آخر الأخبار

تحليل: الجزائر وروسيا..تحالف يغرق في رمال الصحراء المتحركة؟

شارك الخبر
لقاء الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والجزائري عبد المجيد تبون في موسكو صورة من: Mikhail Metzel/TASS/DPA/picture alliance

انتقادات واضحة وغير مسبوقة وجهها مندوب الجزائر الدائم في الأمم المتحدة مؤخرا خلال جلسة للأمم المتحدة بمناسبة الذكرى الـ 75 لاعتماد اتفاقية جنيف، لدور مجموعة "فاغنر" الروسية في هجوم القوات المالية على متمردين أزواديين على مقربة من الحدود الجزائرية في منطقة تينزاواتين شمال مالي، وراح ضحيتها عشرات المدنيين.

انتقادات المندوب الجزائري ودعوته إلى "محاسبة" تلك الأطراف، أثارت تساؤلات حول حقيقة ما يجري بين موسكو و الجزائر، وعما إذا كان التحالف التقليدي بين البلدين يمر بأزمة صامتة وغير مسبوقة؟

خلافات تطفو على السطح

يبدو أن جلسات هيئات الامم المتحدة باتت المنبر الأبرز الذي تطفو عليه خلافات روسية جزائرية في عدد من الملفات. فقد كان لافتا قبل بضعة أسابيع عندما ثار جدل ساخن بين مندوبي البلدين في مجلس الأمن الدولي على خلفية قضية مشاركة الملاكمة الجزائرية إيمان خليف في الألعاب الأولمبية في باريس.

كما توقف مراقبون عند الانتقادات التي وجهها مندوب الجزائر عمار بن جامع، الأسبوع الماضي لدور مجموعة "فاغنر" الروسية في عمليات الجيش المالي شمال البلاد على الحدود مع الجزائر، ودعوته إلى محاسبة "الجهات التي تسببت في قصف أكثر من عشرين مدنيا على حدود البلدين، جراء ما تقترفه بحق القانون الدولي الإنساني"، في إشارة واضحة منه لمجموعة "فاغنر" الروسية الخاصة المتحالفة مع الجيش المالي.

و ثمة أصداء أخرى للخلافات الروسية الجزائرية تُرصد خارج أروقة الأمم المتحدة، وأبرزها ما يحدث على الحدود الجزائرية الليبية، حيث لا تُخفي الجزائر قلقها من تحركات قوات الجنرال خليفة حفتر المدعوم من طرف "فاغنر" في شرق ليبيا، بمناطق جنوب البلاد ومحاولته السيطرة على مدينة غدامس الاستراتيجية في مثلث الحدود الليبية الجزائرية التونسية. ونقلت تقارير إعلامية عن مصادر مقربة من الجنرال حفتر، أن الجزائر ترفض رغبة روسيا في توسيع نفوذ قوات حفتر على المناطق المتاخمة للحدود الليبية الجزائرية. وتعتبر تحركات الجنرال حفتر ذات أهداف مزدوجة إذ يسعى من خلالها لتطويق الحكومة المركزية في طرابلس، المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، بينما تهدف موسكو لفتح خطوط تحرك عناصر "فاغنر" في منطقة استراتيجية لمراقبة الأوضاع في منطقة الساحل والصحراء حيث تقيم موسكو تحالفا متناميا مع كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو.

وفي صيف العام الماضي، أثارت تصريحات أدلى بها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إثر قبول عضوية كل من مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة وأثيوبيا في مجموعة "بريكس" خلال قمتها (أغسطس/آب 2023) في جنوب أفريقيا، وعدم قبول طلب الجزائر الانضمام للمجموعة، استياء الجزائريين عندما قال "إن المعايير التي أخذت في الاعتبار لدى مناقشة توسع مجموعة بريكس كانت تشمل وزن وهيبة الدولة ومواقفها في الساحة الدولية".

ويمكن القول بأن الدخان الذي يظهر على سطح العلاقات الروسية الجزائرية بقدر ما يحمل إشارات على وجود نار ينبعث منها، فهو ينطوي على أبعاد غير مسبوقة في علاقات تحالف تاريخية واستثنائية، رغم الاستمرارية في المشاورات والتعاون الثنائي والزيارات المتبادلة، بما فيها زيارات قام بها الرئيس عبد المجيد تبون ورئيس هيئة أركان الجيش الفريق أول السعيد شنقريحة في العامين الأخيرين إلى موسكو، مقابل زيارات قام بها وزير الخارجية سيرغي لافروف وقادة الجيش الروسي إلى الجزائر.

رئيس هيئة أركان الجيش الجزائري الفريق أول السعيد شنقريحة في لقاء مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شايقو صورة من: Russian Defence Ministry/DPA/picture alliance

قصة علاقة استثنائية

تعود قصة العلاقات الجزائرية الروسية إلى حقبة كفاح الجزائريين ضد الاستعمار الفرنسي. وكانت بدايات دخول موسكو إبان حقبة الاتحاد السوفيتي على خط القضية الجزائرية مثيرة لحفيظة قيادة جبهة التحرير الوطني بسبب تركيز الحزب الشيوعي السوفيتي آنذاك على العلاقة مع الحزب الشيوعي الجزائري.

لكن موسكو ستتدارك لاحقا بتوسيع دعمها للحكومة الجزائرية المؤقتة سواء في الأمم المتحدة أو عسكريا عبر حلفاء عرب (خصوصا عبر مصر جمال عبد الناصر). وستكون موسكو أول دولة تعترف باستقلال الجزائر ثلاثة أشهر قبل الاعتراف به رسميا من قبل الأمم المتحدة في الخامس من يوليو/تموز 1962.

ورغم نهج دولة الجزائر المستقلة توجهات اشتراكية واعتبارها تحت نفوذ المعسكر الاشتراكي خلال حقبة الحرب الباردة، إلا أنها ظلت حليفا صعبا بالنسبة للسوفييت، وذلك لأسباب من أهمها نزعة الجزائر الاستقلالية عن نفوذ القوى العظمى ونشاطها الحثيث في عقد السبعينيات من أجل تأسيس كتلة "العالم الثالث". كما أن التوجهات الاشتراكية التي كان بومدين ينتهجها في سياسته بلاده الداخلية، اتسمت بخصائص قومية ووطنية تتباين في بعض ملامحها مع النهج الاشتراكي السوفيتي.

 وبرزت صعوبات أمام القيادة السوفيتية في إدارة العلاقة مع الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين؛ إذ تفيد وثائق عديدة أنه كان صعب المراس في مواقفه من الدور السوفيتي في محطات تاريخية من صراع الشرق الأوسط وخصوصا منها المتصلة بحربي 1967 و1973 بين إسرائيل والدول العربية.

لقاء جمع الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين مع أمين عام الحزب الشيوعي السوفيتي ليونيد بريجنيف في موسكو صورة من: Valentin Sobolev/TASS/picture alliance

ورغم اعتبارها حليفا صعبا للسوفييت، إلا أن الجزائر اعتمدت بشكل أساسي في بناء جيشها واقتصادها وبنياتها التحتية وتحالفاتها الإقليمية، على الدعم السوفيتي، مقابل درجات أقل بكثير من اعتمادها على شركاء غربيين مثل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.

وتعتبر المدرسة السوفيتية تاريخيا مرجعا للقيادات العسكرية والاستخبارية النافذة في سياسة الجزائر ونظامها السياسي، وذلك كنتيجة لرصيد العلاقات العسكرية في مستويات التسلح وتكوين كفاءات الجيش. ويُقدّر خبراء مؤشرات التأثير السوفيتي في تكوين أطر وقيادات الجيش الجزائري عبر الآلاف من الضباط والخبراء السوفييت الذين أوفدتهم روسيا للجزائر بهدف التكوين والتأطير، وآلاف من العسكريين الجزائريين المبتعثين إلى أكاديميات عسكرية روسية.

وحسب ما جاء في كتاب "الحروب السرية للاتحاد السوفيتي- أول موسوعة كاملة"، لمؤلفه ألكسندر أوكوروكوف نائب رئيس الجامعة للشؤون الأكاديمية في جامعة "سيبيريا" الطبية الحكومية، فقد شارك أكثر من عشرة آلاف ضابط سوفيتي من مختلف التخصصات، في عمليات التكوين والتدريب والتأطير للجيش بالجزائر، وكذلك عمليات الإشراف والصيانة العسكرية، منذ عام 1962 إلى عام 1990، وفق تقرير نشره موقع مركز الدراسات العربية الأوراسية.

ويعتمد الجيش الجزائري تاريخيا على ترسانة أسلحة روسية. وتفيد تقارير مراكز أبحاث متخصصة في الدراسات العسكرية والاستراتيجية بأن نسبة اعتماد الجيش الجزائري على الصناعات الحربية الروسية تتجاوز 80 في المائة.

كما سُجلت هذه النسبة أيضا على مستوى واردات الأسلحة التي تقتنيها الجزائر بوتيرة ملحوظة منذ أكثر من عشر سنوات، تجني منها الصناعات الحربية الروسية سنويا قرابة 10 مليار يورو. بعد فترة فراغ شهدتها العلاقات بين البلدين في عقد التسعينيات الذي أعقب تفكك الإتحاد السوفيتي ودخول الجزائر في العشرية السوداء.

وشهدت بداية الألفية الثالثة إنطلاقة جديدة للعلاقات الجزائرية الروسية جسدتها اتفاقية الشراكة الاستراتيجية التي وقعها الرئيسان فلاديمير بوتين وعبد العزيز بوتفليقة سنة 2001 في موسكو. وأعقبها اتفاق في سنة 2006 على إلغاء الديون الروسية على الجزائر. وذلك خلال أول زيارة يقوم بها الرئيس بوتين إلى شمال أفريقيا. ويرى فيها مراقبون بأنها كانت منعطفا أساسيا باتجاه تنامي علاقات روسيا بوتين مع دول المنطقة.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والجزائري عبد العزيز بوتفليقة: انطلاقة جديدة للعلاقات التقليدية صورة من: Sergei Ilnitsky/dpa/picture alliance

توجهات وحسابات متضاربة

رغم الالتقاء الموضوعي أو المنسق بين روسيا والجزائر في عدد من الملفات الإقليمية والدولية، مثل قضايا الأزمة بين الغرب وإيران، وتوافق الخيارات الأمنية والسياسية في مواجهة انتفاضات "الربيع العربي" ومن أبرز تجلياتها دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، إلا أن سياسات موسكو والجزائر اعتراها التضارب في عدد من الملفات الاستراتيجية خلال السنوات القليلة الأخيرة، ويمكن رصدها في أربعة ملفات على الأقل.

أولها: تداعيات حرب أوكرانيا والتي تجسدت بالخصوص في اعتماد الدول الأوروبية على الغاز الجزائري كبديل للغاز الروسي، إذ أبرمت الجزائر صفقة تاريخية لتصدير الغاز مع إيطاليا وشركائها الأوروبيين. فيما اعتبر مؤشر على تصدع في تحالف البلدين ولاسيما على مستوى منتدى الدول المصدرة للغاز.

وأدى تراجع مخزون روسيا من الأسلحة والمعدات والذخيرة بسبب الحرب مع أوكرانيا، إلى تراجع صادرات الصناعة العسكرية الروسية، بنسب تفوق 80 في المائة، بحسب أحدث تقرير لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام SIPRI الذي أكد أن التراجع الأكبر في اقتناء الأسلحة ومتطلبات الصيانة بالنسبة للجزائر. كما شهد برنامج التدريبات والمناورات العسكرية المشتركة تقليصا ملحوظا.

ثانيا: عدم قبول عضوية الجزائر في مجموعة البريكس التي تعتبر روسيا والصين اللاعب الأكبر فيها، كمنظمة موازية للنفوذ في مواجهة الغرب.

ثالثا: استراتيجية "الزحف" الروسي في منطقة الساحل

يرصد محللون مؤشرات عديدة من خلال تحركات روسيا المتسارعة في القارة الأفريقية وخصوصا منطقة الساحل والصحراء، على نهج يصفه بعض الخبراء بعبارة عن "زحف". ويمكن رصده ميدانيا عبر نشر مجموعات "فاغنر" وتوسيع اتفاقيات التعاون العسكري والأمني وفي مجالات الطاقة والمعادن مع دول المنطقة.

وخلال القمة الروسية الأفريقية التي احتضنتها سانت بطرسبرغ في يوليو/تموز 2023، كان واضحا تركيز الرئيس بوتين على الشركاء الأف ....

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
DW المصدر: DW
شارك الخبر

إقرأ أيضا