نتنياهو يشعل المنطقة… فقط ليُنقذ مستقبله السياسي
بقلم: محمد دراوشه
في لحظة إقليمية شديدة الحساسية، وفي وقت تتشابك فيه الأزمات من غزة إلى لبنان إلى الخليج، يختار بنيامين نتنياهو أن يلعب بالنار. ليس لأن إسرائيل تواجه تهديدًا وجوديًا جديدًا، بل لأن الرجل يواجه تهديدًا وجوديًا سياسيًا. الانتخابات تقترب، شعبيته تتراجع، والشارع الإسرائيلي منقسم، ولذلك يعود نتنياهو إلى وصفته القديمة: افتعال أزمة أمنية، تضخيم خطر خارجي، ثم تقديم نفسه باعتباره “الزعيم الوحيد القادر على حماية إسرائيل”.
لكن هذه المرة، اللعبة أخطر. نتنياهو لا يلوّح بعملية محدودة هنا أو هناك، بل يحاول جرّ المنطقة إلى مواجهة مع إيران، مواجهة قد تمتد من الخليج إلى المتوسط، وقد تفتح أبوابًا لا يمكن إغلاقها بسهولة. كل ذلك فقط ليحصل على مكسب انتخابي، أو ليعيد تشكيل المشهد الداخلي الإسرائيلي بما يخدم بقاءه في السلطة.
في لقائه المرتقب مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يدخل نتنياهو وفي جعبته هدف واحد: انتزاع موافقة أميركية — ولو ضمنية — على عمل عسكري ضد إيران. ورغم أن واشنطن تربط أي تقدم في الملف الإيراني بتقدم في الملف الفلسطيني، وتحديدًا في غزة، يرفض نتنياهو تقديم أي خطوة. يفضّل الجمود على التقدّم، لأن التقدّم قد يكلّفه ثمنًا سياسيًا داخليًا، بينما التصعيد قد يمنحه فرصة للظهور بمظهر “رجل الأمن”.
المفارقة أن إسرائيل اليوم ليست في وضع يسمح لها بخوض مغامرة كهذه. فهي تعتمد بالكامل على الدعم الأميركي، من الرادارات إلى الدفاعات الجوية إلى التنسيق العملياتي. ومع ذلك، يتصرف نتنياهو وكأنه قادر على فرض أجندته على واشنطن، رغم أن أصواتًا مؤثرة داخل الإدارة الأميركية — مثل نائب الرئيس جاي دي فانس — تعارض أي انجرار إلى حرب جديدة مع إيران.
هذا السلوك ليس جديدًا على نتنياهو. فمنذ سنوات طويلة، يستخدم الرجل الخوف كأداة سياسية. كلما اهتزت مكانته، ارتفعت نبرة التهديدات، وبدأ الحديث عن “لحظة مصيرية” و”خطر وجودي”. لكن الجديد اليوم هو حجم المخاطرة. فالتصعيد مع إيران ليس مجرد مناورة انتخابية، بل مقامرة قد تجرّ المنطقة كلها إلى مواجهة واسعة، في وقت لا يملك فيه أحد القدرة على السيطرة على تداعياتها.
والأخطر أن نتنياهو يتجاهل حقيقة واضحة: المنطقة اليوم تقف على حافة توتر غير مسبوق. غزة ما زالت تنزف، لبنان يعيش على صفيح ساخن، العراق وسوريا يعانيان من هشاشة أمنية، والخليج يعيش حالة ترقّب دائم. أي شرارة إضافية قد تتحول إلى حريق شامل. ومع ذلك، يواصل نتنياهو اللعب بهذه الشرارة، وكأن مصير المنطقة مجرد تفصيل في حملته الانتخابية.
ما يقوم به نتنياهو اليوم ليس دفاعًا عن إسرائيل، بل دفاعًا عن نفسه. إنه يلوّح بالحرب ليهرب من أزماته، ويضخّم التهديدات ليغطي على فشله، ويستخدم الخوف كأداة انتخابية. وإذا كان هناك خطر حقيقي يهدد استقرار المنطقة، فهو ليس في طهران، بل في القيادة الإسرائيلية التي تتعامل مع الأمن كوسيلة للبقاء في السلطة.
العالم العربي، الذي دفع ثمنًا باهظًا لعقود من الحروب والصراعات، يرى بوضوح ما يحاول نتنياهو فعله. المنطقة لا تحتاج إلى مغامرات جديدة، ولا إلى زعيم يضع مستقبله فوق مستقبل شعبه. لكنها تجد نفسها مرة أخرى أمام رجل مستعد لإشعال النار، فقط ليبقى في الكرسي.
المصدر:
كل العرب