في خضم اضطرابات الثورة الفرنسية، عاشت أوروبا عام 1792 على وقع اندلاع حرب التحالف الأول، بعدما أعلن الملك الفرنسي لويس السادس عشر الحرب على النمسا خلال مرحلة الإصلاحات الدستورية. ومع إعدام الملك وإعلان الجمهورية، توسعت رقعة الصراع لتشمل معظم القارة، إذ توحّدت القوى الملكية الأوروبية ضد فرنسا الثورية.
فخلال العقدين التاليين وحتى عام 1815، شهدت أوروبا سبع حروب تحالف متعاقبة، بدأت لمواجهة انتشار أفكار الثورة، ثم تحولت إلى صراع مباشر مع الأطماع التوسعية لنابليون بونابرت، الذي فرض معاهدات مهينة على خصومه، وأعاد رسم خريطة القارة وفق طموحاته الإمبراطورية، حيث برز بونابرت كواحد من أهم القادة العسكريين والمخططين بالتاريخ العسكري قبل أن يهزم بالنهاية.
وبعد انتصاراته المدوية، فرض نابليون على النمسا معاهدة سلام قاسية عقب حرب التحالف الثالث، جردتها من أراضٍ واسعة في إيطاليا وأفقدتها نفوذها في وسط أوروبا.
لكن رغم توقيع الاتفاق، ظلّ الكره للنابليونية عميقاً في فيينا، حتى جاءت فرصة الانتقام عام 1808 حين واجهت فرنسا تمرداً واسعاً في إسبانيا، ما اضطر الإمبراطور الفرنسي إلى سحب جزء كبير من قواته من الجبهة الشرقية.
فيما رأت النمسا في ذلك فرصة سانحة لاستعادة مكانتها، فأعلنت الحرب مجدداً على فرنسا، لتبدأ حرب التحالف الخامس عام 1809.
وفي صيف العام نفسه، دارت معركة فاغرام الحاسمة بين الجيشين الفرنسي والنمساوي قرب فيينا، انتهت بانتصار كاسح لنابليون. وخسر النمساويون عشرات الآلاف من الجنود بين قتيل وأسير، فيما انهارت قدرتهم على المقاومة، ما أجبر الإمبراطور فرانسيس الثاني على طلب السلام. وبهذا الانتصار، أكّد نابليون هيمنته على أوروبا القارية وفرض شروطه بلا تردد.
ثم جرت في قصر شونبرون بالعاصمة فيينا، المفاوضات التي انتهت بتوقيع معاهدة شونبرون في 14 أكتوبر 1809. واعترفت النمسا خلالها بسيطرة فرنسا على الأراضي التي احتلتها، وبملكية جوزيف بونابرت - شقيق نابليون- لعرش إسبانيا، كما انضمت إلى الحصار القاري ضد بريطانيا.
كذلك سلّمت مناطق التيرول وسالزبورغ إلى بافاريا، وغاليسيا الغربية إلى دوقية وارسو، وأراضي دالماسيا وتريستي إلى فرنسا.
أما الثمن المالي فبلغ 85 مليون فرنك، إضافة إلى تقليص حجم الجيش النمساوي إلى 150 ألف جندي فقط، لضمان عجزه عن خوض حرب جديدة.
وخلال وجوده في فيينا، نجا نابليون من محاولة اغتيال فاشلة نفذها شاب ألماني في السابعة عشرة من عمره، ما زاد من حدة توتر العلاقات بين الجانبين.
وضمن مساعيه لتثبيت نفوذه في أوروبا الوسطى، لجأ نابليون إلى وسيلة غير عسكرية وهي "الزواج السياسي". فقد عرض على الإمبراطور النمساوي تزويجه ابنته الأرشيدوقة ماري لويز، ذات الثمانية عشر عاماً، مقابل الحفاظ على السلام بين البلدين.
لكن رغم امتعاض البلاط النمساوي من الفكرة، اضطر الإمبراطور فرانسيس الثاني للقبول، مكرهاً، بزواج ابنته من الرجل الذي أذلّ بلاده في الميدان والدبلوماسية معاً.
في المقابل، رأى نابليون في هذا الزواج وسيلة لربط عرشه بالنسب الملكي الأوروبي، ولضمان وريث شرعي بعدما فشل زواجه الأول من جوزيفين دي بوهارنيه في إنجاب الأطفال.
المصدر:
العربيّة