لطالما تميزت الكلاب والقطط بسمات شكلية وسلوكية مختلفة، إلا أنّ دراسة حديثة أشارت إلى بدء ظهور ملامح تقاربٍ لافتة بين بعض سلالات الكلاب والقطط، خصوصاً في بنية الجمجمة وشكل الوجه، وهذا التشابه لا يُعزى إلى عوامل طبيعية، بل هو نتاج ضغوط الانتقاء الاصطناعي الذي مارسه البشر بدافع رغبة مستمرة في تطوير سمات مرتبطة بالجمال واللطافة.
يكمن المفتاح لفهم هذا التحول لدى بعض سلالات القطط والكلاب في أذواق البشر أنفسهم؛ فقد شهدت العقود الأخيرة إقبالاً متزايداً على سلالات الحيوانات ذات الملامح "اللطيفة"، والتي تحاكي ملامح وشكل وجه الأطفال، مثل العيون الواسعة، والأنف الصغير المتمركز بين العينين، والوجه المستدير والمسطح.
يُعرف هذا النمط من السمات في علم الأحياء بـ نيوتيني، وهو بقاء الصفات المرافقة لمرحلة ما قبل البلوغ لدى الكائن الحي ما بعد بلوغه، وقد دفعت هذه التفضيلات المربين إلى التركيز على سلالات تتسم بهذه الصفات عبر أجيال من التهجين الاصطناعي.
وعند محاولة فهم هذا نجد أنّ العلماء دوماً ما يشيرون إلى أنّ الدوافع الأساسية خلف هذا الميل لدى البشر هي دوافع نفسية وسلوكية؛ إذ تُثير هذه الملامح لدينا مشاعر الرعاية والارتباط والحنان، وبالرغم من أنّ هذا الميل كان في الظاهر مسألةً جمالية، إلا أنّه أصبح مع الوقت عاملًا بيولوجياً ضاغطاً قاد تطور هذه الحيوانات نحو مسارات غير مألوفة في الطبيعة.
قام الباحثون في هذه الدراسة بتحليل ثلاثي الأبعاد لعينات مختلفة من جماجم الكلاب والقطط، وقد أظهرت النتائج أن بعض سلالات الكلاب والقطط، مثل كلب البولدغ الفرنسي أو كلب البغ والقط الفارسي المعروف بالشيرازي، صارت أكثر شبهاً ببعضها بعضا، مقارنة بأسلافها البرية أو حتى بسلالات أخرى من نفس النوع.
سلطت الدراسة الضوء أكثر على التطور التقاربي والذي يحصل عندما تتعرض أنواع مختلفة من الكائنات الحية لضغوط بيئية متشابهة تدفعها إلى التكيف بمسار متقارب.
اللافت أن هذا التشابه في شكل الجمجمة لم يحدث مرة واحدة، بل تكرّر أكثر من مرة داخل كل نوع على حده، ما يؤكدّ أنّ الاستجابة للضغوط كانت متشابهة رغم اختلاف خلفياتها التطورية.
تُظهر الدراسة أن هذا التقارب لم يأت بلا ثمن، إذ إنّ بعض التغيرات التشريحية خصوصاً لدى القطط مثل الشيرازي تجاوزت الحدود الطبيعية، إذ تسبب اتساع العيون وتغيّر موضع الحنك العلوي إلى تقليص منطقة الأنف، ما أدى إلى ضيق في مجرى التنفس ومشاكل صحية مزمنة.
كذلك تسجل الكلاب خصوصاً ضمن السلالات ذات الوجوه المسطحة مشكلات تنفسية وهيكلية بشكل متزايد، والأكثر غرابة، أن بعض القطط التي تمت دراستها أظهرت افتقاراً كاملاً لعظام الأنف، وهي سابقة لم تُرصد في الطبيعة.
في الواقع تطرح النتائج التي خلصت إليها هذه الدراسة أسئلةً أوسع عن مدى تأثير التدخل البشري في مسار تكيفات الكائنات الحية، إذ يبدو أن الانتقاء الاصطناعي قادر على توليد تنوع شكلي ضخم وتحقيق أنماط من التشابه بين أنواع لا ترتبط ببعضها بعضا بشكل أسرع وأكبر مما نتخيل.