آخر الأخبار

خبراء: "العرض الاقتصادي المغربي" يغري الاستثمارات الصينية في منتدى "فوكاك"

شارك الخبر

في قمة “منتدى التعاون الصيني-الإفريقي 2024” (التي نُظمت في بكين بين 4 و6 شتنبر) لم يبصم المغرب فقط على حضور دبلوماسي وازن، كبلد رائد قارياً، بل حضرَ أيضاً، بقوة، “العرض المغربي” في مجالات اقتصادية واعدة للتعاون بين الرباط وبكين، خاصة في قطاعات السيارات والتنقل الكهربائي والطاقات، التي تفتح “شهيّة التنين” نحو مزيد من الاستثمارات بالمملكة.

وعلى هامش “فوكاك” عُقدت لقاءات عديدة بين رجال أعمال مغاربة وصينين، فضلا عن زيارات ميدانية إلى مجموعات صينية رائدة في أنشطتها قادتْ رئيس الحكومة عزيز أخنوش، مرفقاً بوزير الاستثمار والتقائية السياسات العمومية ومسؤولين مغاربة آخرين، لاستشكاف آفاق تعاون أرحب.

ويرى خبراء ومتتبعون اقتصاديون أن منتدى القمة في بكين كان فرصة لإعطاء نفَس تعاون اقتصادي متجدد بين المغرب والصين، بعد إرساء الدعائم في الزيارة الملكية إلى الصين قبل ثماني سنوات (2016).

ويزداد هذا الزخم الاقتصادي بـ”ندوة رجال الأعمال الصينيين والأفارقة”، التي نظمت في إطار هذه القمة، وشارك فيها المغرب، بحضور رئيس الحكومة، عبر الاتحاد العام لمقاولات المغرب ومسؤولين من وكالة الاستثمارات وتنمية الصادرات، فيما وصفها محسن الجزولي، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالاستثمار والالتقائية وتقييم السياسات العمومية، بـ”المهمة جداً للعلاقات الاقتصادية بين المغرب والصين”.

وتابع الجزولي، في تصريح إعلامي بالمناسبة، أنه “من أجل تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين تم عقد عدة لقاءات مع عدد من الفاعلين الصينيين الذين يتّجهون نحو القطاعات التي نسعى إلى تطويرها بالمغرب”؛ خاصا بالذكر “السيارات، والتنقل الكهربائي، والطاقة والنسيج”.

“شريك تجاري قوي”

رشيد الساري، محلل اقتصادي ورئيس المركز الإفريقي للدراسات الإستراتيجية والرقمنة، تفاعَلَ مع مخرجات المشاركة المغربية البارزة في منتدى “فوكاك” وفعالياته، متطرقاً لنقطتين “أساسيتيْن”، حسب تقديره.

“النقطة الأولى”، وفق المصرح لجريدة هسبريس، تتعلق بـ”آفاق التعاون ورقم المعاملات التجارية بين الصين والمغرب الذي وصل إلى 7 مليارات ومائتين مليون دولار، مع استحضار أن الصين تعتبر، اليوم، الشريك التجاري الثالث على المستوى العالمي”، وتابع مفصلا: “الصادرات المغربية بين سنتيْ 2021 و2022 كانت قد ارتفعت بنسبة وصلت إلى 52 بالمائة، لكن تصريحات المسؤولين المغاربة الذين شكلوا الوفد المغربي في ‘قمة فوكاك’، خاصة ما أدلى به الوزير المكلف بالاستثمار، تفتح آفاقا واعدة في مجموعة من مجالات الطاقات المتجددة، وكذا السيارات، ثم التنقل الكهربائي والنسيج”، رابطاً ذلك بـ”مجموعة من الأسباب”.

وذكر المحلل الاقتصادي بأن “المغرب اليوم رائد في الطاقة المتجددة، وخاصة في الطاقة الشمسية، حيث يبقى الأول على المستوى الإفريقي”، معرجاً على “الهيدروجين الأخضر وآفاق كبيرة في هذا المجال، بحيث أكدت المفوضية الأوروبية المكلفة بإعادة الإعمار والتنمية أن المغرب من بين دول العالم الأربع التي سوف تتمكن من الحصول على الهيدروجين بتكلفة أقل”، ومستدلا بتقرير آخر لمنظمة الطاقة “أرينا” تتوقع أن ينتج المغرب تقريبا 40 في المئة من الهيدروجين الأخضر على المستوى العالمي.

ولفت الساري إلى أن “هذه كلها نقاط تجعل من المغرب اليوم بما يتوفر عليه من إمكانيات يرتقي ليكون شريكا قويّا للصين”.

إدراك صينيٌ لمؤهلات المغرب

النقطة الثانية، حسب رئيس المركز الإفريقي للدراسات الإستراتيجية والرقمنة، هي “ما يتوفر عليه المغرب من بنية تحتية في مجالات متعددة”، مشددا على أن “البلد عرف كيف يندمج وينصهر في مجال السيارات الكهربائية”، راصداً ملاحظة “مشاريع عملاقة في هذا المجال من الطرف الصيني، خاصة مشروع للبطاريات الكهربائية بقيمة 12 مليار و800 مليون درهم بمصنع ضخم بالقنيطرة”، وزاد: “كما لا ننسى أن الصين كانت صريحة جدا عندما أكدت أنها ستنافس الأسواق الأمريكية في مجال السيارات الكهربائية انطلاقا من المغرب”.

وبعدما أشار إلى “بنية تحتية من طرق وموانئ جعلته مؤهَّلاً لإقناع الصينين” قال الساري إن “المغرب كان صريحا عندما قال إننا نضع إمكانياتنا في خدمة إفريقيا، خاصة دول غرب الساحل؛ وبالتالي التقطت الصين اليوم هذه الإشارة بشكل إيجابي، ولها وعي كامل بأن الولوج إلى إفريقيا عبر بواية الاستثمارات، لاسيما في مجالات المواد الخام”.

“بكين مدركةٌ أن دخول غرب إفريقيا يتم عبر المغرب، لأنه يعتبر اليوم البوابة الحقيقية للولوج إلى إفريقيا، ليس فقط لموقعه الإستراتيجي الرابط بين المتوسط والأطلسي والعمق الإفريقي؛ ولكن لما يتوفر عليه من طرق سريعة وسيّارة، مع بنية موانئ مهمة للوجستيك، أبرزها ميناء الداخلة الأطلسي الذي هو في إطار الإنشاء حالياً، مع دوره الإستراتيجي المرتقب، إلى جانب ميناء طنجة المتوسط الذي يسهل العبور من طنجة نحو جميع دول العالم بأقل وقت، وهذا جد مهم للصينين”.

وأجمل المحلل الاقتصادي: “هناك وعي ودينامية مبادلات، مع حجم ما تستثمره الصين في إفريقيا (50 مليار دولار في 3 سنوات قادمة)، وكل هذا قد يرفع بكين لتصبح الشريك الثاني للرباط”، خاتما بأنه “منذ سنة 2016 عندما كانت هناك زيارة تاريخية للملك محمد السادس إلى بكين، حيث تم عقد شراكات إستراتيجية كان لها ما بعدها، أصبح هذا المفهوم أو هذا المنطلق يترسّخ يوماً بعد يوم”.

تراكمات مفيدة للمغرب

بدوره قرأ وديع الشحواطي، أستاذ باحث في الاقتصاد بكلية العلوم القانونية والاقتصادية بتطوان، دلالات الموضوع قائلا إن “مستوى العلاقات الثنائية الحالية بين الصين والمغرب ليس وليد اللحظة، بل هو نتيجةُ تراكمات الانخراط المغربي في مبادرة [الحزام والطريق]، وقَبْلها مخرجات الزيارة الملكية التاريخية إلى الصين في 2016″، مسجلا “دينامية قوية دبلوماسية وسياسية، ومبادلات تجارية متنامية عادت بالأثر الاقتصادي الذي فتح آفاقاً جديدة أمام الصينين للاستثمار في المغرب”.

ورغم أن المعلن، حسب المحلل الاقتصادي في حديث لهسبريس، “لقاءات مثمرة جمعت رجال الأعمال المغاربة بنظرائهم الصينيين طيلة أيام تدارست قطاعات رئيسة، تبقى بكين على استعداد لتطويرها في المغرب أو المشاركة في ذلك، خصوصا الطاقة، السيارات، النسيج والتنقل الكهربائي”، فإن الشحواطي يرى أن “الشراكة المغربية مع التنين الصيني يمكنها أن تشمَل مجالات أوسع نحن في أمسّ الحاجة راهنياً إلى الخبرات الصينية بشأنها”، مركزاً على مجاليْ “تصفية وتحلية المياه، وتشييد السدود”؛ وهو ما يجلب “الاستفادة النافعة” للمملكة في ظرفية إجهاد مائي هيكلي.

ووفق المحلل ذاته فالقطاعات التي ذكرها وزير الاستثمار “تظل ريادية للمغرب، بينها التقائية اقتصادية وخالقةٌ لقيمة مضافة عالية حفّزت التوجه الرسمي للفاعلين العموميين والخواص على الاستثمار الكبير فيها؛ وبالتالي فإن ما نوقش في ‘فوكاك’ وعلى هامشه جاء للدفع قدماً بهذه المشاريع وتسريع الأوراش”، خاصا بالذكر “إشكالية التنقل الكهربائي التي ستحلّ مشاكل الربط بالمدن الكبرى المغربية، ومسألة الماء التي تحتاج تمويلات ضخمة يمكن للمغرب أن يوفّرها عبر ما أعلنه الرئيس الصيني ضمن 50 مليار دولار أمام القادة الأفارقة”.

وتابع المتحدث شارحا: “الفرص الاقتصادية لاستثمارات الصين ستخلق فرص شغل كبيرة للمغاربة هُم بحاجة إليها في السنوات القادمة، في ظل عمل الحكومة على إنجاح التزاماتها خلال النصف الثاني من ولايتها”، ضاربا المثال بمشروع صيني للنسيج “يمكنه خلق أكثر من آلاف منصب شغل مباشر بالمغرب”.

ولم يُغفل الشحواطي ما يمكن أن يمثله السوق الصيني من زخم سياحي قويّ للفاعلين المغاربة في هذا القطاع المُنتعش، داعياً إلى “التركيز على السياح الصينيين وإمكانيات جلبهم للقيمة المضافة ماليًا واقتصاديا مع التعريف بالمملكة ثقافيا”، وختم بأن “تطوّر علاقات الرباط وبكين لا يمكن فهمُه إلا في إطار إستراتيجية مغربية هادئة تسعى إلى تنويع الشركاء وتجديد الروابط مع قوى العالم الراهن، في زمن يؤمن بتعدّدية الأقطاب والتعاون جنوب–جنوب”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك الخبر

إقرأ أيضا