل شاتو) القريبة من باريس والتى كان يقود منها الثورة على شاه إيران محمد رضا بهلوى على بُعد ٣ آلاف كيلومتر من طهران.

وعندما عاد هيكل من رحلته عرف أن السادات غضب منه لأنه قابل الخمينى، فقد أحرجه أن يلتقى مصرى رجلًا يريد إسقاط عرش صديقه الشاه.

يضيف هيكل:

- وسأل السادات واحدًا من معارفنا المشتركين هو المهندس سيد مرعى عن الصفة التى قابلتُ بها الخمينى، وكان ردّى أننى قابلته بصفتى الصحفية، وكان تعليق السادات: «هل نسى أننى أحلته إلى التقاعد؟»، وحين بلغتنى الملاحظة رجوت صاحبنا المشترك أن ينقل للرئيس «أنه ربما أحالنى إلى التقاعد من منصب، ولكنه لم يحلنى إلى التقاعد من مهنة»، ونقل إليَّ أنه لم يقتنع.

الدرس المهم هنا: أن الصحفى بمصادره لا بمناصبه.

فى ذلك الوقت أيضًا فوجئ هيكل بالدكتور مصطفى خليل يتصل به من أسوان ليقول له:

«إن كل مصادر الأخبار هنا، وإنه لا معنى أن يبقى عنده فى القاهرة».

واستطرد الرجل الذى وصل إلى منصب رئيس الوزراء:

«إن مقعدين قد حُجزا له ولزوجته على طائرة الرئاسة التى تسافر كل يوم من القاهرة إلى أسوان وتعود فى المساء من أسوان إلى القاهرة ولعلها فرصة لإعادة المياه إلى مجاريها بينه وبين السادات».

لكن كان المطلوب من هيكل أن يكتب «ورقة أو ورقتين» عن نيات الخمينى يسترشد بها الشاه فى قراراته.

وكان رد هيكل:

- «إننى لم أتعود كتابة ورقة لأحد».

واعتذر عن عدم السفر.

والدرس الأهم هنا أن الصحفى لا يكتب إلا للقارئ وحده.

استخدم «هيكل» أحاديثه مع «الخمينى» فى كتابه «عودة آية الله» الذى تُرجم إلى العربية تحت عنوان «مدافع آية الله»، وكان تبريره للعنوان: «استعملت تعبيرًا عسكريًّا لتصوير الوضع أنى أسمع دويَّ مدافعك، ولكنى لا أرى أثرًا لمُشاتك.

والمشاة فى الثورة هم الكوادر السياسية والخبراء القادرون على تنفيذ مهامها وبرامجها».

وبذلك الكتاب وكتب أخرى (مثل «خريف الغضب» و«حرب الخليج» و«المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل»، وغيرها) التى تعاقد عليها هيكل لنشرها فى الخارج، أصبح واحدًا من أهم ١١ صحفيًّا فى العالم وتُرجمت أعماله إلى ٣١ لغة مختلفة.

ولكن يُلاحَظ أن كتبه المنشورة بلغة أجنبية غالبًا ما تكون أصغر حجمًا وأكثر تركيزًا من كتبه التى تُنشر باللغة العربية كأنه يريد إشباع القارئ العربى بمزيد من التفاصيل والوثائق، ولكنّ المتربصين به مثل جلال كشك يرون أن هناك تناقضًا بين ما يقوله للخارج وبين ما يقوله للداخل، ورصد ذلك فى كتابه «كلمتى للمغفلين - ثورة يوليو الأمريكية» الذى نشره عام ١٩٨٨ فى ٦٥٠ صفحة ردًّا على كتاب هيكل «حرب الثلاثين سنة».

وجلال كشك بدأ كاتبًا يساريًّا منتميًا للحزب الشيوعى المصرى واعتُقل فى حملة عام ١٩٥٤ وعندما أُفرج عنه ترك القاهرة واتجه إلى بيروت حيث انضم إلى صحفيى مجلة «الحوادث» التى يمتلكها سليم اللوزى.

فى ما بعد انقلب على نفسه وعلى أفكاره وبدأ الترويج للحكومات ذات النهج الإسلامى التى تصادف أنها حكومات ثرية يمكنها تمويل كتبه وبيعها بسعر زهيد لا يصل إلى ربع تكلفتها.

وعندما عاد إلى القاهرة فتحت مجلة «أكتوبر» له صفحاتها ليضع هيكل هدفًا دائمًا على تبّة ضرب النار منافسًا الدكتور عبدالعظيم فى تبديد مئات الطلقات الطائشة فى حرب بدت ساذجة.

وكالعادة لم يردّ هيكل عليهما.

وأيضًا لم يرد على الدكتور فؤاد زكريا عندما نشر كتابًا بعنوان «كم عمر الغضب؟» انتقد فيه ببراعة وحنكة وحكمة كتاب هيكل «خريف الغضب».

وعندما سألتُ هيكل عن رأيه فى الكتاب أجاب:

- إنه لم يسمع عنه ولم يسمع عن مؤلفه.

- هو أستاذ جامعى شهير متخصص فى الفلسفة وينشر كثيرًا من المقالات فى دوريات عربية.

- لم أسمع عنه.

الحقيقة أنه يعرفه وسبق أن أشاد بمقاله «العلمانية هى الحل» ردًّا على مقولة «الإسلام هو الحل»، وطلب من أحمد بهاء الدين أن يدعوه إلى «غداء» معه فى مزرعته الريفية على أطراف الجيزة عند «برقاش».

لكنها طبيعته فى احتراف الصمت إزاء المنتقدين والمختلفين والمهاجمين.

فى تلك السياسة يتمثل -على حد قوله- نصيحة الفيلسوف القديم: «قلْ كلمتك وامشِ».

وفى موضع آخر يجد فى قول الساخر برنارد شو منفذًا للهروب من الرد: «إنهم يقولون، ماذا يقولون؟ دعْهم يقولون».

وكثيرًا ما وصف مهاجميه بأنهم «فرسان الساحات الخالية، هؤلاء الذين يمرحون فى ميادين يعرفون مقدمًا أنه ليس فيها عدو وبالتالى ليس عليها قتال».

وحسبما سمعت منه، فإنه تلقى برقية من صحفى لبنانى لامع فى بيروت كتب إليه:

- أنا أحسدك على عدد خصومك.

وردَّ هيكل:

- أنت على صواب فأنا أستحق الحسد على خصومى، ولكننى أيضًا أستحق الحسد على أصدقائى، ولو خُيِّرت لَمَا اخترت غير ما لديَّ على الناحيتين.

ومن العبارات التى سمعناها منه كثيرًا عبارة شهيرة كان لا يكفُّ عن ترديدها: «بلا خوتة»، وتعنى «بلا دوشة»، و«الدوشة» تعبير دارج يعنى الصخب المزعج أو الضجيج بلا طحين.

لكن «الخوتة» كثيرًا ما تزيد على الحد لتصبح ضجة مؤثرة لا يمكن الفرار منها.

بعد خروج مصطفى أمين من السجن بعفو صحى من السادات اشتدت الحملة على هيكل، كأنه هو الذى لفَّق له اتهامه بالتجسس رغم إثباته بالصوت والصورة وباعتراف مصطفى أمين نفسه فى خطاب أرسله إلى عبد الناصر.

ردَّ «هيكل» بقوة على كل ما نُسب إليه فى كتابه «بين الصحافة والسياسة» الذى نشره عام ١٩٨٤، ومصطفى أمين على قيد الحياة قائلًا: «الآن وقت الكلام وإلا فلا كلام».

بنشر الكتاب انتقلت عدوى الصمت إلى مصطفى أمين.

ويجد «هيكل» فى الكتاب فرصة ليروى بعضًا من سيرته المهنية، ولكنه لم يقترب من سيرته الشخصية التى أباح للكاتبة المميزة سناء البيسى ببعض منها وخصَّنى بتفاصيل أخرى بعد أن جمعتُ معلومات عن نشأته وصباه من أحد أصدقاء الطفولة وزميله فى مدرسة التجارة المتوسطة وزوج صغرى بنات خاله (كرم) هو مصطفى البكرى الذى أصبح فى ما بعد واحدًا من أبرع خبراء السياحة ونائبًا لرئيس مجلس إدارة شركة «حياة ريجنسى» العالمية.

أمدَّنى مصطفى البكرى وزوجته كرم بما لم يفصح عنه هيكل كما سنعرف فى ما بعد.

كان فى خطة هيكل تجهيز كتاب عن «ظهور وتراجع القوة العربية» ولكنه أمام كثافة النيران ضده نشر «بين الصحافة والسياسة».

فى ذلك الوقت خرج ذات يوم ليقول إنه «يتقاضى جنيهًا إسترلينيًّا عن كل كلمة يكتبها».

تضاعفت الضربات وا ....

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
الفجر المصدر: الفجر
شارك الخبر

إقرأ أيضا