تهريب اللاجئين.. تجارة مربحة تستثمر في أوجاع السوريين

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على الرابط أعلاه للمشاهدة على الموقع الرسمي

يشعر يورغن نيسن ضابط الشرطة الذي يرأس فريقا من محققي جرائم الاتجار بالبشر في مدينة "فلنسبورغ" الألمانية بالضجر لعدم تمكنه من اعتقال كبار المهربين أو وقف تدفق اللاجئين.

ويتذكر ضابط الشرطة الألماني -في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الألمانية- أنه في تسعينيات القرن الماضي كان معظم المهاجرين إلى ألمانيا من الفلسطينيين، ثم جاء مهاجرون من الصين وإريتريا، أما الآن فإن الغالبية من السوريين والعراقيين الفارين من الحرب بحثا عن حياة أفضل.

ويقيم زعماء تجارة البشر -الذين يسعى نيسن لاعتقالهم- داخل سوريا، غير أنه لا يعرفهم ولا يعرف منهم سوى اثنين يعيشان في بلدة صغيرة على الحدود السورية مع تركيا، وهما من بين المخططين الرئيسيين لأعمال التهريب.

ويوضح نيسن أن الرجلين لديهما علاقات في جميع أنحاء أوروبا ومكاتب في سوريا وتركيا وكذلك وسطاء في بلغاريا، كما لديهما شبكة خاصة وقدرات لوجستية لنقل اللاجئين إلى أوروبا عن طريق البر والبحر.

وينظم المهربان وسائل النقل والإقامة للمهاجرين ويخططان لطرق السفر، ويتقاضيان بالمقابل 10 آلاف يورو عن الشخص الواحد، ويمتلكان اليوم ثروة طائلة من وراء تجارتهم.

وكان التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأميركية حول الاتجار بالبشر، الذي صدر الاثنين الماضي، قد أدرج سوريا ضمن القائمة السوداء التي تضم دولا يتهم التقرير حكوماتها بالتورط المباشر في هذه الجرائم.


مصدر الصورة
مهاجرون غير نظاميين يستقلون الحافلات للتحرك نحو الحدود التركية مع اليونان (الأناضول)

تدفق اللجوء رغم المخاطر

ويشكك مراقبون بإمكانية توقف عمليات لجوء السوريين إلى أوروبا أو الحد منها، رغم الصعوبات التي يواجهونها بسبب قيود صارمة فرضها الاتحاد الأوروبي للحد من تدفق موجات جديدة.

وترى منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) أن إغلاق قنوات الهجرة النظامية أمام معظم من استدعتهم الظروف للهرب من بلادهم فلا يجدون سوى القليل من المسارات الآمنة ولا خيار أمامهم سوى إشراك المهربين لمساعدتهم على عبور الحدود.

وأشارت اليونيسيف إلى أن الذين تتم رحلاتهم عبر البحر الأبيض المتوسط يكونون أكثر عرضة لخطر الاتجار والاستغلال، ومن المرجح أن أغلب الشباب يتعرضون للاستغلال، لأنهم غالبا ما يسافرون بمفردهم ويقضون وقتا أطول في العبور ويكون وصولهم إلى أنظمة الحماية أقل.

وبينما لا تزال سفن ومراكب نقل اللاجئين والمهاجرين السوريين تنطلق من سواحل عدة دول شرق أوسطية إلى أوروبا، سجلت مدينة طرطوس على الساحل السوري في الآونة الأخيرة نشاطا متزايدا في عمليات تهريب السوريين لخارج البلاد.

ويشهد الاتحاد الأوروبي ارتفاعا في حالات الوصول غير النظامية إلى أراضيه، فضلا عن ازدياد عدد طلبات اللجوء. ورصدت وكالة فرونتكس في عام 2023 أكثر من 355 ألف محاولة عبور لحدوده، في حين تخطت طلبات اللجوء مليون طلب، وفق وكالة اللجوء التابعة للاتحاد.

ويقول الخبير الحقوقي فايز الزعبي -في حديث للجزيرة نت- إن خيار الهجرة لن ينتهي، وطالما استمرت الأوضاع في سوريا على هذا النحو من الرعب والهشاشة الاقتصادية فسيستمر تدفق المهاجرين وسيبقون عرضة لانتهاك حقوقهم على يد تجار ومهربي البشر ولمخاطر متعددة كسوء معاملة حرس الحدود على الشواطئ التي يصلون إليها.

مدينة طرطوس سجلت في الآونة الأخيرة نشاطا متزايدا في عمليات تهريب السوريين لخارج البلاد (الفنرسية)

أوضاع صعبة وخيارات محدودة

وتظهر بيانات مسح أجرته المنظمة الدولية للهجرة لأكثر من 16 ألف مهاجر في 7 بلدان أوروبية أن 73% من الذين تمت مقابلتهم قدموا مؤشرا واحدا على الأقل يدل على استغلالهم، في حين قال 37% إن لديهم تجربة شخصية تشير إلى وجود اتجار بالبشر أو ممارسة استغلالية تعرضوا لها أثناء رحلتهم عبر طريق البحر الأبيض المتوسط.

ومع ذلك، وفقا للمنظمة، لا يزال عدد كبير من المهاجرين يخاطرون بحياتهم عند عبورهم البحر في طريقهم إلى أوروبا، وغالبا ما يتحملون رحلات طويلة محفوفة بالمخاطر تقدم وقائعها أدلة متزايدة حول حجم ونطاق الاستغلال الذي يتعرضون له.

ويرى الزعبي أن معظم دوافع هجرة السوريين حاليا "تتجاوز مسألة بطش آلة النظام الأمنية والعسكرية" ويعود أغلبها لأسباب اقتصادية ومعيشية، فمعظم المهاجرين في الوقت الراهن من المناطق التي يسيطر عليها الأسد ضربهم الفقر وأصاب مجتمعات النازحين في الداخل واستنزف مصادرهم المالية، ولم يبق أمام الجميع سوى خيارات صعبة وبعضها مأساوي.

من الهرب على ظهر الدواب إلى شبكات عابرة للحدود

يرجع متابعون بدء أنشطة تجارة وتهريب السوريين إلى خارج الحدود، إلى فترة حكم الرئيس حافظ الأسد (1970-2000)، وهي الفترة التي اتفق محللون على أن "البلاد تحولت إلى دولة بوليسية وعانت فيها من حكم فردي اختفت فيه مظاهر الحياة السياسية والبرلمانية والتشاركية".

وفي حديثها للجزيرة نت، تحكي زوجة معارض سوري لجأ في عام 1980 إلى لبنان وتوفي قبل سنوات، أن زوجها استعان بأدلاء من البدو نقلوه إلى بلدة متاخمة للحدود السورية اللبنانية على ظهر دابة حملته عدة كيلومترات تحت جنح الظلام، ولم يتقاض غير مبلغ زهيد قياسا على أجور اليوم.

وتابعت كانت الرحلة شاقة لعدم توفر آليات نقل حديثة آنذاك، كالسيارات والدراجات النارية التي تساعد حاليا في تهريب اللاجئين عبر المنافذ ذاتها.

وهرب بالطريقة نفسها -على خلفية مطاردة أجهزة المخابرات لهم- مئات السوريين من مدن حمص وحماة ودمشق في مطلع الثمانينيات إلى لبنان والأردن والعراق.

وشهد العقدان الأخيران تطورا تدريجيا في عمل "المهرب الدليل"، كما تطورت طريقة الرحلة وأدواتها، بعد أن انضم ألوف من المتظاهرين ضد حكم الرئيس بشار الأسد في منتصف عام 2011 إلى قائمة المطلوبين على لوائح أجهزة المخابرات، وخضع تهريب السوريين لشبكات تهريب عابرة للحدود منظمة ومعقدة تضم مئات المهربين.

المهاجرون عبر البحر الأبيض المتوسط أكثر عرضة لخطر الاتجار والاستغلال (أسوشيتد برس)

وتقول الشرطة الإسبانية إنها وبالتعاون مع يوروبول والشرطة الفدرالية الألمانية فككت العام الماضي البنية اللوجستية لواحدة من تلك الشبكات كانت متخصصة بتهريب السوريين مقابل 20 ألف يورو تقريبا للشخص الواحد.

ويفيد بيان الشرطة بأن التحقيقات مع العناصر المقبوض عليهم دلت على تعاون الشبكة مع منظمات في دول أخرى، وكانت تتلقى أموالا من خلال "حوالات" مكنتها من جني نحو 2.5 مليون يورو.

وتوصلت التحقيقات إلى أن طريق الرحلة يبدأ من لبنان، حيث يسافر السوريون من مطار بيروت إلى مطار القاهرة مقابل 4 آلاف يورو، ثم يعبرون برا إلى ليبيا وتونس والجزائر، مقابل 3500 يورو، وينقلون لاحقا في قوارب إلى الساحل الإسباني مقابل 10 ....

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي

إقرأ أيضا