في حدث غير مسبوق منذ نحو خمسة قرون، شارك الملك تشارلز الثالث والبابا لاون في صلاة مشتركة داخل كنيسة سيستينا في الفاتيكان، في لحظة وُصفت بأنها تاريخية وتجسّد تقارباً لافتاً بين الكنيستين الإنجليزية والكاثوليكية بعد قرون من الانقسام.
بدأت المراسم بتلاوة الصلاة باللغة الإنجليزية داخل أروقة الكنيسة البابوية الكبرى، في مشهد رمزي يذكّر بتاريخ طويل من الخلاف الديني الذي يعود إلى القرن السادس عشر، حين قرّر الملك هنري الثامن فصل كنيسة إنجلترا عن الكنيسة الكاثوليكية، ليصبح اسمه لاحقاً رمزاً لأحد أكثر التحولات الدينية والسياسية إثارة في تاريخ أوروبا.
قصة انشقاق الكنيسة الأنغليكانية عن روما هي في الواقع قصة هنري الثامن، فمن كان هذا الملك؟ وما العوامل التي أدت إلى ذلك الانقسام؟
ولد الملك هنري الثامن في 28 يونيو/ حزيران عام 1491 في غرينتش قرب لندن، وتوفي في 28 يناير/ كانون الثاني عام 1547 في العاصمة البريطانية، بحسب دائرة المعارف البريطانية.
حكم إنجلترا بين عامي 1509 و1547، وكان من أبرز ملوك أسرة تيودور، إذ أشرف على بدايات عصر النهضة الإنجليزية وحركة الإصلاح الديني التي غيّرت وجه أوروبا.
تزوّج ست مرات، وكانت زوجاته على التوالي كاثرين الآراغونية (والدة الملكة المستقبلية ماري الأولى)، وآن بولين (والدة الملكة المستقبلية إليزابيث الأولى)، وجين سيمور (والدة وريثه الملك إدوارد السادس)، وآن كليفز، وكاثرين هوارد، وكاثرين بار.
وكان هنري الابن الثاني للملك هنري السابع، أول ملوك أسرة تيودور، ولإليزابيث ابنة الملك إدوارد الرابع، أول ملوك أسرة يورك القصيرة العمر، وعندما توفي شقيقه الأكبر آرثر عام 1502، أصبح هنري الوريث للعرش.
ومن بين جميع ملوك تيودور، كان الوحيد الذي أمضى طفولته في هدوء وهو ينتظر التتويج، وهو ما أكسبه ثقة ملكية امتزجت بطبيعته المندفعة المفعمة بالحيوية، وتميّز في التحصيل العلمي كما تفوّق في التمارين البدنية التي كانت تميز مجتمع النبلاء.
عندما اعتلى هنري الثامن العرش عام 1509، كانت التوقعات كبيرة بشأن ما سيحققه. كان شاباً في الثامنة عشرة من عمره، يبلغ طوله نحو 183 سنتيمتراً، قوي البنية، لا يملّ من الرياضة والصيد والرقص. بدت شخصيته النشطة وعداً بـ"ربيع جديد" بعد "الشتاء الطويل" الذي ميّز عهد والده هنري السابع.
استغل هنري ووزراؤه النقمة التي خلّفها والده بسبب حرصه المفرط على توسيع سلطة التاج الملكي، فتخلّصوا من بعض المؤسسات غير المحبوبة ومن رجال الدولة الذين خدموا في العهد السابق. ومع ذلك، فإن أساليب الحكم التي كانت مكروهة عادت سريعاً إلى الظهور لأنها كانت ضرورية لضبط الحكم وتأمين موارده.
بعد فترة وجيزة من اعتلائه العرش، تزوج هنري من كاثرين الآراغونية، أرملة شقيقه آرثر، في زواج دعم التحالف بين إنجلترا وإسبانيا وأكسبه رضا البابا يوليوس الثاني الذي منحه الإذن الخاص بهذا الزواج غير المعتاد. لكن مظاهر الاحتفال الفخمة استهلكت القسم الأكبر من الموارد الملكية المحدودة.
الأخطر من ذلك كان تصميم هنري على خوض مغامرات عسكرية في أوروبا التي كانت آنذاك مشتعلة بالصراعات بين الممالك الفرنسية والإسبانية. وضد نصيحة مستشاريه الكبار، انضم عام 1512 إلى حميه فرديناند الثاني ملك آراغون في حرب ضد فرنسا، متذرعاً بالدفاع عن البابا الذي كان يكنّ له احتراماً عميقاً وشبه مطلق.
في تلك الفترة برز الكاردينال توماس وولسي، رجل الدولة الطموح الذي تولى تنظيم أول حملة عسكرية لهنري في فرنسا. وبحلول عام 1515، أصبح وولسي رئيس أساقفة يورك، والمستشار الأول لإنجلترا، وكاردينالاً في الكنيسة الكاثوليكية، والأهم من ذلك أنه صار الصديق الأقرب للملك والمسؤول الفعلي عن إدارة شؤون الدولة.
ورغم أن هنري لم يتخل تماماً عن سلطاته، فقد منح وولسي مساحة واسعة من الحرية في اتخاذ القرارات، محتفظاً لنفسه بحق التدخل متى شاء.
وبينما كان العالم يرى في وولسي الحاكم الحقيقي لإنجلترا، كان هنري يدرك جيداً أن السلطة النهائية لا تزال بيده. سعى وولسي لاحقاً إلى منصب البابا، مدعوماً من هنري الذي رأى في وصوله إلى روما فرصة لتعزيز نفوذ إنجلترا في أوروبا، غير أن طموحه اصطدم بالواقع السياسي ولم يتحقق.
أثارت سياسات الكاردينال توماس وولسي موجة من السخط الشعبي، إذ إن محاولاته لإصلاح المظالم لم ترض الفقراء وأغضبت النبلاء، وبلغ التوتر ذروته بين عامي 1523 و1524. ورغم كراهيته لعقد البرلمان، اضطر وولسي إلى استدعائه عام 1523، غير أن الضرائب التي أقرها كانت أقل بكثير مما احتاجه الملك لتمويل مشاريعه.
وفي العام التالي، أدت محاولة فرض ضريبة استثنائية إلى مقاومة شديدة أجبرت هنري على التراجع عنها. وقد نجح الملك في التنصل من الفشل ما دام الكاردينال هو من يتحمل اللوم، لتبدأ مكانة وولسي بالتراجع تدريجياً. وبحلول عام 1527، أصبحت سياسة الدولة التي كانت تنسب إلى وولسي، بينما كانت في حقيقتها إرادة هنري، عاجزة عن تحقيق أي نجاح ملموس في الداخل أو الخارج.
تبددت الآمال المثالية التي أحاطت ببدايات حكم هنري سريعاً أمام تعقيدات الواقع، ومع ذلك ظلّ الأدباء والمفكرون يرون فيه ملكاً منفتحاً على الفكر والعلم. ففي عام 1517، استعان بالمفكر الإنساني توماس مور مستشاراً جديداً، أحد أبرز العقول في عصره، لكن مور أدرك لاحقاً أن هنري يفصل بين حبه للنقاش الفكري وطريقته العملية الصارمة في إدارة الحكم.
ورغم التوترات السياسية، حافظ هنري على صورته كملك مثقف مدافع عن الكنيسة الكاثوليكية، حتى أنه كتب عام 1521 مؤلفاً يردّ فيه على أفكار المصلح الألماني مارتن لوثر، فنال من البابا لقب "المدافع عن الإيمان".
ما إن دخل هنري الثامن عقده الرابع حتى انقلبت موازين حياته الشخصية والسياسية. فبعد أكثر من عشرين عاماً من الزواج، واجه أزمة حادة مع زوجته كاثرين الآراغونية بسبب عدم إنجاب وريث ذكر للعرش. فقد انتهت معظم محاولاتها للإنجاب بالإجهاض أو وفاة المواليد، ولم يبق لهما سوى ابنة واحدة، الأميرة ماري، التي ولدت عام 1516.
ولم تكن فكرة أن تتولى امرأة العرش تلقى قبولاً في ذلك العصر، خشية ما قد تسببه من اضطرابات سياسية وصراعات على السلطة.
كالعادة، لم ير هنري الخلل في نفسه، بل حمّل المسؤولية لزوجته. وفي خضم هذا التوتر، ازدادت مشاعره تجاه آن بولين، وصيفة من حاشية الملكة وشقيقة لإحدى عشيقاته السابقات.
كان هنري رجلاً ميالاً للتقوى، لكنه وجد في آن متنفساً عاطفياً من زواج فاتر. أما آن نفسها، فكانت أكثر من مجرد امرأة فاتنة؛ كانت شابة ذكية وطموحة تعرف دهاليز البلاط، وأصرت على أن تكون زوجة شرعية لا عشيقة في الظل.
استغرق هنري الثامن نحو ست سنوات لتحقيق هدفه بالزواج من آن، وفي سعيه لذلك أشعل ثورة دينية غير مقصودة غيّرت مسار التاريخ. فمنذ عام 1527، بدأ ما عرف لاحقاً بـ"القضية الكبرى للملك"، أي محاولته الحصول على الطلاق من كاثرين.
أقنع نفسه بأن زواجه الأول باطل شرعاً، مستنداً إلى نص من سفر اللاويين في الكتاب المقدس الذي يحرّم الزواج من أرملة الأخ.
واعتبر أن وفاة أبنائه الذكور علامة على غضب إلهي، فحوّل قناعته الشخصية إلى قضية دينية، مقتنعاً بأنه يعيش في خطيئة لا يمكن التكفير عنها إلا بإنهاء الزواج.
توجّه هنري إلى روما طالباً من البابا كليمنت السابع إبطال زواجه، وكان من المعتاد أن يستجيب البابا لطلبات الملوك في مثل هذه القضايا، إلا أن هنري اختار توقيتاً بالغ السوء.
فقد كانت كاثرين عمة الإمبراطور شارل الخامس، حاكم الإمبراطورية الرومانية المقدسة، وكان البابا حينها أسيراً للإمبراطور بين عامي 1527 و1528، ما جعله عاجزاً عن اتخاذ قرار يغضب حليفه الأقوى في أوروبا.
كما أن كليمنت السابع لم يرغب في إعلان بطلان الترخيص البابوي الذي سمح أصلاً بزواج هنري من كاثرين، وهو ترخيص جلب لعاصمة الكنيسة عوائد مالية معتبرة.
أمام هذا المأزق، اختار البابا الحفاظ على هيبة الكرسي البابوي بدلاً من إرضاء ملك إنجلترا. ومن هنا بدأت الأزمة التي ستنتهي بانفصال إنجلترا عن الفاتيكان وولادة كنيسة إنجلترا المستقلة.
انتهت محاولات هنري الثامن لحل أزمته عبر القنوات القانونية إلى طريق مسدود منذ بدايتها، لتضع الكاردينال توماس وولسي في موقف حرج. فقد كان نجاحه في هذه القضية المستحيلة شرطاً لبقائه في السلطة، فسعى إلى إيجاد مخرج داخل إنجلترا نفسها، واستصدر إذناً لمحاكمة القضية هناك.
لكن القاضي الموفد من روما، الكاردينال لورنزو كامبيجيو، أوقف الإجراءات بأمر بابوي عام 1529، ما أحبط آمال هنري وأظهر عجز وولسي.
وبعد أسابيع قليلة، جرّد وولسي من مناصبه ونفي من البلاط، منهياً بذلك مسيرته السياسية الطويلة. غير أن سقوطه لم يقدّم حلاً للأزمة، إذ ظل هنري محاطاً بمستشارين لا يملكون القدرة على تلبية رغبته، في وقت كان يعرف فيه تماماً ما يريد، من دون أن يعرف بعد كيف يحققه.
تولى توماس مور منصب المستشارية خلفاً لوولسي، رغم معارضته العلنية لفكرة طلاق الملك، مفضلاً تركيز جهوده على محاربة ما كان يراه بدعاً لوثرية. وساد الارتباك في سياسة إنجلترا نحو ثلاث سنوات، ظل خلالها هنري الثامن متأرجحاً بين أمل في أن تسمح له روما بالنظر في قضيته داخل البلاد، وميول متزايدة نحو القطيعة مع الكرسي البابوي. ومع أنه تحدث في أوقات مختلفة عن الانفصال، فإنه لم يكن هو ولا مستشاروه يدركون كيف يمكن تحويل هذا الحديث إلى سياسة واقعية.
لكن "القضية الكبرى للملك" تطلّبت ثورة حقيقية، وكان الرجل الذي صاغ ملامحها ونفذها هو توماس كرومويل، الذي تولى في أبريل/ نيسان 1532 السيطرة على مجلس الملك، وظل مهيمناً عليه لنحو ثماني سنوات. في عهده، اتخذ القرار المصيري بفصل الكنيسة الإنجليزية عن روما، لتصبح مؤسسة دينية وطنية تخضع مباشرة لسلطة الملك بوصفه نائب الرب على الأرض.
وفي يناير/ كانون الثاني 1533، تزوج هنري من آن بولين، ثم أشرف رئيس الأساقفة الجديد توماس كرانمر في مايو/ أيار على محكمة قضت ببطلان زواجه الأول من كاثرين. وفي سبتمبر/ أيلول من العام نفسه، وُلدت الأميرة إليزابيث. وردّ البابا كليمنت السابع بحرمان الملك كنسياً، لكن ذلك لم يلقِ أي صدى في إنجلترا التي كانت قد حسمت أمرها. وبعد عام واحد، صادق هنري على "قانون السيادة" عام 1534، الذي نص على أن ملك إنجلترا هو "الرئيس الأعلى للكنيسة الإنجليزية"، معلناً بذلك تأسيس كنيسة إنجلترا المستقلة عن الفاتيكان.
لم يكن الانفصال مجرد خطوة دينية، بل ثورة سياسية قلبت توازن القوى في البلاد. فقد صادر هنري ممتلكات الأديرة الكاثوليكية وضَمّ ثرواتها إلى التاج، ليصبح واحداً من أثرى ملوك أوروبا، كما نصّب نفسه المرجع الأعلى في تفسير العقيدة، مطلقاً بذلك سلسلة من الإصلاحات الدينية والإدارية التي مهدت لاحقاً لظهور البروتستانتية في إنجلترا.
لكن المفارقة أن الملك نفسه كان قد ألّف في عام 1521 كتاباً ضد أفكار المصلح الألماني مارتن لوثر، ونال بسببه من البابا لقب "المدافع عن الإيمان". أما الآن، فكان موقفه الجديد يعادل تأييداً ضمنياً للإصلاح البروتستانتي، وهو ما رحّب به كرانمر وكرومويل وربما آن بولين، لكنه ظل مرفوضاً عند هنري الذي ظلّ يكن عداءً فكرياً عميقاً للوثر.
ومع استبعاده السلطة البابوية، لم يتخل هنري عن جوهر العقيدة الكاثوليكية التي نشأ عليها، بل أعاد صياغتها وفق رؤيته الخاصة. فاحتفظ بمفهوم "تحوّل الخبز والنبيذ إلى جسد ودم المسيح" وبفكرة العزوبة الكهنوتية، لكنه تبنّى في المقابل مواقف أكثر تحرراً من سلطة الكنيسة في الشؤون الدنيوية، ورأى أن الإنسان يستطيع طلب الخلاص دون وساطة الكهنة. وبقي حتى وفاته يفاخر بثقافته اللاهوتية، منشغلاً بالتأمل في طبيعة الدين الحق، بحسب ما تذكر دائرة المعارف البريطانية.
خلال عقد الثلاثينيات من القرن السادس عشر، اتسعت سلطة هنري الثامن إلى حد غير مسبوق بفضل إصلاحات توماس كرومويل، ولا سيما بعد مصادرة ممتلكات الأديرة الكاثوليكية وتحويل ثرواتها إلى خزينة التاج بين عامي 1536 و1540. لكن توسع النفوذ ترافق مع موجة من القمع طالت حتى المقربين من الملك، فتم إعدام المستشار السابق توماس مور، إلى جانب نحو خمسين شخصاً آخرين أُدينوا بتهم الخيانة بين عامي 1535 و1541. ومع سقوط الرؤوس، تلاشت صورة هنري كملك مثقف ومدافع عن المعرفة، لتحلّ محلها سمعته كحاكم دموي لا يرحم.
تزامن ذلك مع سلسلة من الزيجات المثيرة التي عمّقت الجدل حول شخصيته. فزواجه من آن بولين لم يجلب له لا السعادة ولا الوريث الذكر الذي انتظره طويلاً، إذ أنجبت له ابنة واحدة هي إليزابيث، التي ستصبح لاحقاً الملكة إليزابيث الأولى. وبعد ثلاث سنوات من الزواج، اتهمها بالخيانة والزنا، وأمر بإعدامها عام 1536، في مشهد هزّ البلاط الملكي وأكد قسوته.
بعد أشهر فقط من إعدام آن بولين، تزوج هنري من جين سيمور، التي أنجبت له أخيراً ابنه المنتظر، الأمير إدوارد، لكنها توفيت بعد أيام من الولادة بسبب الحمى. كانت وفاتها ضربة قاسية له، فوصفها بأنها "الزوجة الوحيدة التي أحبها حقاً".
لاحقاً، سعى هنري إلى تحالف سياسي عبر زواجه من آن كليفز، شقيقة دوق كليفز، في خطوة دبّرها توماس كرومويل لبناء جبهة شمال أوروبية في مواجهة فرنسا والإمبراطورية الرومانية المقدسة. لكن الملك كره زوجته الجديدة منذ اللقاء الأول، وطلب الطلاق فوراً، وهو ما تحقق بسرعة. أودى فشل هذا الزواج بكرومويل نفسه، إذ استغل خصومه الموقف لتحريض الملك عليه، فأُعدم في يوليو/ تموز 1540.
مع مرور الوقت، تحول هنري إلى حاكم خطير سريع الغضب، تهيمن عليه الشكوك وجنون العظمة. وبالرغم من أنه كان يعتقد أنه يمسك بكل خيوط السلطة، فقد كان في الواقع عرضة للتلاعب من المحيطين به الذين استغلوا اضطرابه النفسي وغروره.
تدهورت حالته الصحية بسبب السمنة المفرطة، فأصبح بطيئاً في الحركة، متقلب المزاج، سريع الانفعال، يميل إلى الحزن والكآبة. وبين عامي 1540 و1542، تزوج من كاثرين هوارد، ابنة العشرين عاماً، لكن استمرارها في علاقات غير مشروعة حتى بعد أن أصبحت ملكة أدى إلى إعدامها بالمقصلة. كانت تلك الحادثة ضربة نفسية قاضية لهنري، الذي دخل بعدها مرحلة الشيخوخة المليئة بالوحدة والمرارة.
وفي سنواته الأخيرة، تزوج من كاثرين بار، امرأة هادئة ومتعقلة استطاعت بحكمتها أن تضمن سلامتها وترافقه حتى وفاته، شاهدة على انحدار صحته الجسدية وتدهور حالته النفسية، فيما كان عهد هنري يقترب من نهايته بعد أن غيّر وجه إنجلترا سياسياً ودينياً إلى الأبد.
توفي الملك هنري الثامن في 28 يناير/ كانون الثاني عام 1547 في قصر وايتهول عن عمر ناهز السادسة والخمسين، ودفن إلى جوار زوجته جين سيمور، التي أنجبت له وريثه الوحيد.
خلفه ابنه إدوارد السادس، الذي واصل نهج الإصلاح الديني، ثم أعادت ابنته ماري الكاثوليكية بعض نفوذ روما، قبل أن تأتي إليزابيث الأولى لتكرّس الاستقلال الديني والسياسي لإنجلترا نهائياً.
يبقى إرث هنري الثامن مرتبطاً بالتحول التاريخي الذي قاد إلى انقسام الكنيسة وولادة كنيسة إنجلترا المستقلة. فقد أنهى تبعية البلاد للفاتيكان، وجعل الملك رأساً للسلطتين الزمنية والروحية، فاتحاً الباب أمام الإصلاح الديني البروتستانتي وترسيخ الهوية الدينية الجديدة لإنجلترا.
وبعد ما يقرب من خمسة قرون على ذلك الانقسام، صلى الملك تشارلز الثالث والبابا لاوُن الرابع عشر معاً في الفاتيكان، في لحظة رمزية أعادت الدفء بين الكنيستين اللتين فرقتهما قرارات هنري الثامن قبل خمسمئة عام.
المصدر:
بي بي سي
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة