"أقف الآن على دور طويل لتعبئة بعض الليترات من المياه في دير البلح، لآخذها لأطفالي وزوجتي في الخيمة، وأنا لا أعرف ماذا سيكون مصيري أو مصيرهم بعد دقائق" يقول زوج "ب " وهي سيدة من الرملة (تحمل الجنسية الإسرائيلية)، أجبرت على البقاء في غزة بسبب منعها من ادخال طفليها معها إلى إسرائيل، رغم أحقيتهم بالجنسية الإسرائيلية.

هذه الأم هي واحدة من عشرات الفلسطينيين من الداخل (يحملون الجنسية الإسرائيلية) الذين علقوا في غزة بعدما بدأت الحرب، بعضهم استطاعوا العودة، حوالي 140 مواطنًا، وفق منظمة "مسلك غيشا" ومركز الدفاع عن الفرد، حيث تم ادخالهم خلال 6 عمليات انقاذ، ولكن على عكس أمهات عديدات، ترفض الدولة أن تدخل هذه الام مع أولادها، وتطالبها، بأن تصل إلى معبر كرم أبو سالم مع أولادها، وأن تجري فحصًا للحمض النووي، ثم تعود إلى دير البلح، وبعد أن تصدر النتائج ويتم التأكد أن الطفلين هما طفليها، تستطيع العودة. هكذا كان رد الدولة للمحكمة المركزية في القدس الأسبوع الماضي في الالتماس الذي قدمته منظمة "غيشا" وقد تبنته المحكمة رغم أنها في الرد الأول طلبت من الدولة تفسيرًا لماذا يختلف التعامل مع هذه الأم، مع تعامل الدولة مع حالات مشابهة أخرى.

خطر مضاعف 3 مرات!
العائلة طبعًا ترفض هذا الاقتراح رفضًا باتًا، يقول الزوج: "التنقل من دير البلح إلى كرم أبو سالم محفوف بمخاطر كثيرة، استطيع المخاطرة بنقل زوجتي وأولادي مرة واحدة، ولكن 3 مرات، هذا مستحيل، هنالك خطر كبير على حياتهم، فجانب كونها مناطق قتال وقد نتعرض لقصف أو لإطلاق نار، وحتى لو كان الأمر بتنسيق مع الجيش الإسرائيلي، فإن هنالك عصابات اجرام في مناطق عديدة وحالة من الفوضى، وعبور الطريق مرة واحدة محفوف بالمخاطر الكبيرة، فكم بالحري بثلاث مرات، طبعًا لن أخاطر بأبنائي وزوجتي، وبالطبع فإن زوجتي رفضت وترفض منذ بداية الحرب أن تخرج لوحدها وتترك الطفلين في غزة، وها نحن الآن، نعيش في خيمة، بلا ادنى شروط الحياة، الأطفال يمرضون ولا يوجد أدوية لعلاجهم، ونعاني من نقص صارخ وكبير بالمياه وبالأطعمة، ناهيك عن المخاطر الأخرى، وعن مخاطر تعرض الخيمة أو المنطقة لقصف في أي لحظة".

في رد منظمة "غيشا"، جاء: رغم أن معنى اقتراح الدولة هو ارسال الأطفال وأمهم إلى جحيم الحرب في غزة لفترة زمنية طويلة وغير معروفة، إلا أن المحكمة قبلت اقتراحها، مما يعرض الأم وأطفالها لخطر حقيقي. وبذلك، أيدت المحكمة العنف البيروقراطي الذي تستخدمه سلطة السكان ضد المواطنين الإسرائيليين، وانتهاك العقد الأساسي بين الدولة ومواطنيها.

حجج غير منطقية!
"حجة الدولة أن الأم لم تسجل أولادها في سجل المواطنين الإسرائيليين قبل الحرب، وهي حجة غير منطقية، يعني لو أنها سجلتهم يوم 6.10 لكانوا قد حصلوا على الجنسية بدون فحص حتى، والآن تمنعهم من الدخول وإجراء الفحص وانتظار نتائجه فحسب، تريدهم أن يعودوا عبر الطرق المرعبة والخطيرة إلى داخل غزة لانتظار نتائج الفحص، يعني مواطنة إسرائيل، ذنبها وما قد يعرضها ويعرض أولادها للخطر، فقط أنها لم تسجلهم في السجل المدني قبل 7.10" تقول المحامية أوسنات كوهين-ليفسيتش، مديرة القسم القانون في "غيشا"، وتضيف: " قبل الحرب كانت الدولة تطلب فحص الحمض النووي فقط عندما تكون الحالة استثنائية، مثلًا، سيدة تبلغ من العمر 40 عامًا أرادت الحصول على جنسية لأن والدتها إسرائيلية فأجروا لها فحصًا، وبعد اندلاع الحرب، اخرجنا العديد من العائلات من غزة، لكن الامر كان أسهل، كانت العائلات تخرج من غزة إلى مصر عبر معبر رفح بعدما تدفع الكفالة، قبل دخول الجيش الإسرائيلي إلى رفح واحتلال المعبر، وكانت العائلات تنتقل عبر سيناء إلى معبر طابا، وهناك تجرى معها تحقيقات الشاباك وفحوصات الحمض النووي، ثم تدخل إلى إسرائيل، وهذه هي المرة الأولى التي يطلبون فيها من عائلة ان تأتي وتجري الفحوصات ثم تعود إلى غزة وتخاطر بنفسها حتى صدور النتائج، حتى بعمليتي الإنقاذ الأخيرتين، تم اخراج مواطنين عبر معبر كرم أبو سالم، رغم أن الوصول للمعبر كان في غاية الصعوبة والخطورة، لكن على الأقل لم يطلبوا منهم العودة إلى غزة والانتظار حتى صدور النتائج".

"الجيش نفسه يعرف أن الطريق من دير البلح إلى كرم أبو سالم خطيرة، وفي البداية منسق الجيش في غزة لم يوافق على الأمر نهائيا، وبعد الالتماس عرضوا حلًا يشكل خطرًا مضاعفًا 3 مرات على حياة العائلة، بأن يمروا من الطريق 3 مرات، بمعنى أن هنالك تناقض في المواقف حتى، والحل المقترح وحشي وغير منطقي، فالخطر كبير جدًا، وبالأساس من الجيش، اذا كان الجيش يقصف مركبات تابعة لمنظمات إغاثة عالمية ويقتل من فيها رغم أن شعار هذه المنظمات مطبوع على سقف المركبات، ويدعي أنه قصفها بالخطأ، فمن المؤكد أنه قد يقصف هذه العائلة أيضًا اثناء مرورها، وهذا هو الخطر المركزي، أكثر حتى من خطر المنظمات الاجرامية التي يتحدث عنها الأب، وفي كل الأحوال الآن القرار لدى العائلة اذا كانت ستستأنف على قرار المحكمة أم لا".

حالات أخرى
ليست قضية الام "ب" هي الوحيدة، فرغم أن العشرات من المواطنين الإسرائيليين استطاعوا الخروج من غزة، إلا أن دولة إسرائيل ما زالت تعارض وتمنع دخول عدد من مواطنيها، وتتركهم تحت نيران الحرب، كما لا تفعل أي دولة في العالم، تروي اسنات كوهين ليفسياش: "هنالك قضية أخرى عن سيدة تبلغ من العمر 24 عامًا، ولدت في اسرائيل، واخوتها يتواجدون داخل إسرائيل، كانوا في غزة ودخلوا، حيث ان والدهم إسرائيل، وهي مسجلة في سجل السكان الإسرائيلي، لكنها لم تصدر أي جواز سفر وأي بطاقة هوية في حياتها، فقد عاشت في إسرائيل حتى جيل 3 سنوات ثم انتقلت مع أمها الى غزة وهي غير مسجلة حتى في سجل السكان الفلسطيني، لديها كل المستندات، شهادة الولادة وتفاصيل عائلتها، واخوتها يشهدون أنها اختهم، وهنالك عشرات الصور لهم معًا منذ طفولتهم، ورغم ذلك ترفض الدولة إدخالها، حتى ترفض عرضنا بأن تجري فحصًا للحمض النووي مع اخوتها، وقد التمسنا حول قضيتها للمحكمة".

كما وتتحدث كوهين ليفسيتش عن مواطن إسرائيل، أولاده في غزة، وقد أجرى فحصًا للحمض النووي لهم قبل الحرب، وأكد الفحص انهم أولاده، لكن الدولة تمنع ادخالهم قبل أن يسجلهم في سجل السكان، وفي وزارة الداخلية (سلطة السكان والهجرة) يماطلون ويرفضون تسجيلهم، وكل هذا يحصل بينما الأطفال يتعرضون لخطر الموت في كل لحظة ولمخاطر صحية كثيرة في غزة".