دبي، الإمارات العربية المتحدة ( CNN ) -- نعت عائلة "الرحباني" الفنّان زياد، ابن الفنّانة نهاد وديع حدّاد الشهيرة - فيروز، الذي فارق الحياة، صباح السبت، عن عمرٍ يناهز 69 عامًا. وأعلنت موعد الصلاة "لراحة نفسه" في كنيسة "رقاد السيدة" في المحيدثة، بكفيا في لبنان، في الرابعة بعد ظهر الإثنين المقبل.
وأتى خبر رحيل الفنّان اللبناني زياد الرحباني، صادمًا وثقيل الوقع، على محبيّه في لبنان، وسوريا، والعالم العربي، ونعاه العديد من الفنّانين اللبنانيين بوصفه "عبقريًا"، و"ثائرًا"، وصاحب "رأي حر" و"بصمة فريدة" في مسيرته الفنّية.
ولد الفنّان الراحل مطلع يناير/ كانون الثاني من عام 1956 ، في بلدة أنطلياس بمنطقة المتن في لبنان، لأبوين من رموز الفن اللبناني والعربي؛ الموسيقار الراحل عاصي الرحباني، والفنّانة اللبنانية فيروز، ولعائلة من أشهر العائلات الموسيقية اللبنانية والعربية، عائلة "الرحباني".
وكان يمكن أن يبقى زياد تحت ظل عائلته، التي تأثر بها فنّيًا بطبيعة الحال، لكنّه نهل منها وأخد نهجًا مختلفًا منذ بداياته المبكّرة، ليشكّل رافدًا أساسيًا للفن اللبناني والعربي، مزج بفرادة بين الموسيقى التراثية الأصيلة، والغربية ولاسيما الجاز.
وأنتج الراحل فنّا طبُع ببصمته الخاصة، فن زياد الرحباني المؤلف الموسيقي الرائد، والصوت المسرحي الناقد، وبالغ الجرأة والحساسية، والذي لجأ للسخرية، لتقديم صورة شديدة الواقعية في مرارتها، لوطنه لبنان الذي عانى من حربٍ أهليةٍ مريرة بين عامي 1975 و 1990 ، ووسط عالم شديد التناقض.
في أواخر ستينيات القرن الماضي، وبينما لم يتجاوز الـ 12 من عمره، أصدر زياد ديوانه الشعري- النثري "صديقي الله"، برعاية والده الراحل عاصي الرحباني.
وبعمر الـ 17 ، لحن أول أغنية لوالدته فيروز، وإحدى أغانيها الأيقونية؛ "سألوني الناس"، بالتعاون مع "الأخوين رحباني"، واعتبرت تحيّة لوالده المريض آنذاك، وكان ذلك في مسرحية "المحطة" عام 1973 ، التي أدى فيها دور الشرطي أيضًا .
وفي العام ذاته قدّم زياد مسرحيته الأولى "سهرية"، ثم تتالت أعماله المسرحية: "نزل السرور" 1974 ، "بالنسبة لبكرا شو" 1978 ، "فيلم أمريكي طويل" 1980 ، "شي فاشل" 1983 ، "بخصوص الكرامة والشعب العنيد" 1993 ، و"لولا فسحة الأمل" 1994 ، ورصدت تلك المسرحيات ملامح من الحرب اللبنانية، وآثارها على الشعب اللبناني، وحققت شعبية واسعة في جيل الشباب آنذاك، وكانت مصدر إلهام لأجيال عديدة لاحقة.
وأذيعت مسرحيات الراحل زياد الرحباني على نطاق واسع في الإذاعات اللبنانية، والسورية لاحقًا، إلى جانب برامجه الإذاعية والتي كانت عبارة عن استكشات لاذعة، تنتقد الوضع السياسي والاجتماعي في لبنان، ويمكن إسقاطها على المنطقة كلّها، مثل "بعدنا طيبين.. قول الله"، و"العقل زينة"، و"نص الألف خمسمية".
كما ألف زياد الموسيقى التصويرية لعددٍ من الأفلام اللبنانية والعربية، مثل الفيلم السوري "وقائع العام المُقبل" لسمير ذكرى 1985 ، و"طيّارة من ورق" لرندا الشهّال 2003 .
شكل ثنائيًا مميزًا مع المغني اللبناني الراحل جوزيف صقر، وقدّما أغانٍ لا تمحى من الذاكرة، مثل: "حالة تعبانة يا ليلى"، و"أنا للي عليكي مشتاق"، و"عايشة وحدها بلاك"، و"مربى الدلال" من ألبوم "بما إنّو" الذي أصدره عام 1996 ، وقال في مقابلات إعلامية إنّ هذه الأغنية كتبها لزوجته السابقة دلال.
وكتب للفنّانة كارمن لبّس التي ارتبط بها لفترة طويلة، حسبما صرّحت في إطلالات إعلامية سابقة، إحدى أشهر أغاني الحب "بلا ولا شي.. بحبّك".
وأصدر زياد العديد من الألبومات الغنائية والموسيقية شهيرة، مثل "أبو علي"، و"أنا مش كافر"، و"هدوء نسبي"، وتعاون مع المغنية اللبنانية سلمى مصفي في ألبوم " Monodose "، الذي تضمن أغنيتهما الشهيرة "شو؟ أو " Un Verre Chez Nous " بالفرنسية، وكذلك أغنية "ولّعت كتير".
وتعاون مع العديد من المغنين اللبنانيين والعرب، وقدمّهم بطريقة، جريئة، مختلفة، وطريفة، وهذا ينطبق إلى حد كبير على تعاونه مع المغنية ونجمة الاستعراضات اللبنانية في التسعينيات المعروفة بـ"الليدي مادونا" في أغنية "كيفك"، وكذلك أيضًا مع الفنّانة لطيفة التونسية في ألبومها "معلومات أكيدة" في 2006 .
لكنّ التعاون الأبرز، وربمّا الذي سيبقى الأكثر رسوخًا في الذاكرة، تعاونه مع والدته فيروز، في الكثير من الأغنيات والألبومات، التي شكلت علامة فارقة في مسيرتها اختلفت كليًا عن تعاونها مع "الأخوين رحباني"، ومن ينسى أغانٍ مثل : "عِ هدير البوسطة"، و"كيفك إنت"، و"صباح ومسا"، "ومعرفتي فيك"، وصولاً إلى أغاني ألبومها "في أمل" عام 2011 .
وربمّا أكثر ما يمكن أن نتذكره وسط الحزن العميق على رحيل "العبقري" زياد الرحباني، أغنية "الوداع" التي لحنّها لفيروز، وبصوتها الملائكي: "أنا صار لازم ودّعكم.. وخبركم عنّي".