في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
عادة ما يتركز الحديث حول سد النهضة وتداعياته على دوره في حجز المياه عن دول المصب، لكن دراسة حديثة لفريق بحثي من معهد دلفت للتعليم المائي الدولي بهولندا ركزت على جانب آخر لا يقل أهمية، وهو احتجاز الطمي.
والدراسة التي نشرت في دورية "جورنال أوف هايدرولوجي: ريجنل ستاديز"، هي في الأصل ثمرة رسالة ماجستير للباحثة بالمعهد غفران أحمد، وتمثلت أهدافها -كما يقول أمجد عمر الباحث المشارك بها للجزيرة نت- في تقدير كفاءة سد النهضة في حجز الطمي على المدى الطويل، وحساب الفاقد السنوي من سعته التخزينية، وتقييم كيف سيؤثر السد على معدلات الترسيب في سد الروصيرص السوداني، وفق قواعد تشغيل واقعية لكلا السدين.
وحملت النتائج التي توصل إليها الباحثون رسائل إيجابية للسودان في جانب، وأثارت بعض القلق في جانب آخر، بينما قد تثير اهتماما وقلقا أكبر لدى الجانب الإثيوبي.
ووفق الدراسة، فإن سد النهضة سيحتجز حوالي 95% من طمي النيل الأزرق، مما يعني أن السد نفسه سيخسر سنويا نحو 189 مليون متر مكعب من سعته التخزينية نتيجة تراكم الرواسب.
وفي المقابل، سيقلل السد بشكل كبير من كمية الرواسب التي تصل إلى السدود السودانية، لا سيما سد الروصيرص، الذي كان يفقد 0.26% من سعته سنويا قبل تشغيل سد النهضة، ومن المتوقع أن تنخفض هذه الخسارة إلى 0.01% فقط بعد التشغيل الكامل للسد.
ويقول أليساندرو كاتابان، المتخصص في هندسة الأنهار بقسم موارد المياه والنظم البيئية بمعهد دلفت، والباحث المشارك بالدراسة للجزيرة نت، "على مدار أكثر من 4 عقود، كانت محطات القياس (الديم، وفامكا، وود العلايس) على النيل الأزرق داخل الأراضي السودانية، بالقرب من الحدود مع إثيوبيا، تراقب تدفق المياه وترسبات الطمي، لكنها لم تكشف عن كمية الطمي التي قد تتغير مع ظهور سد النهضة".
ولسد هذه الفجوة، لجأ الباحثون إلى منهج علمي يجمع بين البيانات التاريخية والنماذج الذكية، حيث بدؤوا بجمع المعلومات من محطات القياس في أثناء مواسم الفيضان، وعند مواجهة فجوات في البيانات، استخدموا تقنيات الذكاء الاصطناعي لتقدير القيم المفقودة، ليتمكنوا من تكوين صورة كاملة عن حركة الطمي عبر السنوات.
بعد ذلك، درس الباحثون مدى قدرة سد النهضة على حجز الطمي قبل وصوله إلى السدود السودانية، وأظهرت النتائج أن السد يلتقط نحو 92% إلى 97% من الرواسب.
وللتأكد من صحة الحسابات، استخدم الفريق نماذج محاكاة ثلاثية الأبعاد لدراسة حركة المياه داخل خزان السد، مع مراعاة سرعة وتوجه المياه وتأثيرها على ترسيب الطمي في مناطق مختلفة، ثم تمت مقارنة النتائج مع مسوحات حقيقية لقاع سد الروصيرص، لتأكيد توافق الحسابات مع الواقع.
ويوضح كاتابان أن "وجود سد النهضة سيقلل ترسيب الرواسب داخل خزان الروصيرص بحوالي 26 مرة، أي أن أكثر من 90% من الرواسب سيتم حجزها في سد النهضة، وهذا قد يجعل من غير الضروري إجراء تصريف للرواسب في سد الروصيرص، مما يعني الحفاظ على مستوى الخزان مرتفعا نسبيا، وهو ما يمكن أن يعظم إنتاج الطاقة الكهرومائية".
وأشار الباحثون إلى أن حجز سد النهضة للرواسب سيخفف الضغط على سد الروصيرص ويزيد من عمره الافتراضي، من حوالي 384 سنة بدون سد النهضة إلى نحو 10 آلاف سنة مع تشغيله. لكنه شدد على أن تحقيق هذا الإنجاز مرهون بوجود تبادل روتيني للبيانات بين سد النهضة وسد الروصيرص.
ولم ينس الباحثون الإشارة إلى الآثار البيئية المحتملة لاحتجاز الطمي، إذ توقعت الدراسة انخفاضا كبيرا في إطلاق الرواسب إلى مجرى النهر أسفل سد الروصيرص، من 7154 مليون متر مكعب قبل سد النهضة إلى 691 مليون متر مكعب بعد التشغيل.
ويقول عمر إن "انخفاض تدفق الطمي من النيل الأزرق بنسبة تصل إلى نحو 92% بعد تشغيل سد النهضة سيحرم الأراضي الزراعية من السماد الطبيعي، الذي اعتادت الحصول عليه عبر الفيضانات، مما قد ينعكس سلبا على خصوبة التربة والإنتاج الزراعي".
ويضيف: "رغم أن الأثر الكمي على المحاصيل لم يُحسب بعد، فإننا نرى أن التقديرات الدقيقة تحتاج لدراسات ميدانية".
وأشار أيضا إلى أن التغيرات في مستويات الطمي قد تؤثر على النظام البيئي النهري، وهو ما يقتضي ضرورة إجراء تقييمات بيئية ورصد دوري بعد بدء التشغيل.
وفي ما يخص الدقة العملية للبيانات بعد التشغيل الفعلي للسد، اختتم كاتابان بالإشارة إلى أن نتائجهم "اعتمدت على البيانات التاريخية لتركيز الرواسب والتدفق، إلى جانب مجموعة من الافتراضات المتعلقة بتشغيل السد، وقد تختلف الترسيبات الفعلية قليلا بسبب التغيرات الطبيعية والخيارات التشغيلية، وهذا يعني أن المراقبة المستمرة بعد التشغيل الكامل للسد ستساعد على تقييم دقة التقديرات والآثار الحقيقية على أرض الواقع".