آخر الأخبار

بدون عناوين.... اقرأ/ي وتمعّن/ي!

شارك

قرأت هذا الصباح مقال رفيف دروكر في "هآرتس" بعنوان "الناخبون أيضًا سيفهمون: تغيير الحكومة، بدعم الأحزاب العربية". رفيف دروكر المحسوب "أحد الناطقين الأبرز بلسان المعسكر الليبرالي الإسرائيلي" (هذه تسمية مُستحدَثة دافعها الأساس التنصل من كل ما يمت بصلة ـ مزعومة أصلًا ـ لـ "اليسار" و"الوسط"، انسجامًا مع الهجمة الشرسة التي سارع إلى شنها مثقفون وأكاديميون، فنانون وصحفيون، إسرائيليون يدّعون "اليسارية" ضد اليسار العالمي في أعقاب السابع من تشرين الأول 2023 وقبل أن تغوص إسرائيل في مستنقع الإبادة الجماعية!). رفيف دروكر الذي، كغيره من الصحفيين أو مُدّعي الصحافة الإسرائيليين، لم يجد أي حرج في التزامه صمت الموتى طوال سنتين من الإبادة الجماعية الإسرائيلية في قطاع غزة!

لكن، ليس دروكر موضوعنا هنا. الموضوع هو ما كتبه دروكر تحت العنوان المذكور إياه والذي تنبغي مناقشته من وجهة النظر الفلسطينية (المحلية والعامة) بكونه مُعبّرًا حقيقيًا، وصادقًا، عمّا يدور في دوائر "المعسكر الليبرالي" الإسرائيلي وكيف يحاول حل مأزقه المتمثل في التناقض التالي: رغبته في تغيير الحكومة الحالية بتشكيل حكومة أخرى، بديلة، من جهة، و"نفوره"، بل "قرفه"، من "الأحزاب العربية" التي لا سبيل أمامه لتشكيل حكومة بديلة بدونها وبدون دعمها البرلماني، كلها أو بعضها، في تحالف كلي من الداخل أو جزئي من الخارج، وذلك بزعم أنها "غير صهيونية" و"لا تعترف بيهودية الدولة" (كما قال عضو الكنيست نائب رئيس "الموساد" السابق، رام بن براك، من حزب يائير لبيد "يش عتيد"، في مقابلة في "هآرتس" يوم 17 الجاري). هي أحزاب "غير صهيونية"،.

نعم. لكن القول إنها "لا تعترف بيهودية الدولة" هو محض كذب وافتراء، من جانب هؤلاء وغيرهم من اليهود، وهو محض كذب وادعاء من جانب أعضاء الكنيست العرب وأحزابهم. وقد كتبتُ عن هذا كثيرًا جدًا، هنا وفي مواقع أخرى مختلفة). لكنّ السبب الحقيقي في "النفور" و"القرف" منها هو كونها "عربية"، بمعنى أنها تمثل جمهورًا عربيًا (فلسطينيًا) ـ هو هو الذي يشعر هؤلاء "بالنفور والقرف" منه، بدافع مرجعياتهم العقائدية، الاستعمارية الاستيطانية التي تشكل الفوقية العِرقية، اليهودية هنا، أحد ألبابها! هذه الفوقية التي جعلت هؤلاء جميعًا يُجمعون على تأييد، مباركة ودعم حملة الإبادة الجماعية المتواصلة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة وحملات التطهير العرقي المستمرة ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وسياسات التمييز العرقي الممتدة منذ ما قبل قيام الدولة حتى اليوم هنا في داخل إسرائيل.

هي الفوقية العرقية التي رضعها هؤلاء جميًعا منذ تكوّنهم أجنّة في بطون أمهاتهم ثم تشرّبوها في مناهج التدريس العبرية.

هذه هي الحقيقة! ولأن الهمّ الأول والأخير الذي يشغل بال "المعسكر الليبرالي" ويؤرقه هو التخلص من "حكومة اليمين المتطرف" واستبدالها بحكومة "عقلانية متعقلة" (أي، تمارس السياسات ذاتها لكن بأساليب وطرق "عقلانية" و"متعقلة" ولا تضعها، والدولة، في صدام مباشر مع دول العالَم ومجتمعها الدولي ورأيها العام) حمايةً للمشروع الصهيوني ودرّة تاجه، دولة إسرائيل، فهو (هذا المعسكر) يبحث عمّا يُخرجه من ورطته فلا يجد مناصًا من الاستعانة بهذا "القرف"، ولو بـِعود/ بخشبة، من باب: ما الذي دهاك إلى المُرّ سوى الأمرّ منه... ولو مرحليًا ومؤقتًا فقط، لتجاوز هذه المحنة ووقف التدهور قبل أن يصبح الوقت متأخرًا!

لكنني، بعد أن قرأتُ ما كتبه دروكر، قرأتُ ما كتبه بروفيسور دورون نافوت، المحاضر في قسم العلوم السياسية في جامعة حيفا، تعليقًا على ما كتبه دروكر. ورغم أنني أختلف مع نافوت في معظم ما يكتبه (عن المجتمع العربي وأحزابه السياسية، بشكل خاص) وقد وجدتني أناقشه في أكثر من مناسبة وموضع، إلا أنني رأيتُ أن ما كتبه هنا هو تحليل صائبٌ تمامًا لديناميكيات "التفاوض" حول إعادة تجميع "المشتركة"، خلفياتها ودوافعها، ثم إسقاطاتها. ولهذا، ارتأيتُ عدم الكتابة، بل الاكتفاء بترجمة الجمل الأساسية ممّا سجله نافوت، لأنّ فيها ما يوضّح الصورة:

يكتب نافوت: "... ربما يكون التأييد بين الجمهور (اليهودي، يقصد) لشراكة مع حزب عربي أكبر بكثير ممّا تبيّنه استطلاعات الرأي الأخيرة، بالتأكيد، لأنّ الأسئلة التي تطرحها معاهد الأبحاث في استطلاعات الرأي لا توضّح، في الغالب، أن جولة أخرى من الانتخابات تعني استمرار حكم نتنياهو، بصيغته الأخطر ـ حكومة انتقالية".

ويضيف نافوت: يكتب دروكر أن "السؤال الأكثر دراماتيكية هو في أي صيغة ستخوض الأحزاب العربية الانتخابات. أحمد طيبي يضغط من أجل إعادة القائمة المشتركة". ويضيف (دروكر): "هذا توجه حكيم من جانبه، إذ أن الحماس في المجتمع العربي بارز في هذه الحالة: نسبة التصويت سوف ترتفع وتأثير المجتمع العربي سوف يزداد ليصل إلى 15- 16 مقعدًا".

"لكنّ دروكر ـ يضيف نافوت ـ لا يجيد توضيح حقيقة أن "المشتركة" هي خيار خطير للجمهور العربي وكيف بالإمكان التوليف بين رغبة الجمهور العربي في إعادة المشتركة، من جهة، وبين رغبته في أن يكون حزب عربي جزءًا من الائتلاف الحكومي القادم، من جهة أخرى. الجمهور العربي ليس غبيًا. وهو، مثل الجمهور اليهودي، مُكوَّن من أشخاص عقلانيين بمعظمهم، لكنهم غير عالمين بتفاصيل القضايا السياسية ـ الحزبية بشكل خاص. فالعربي النموذجي الذي يجيب على أسئلة استطلاع الرأي يعرف جيدًا أن الجمهور اليهودي عنصري ويعرف ويفهم، أيضًا، أن المشتركة لن تزيد من فرص واحتمالات الانضمام إلى الائتلاف، بل ستُبعِد هذه الفرص وتقلل هذه الاحتمالات. فكيف يُعقل، إذن، أن يصرّح ذاك العربي ـ الذي يُسأل في استطلاع الرأي ـ بأنه يريد الانضمام إلى الائتلاف الحكومي، لكنه يريد أيضًا إعادة القائمة المشتركة؟".

ويواصل نافوت: "صحيح أن الجمهور (العربي، يقصد) يفضّل الوحدة، جدًا، لكن هذا ليس هذه هو التفسير لهذا التفضيل. ذلك أن تحقيق الوحدة ممكنٌ بطرق أخرى وبثمن أقل. فلماذا نرى تفضيلًا منهجيًا للمشتركة إذن؟ التفسير هو أن الجمهور العربي، بصورة تعميمية، يعتقد بأن احتمال الدخول إلى الائتلاف الحكومي ضئيل، بينما احتمال إعادة المشتركة هو كبير. فإعادة بناء المشتركة مرهون بالأحزاب العربية وحدها فقط، بينما الانضمام إلى الحكومة مرهون بساسة صهاينة يصرّحون صبح مساء بأنهم ضد الشراكة. ولهذا، يختار الجمهور العربي القائمة المشتركة، رغم كونها خيارًا يُبعد احتمال انضمام حزب عربي إلى الائتلاف القادم ويقلل فرص تغيير هذه الحكومة".

ثم يضيف (نافوت): "بالإمكان تغيير المعادلة المنطقية التي يعتمدها الجمهور العربي وتغيير تفضيلاته، بحيث يزداد احتمال إدخال حزب عربي إلى الائتلاف. بالإمكان تشجيع الجمهور (العربي) على تأييد قائمتين، إلا أن ذلك يحتاج إلى قيادة سياسية من بين الصهاينة ـ وما يفعله آيزنكوت هو خطوة في الاتجاه الصحيح، وكذلك أيضًا ـ بصورة أكبر ـ تصريحات عضو الكنيست نعما لزيمي. كما يحتاج الأمر، أيضًا، إلى قيادة بين العرب. قيادة من رؤساء الأحزاب العربية.... ولكن، ثمة هنا مشكلة يُفضّل دروكر عدم الحديث عنها: أحمد طيبي. فطيبي، بيبي العرب في إسرائيل المقرّب على الدوام من الصحفيين (اليهود، يقصد!)، فيزوّدهم بمعلومات بالغة القيمة بصورة جارية ويومية، هو انتهازيّ. إنه يستغل مشاعر الجمهور العربي لكي يضمن بقاءَه ذا صلة وأهمية ولكي لا يجد نفسه في وضع يضطر فيه حزبه إلى خوض الانتخابات بصورة منفردة، مستقلة (وهو ما لم يفعله حزب الطيبي، "الحركة العربية للتغيير"، في أية انتخابات. فحزب طيبي هذا يتحالف، دائمًا، مع أحزب أخرى قبيل الانتخابات. دائمًا. افحصوا ما أقول إن كنتم لا تصدِّقون" (نافوت يوجه كلامه هنا لمتابعيه اليهودي بالتأكيد، لأن العرب يعرفون هذه الحقيقة ولا حاجة بهم إلى فحصها!).

ويكتب نافوت: "كأيّ انتهازيّ متوسط، طيبي هو سينيكيّ/ كلبيّ (من كلبيّة ـ Cynicism) ومُراوِغ. فاقتراحه إلى منصور عباس هو أن ينضم إلى المشتركة. وعندها، بعد الانتخابات، إن كان منصور معنيًا، فبإمكانه الانفصال عن المشتركة بما يتيح انضمام "القائمة الموحدة" إلى الائتلاف. طيبي يعرض هنا صورة تحريفية وكأنّه من غير الضروري الاختيار ما بين عودتها/ إعادتها (القائمة الموحدة) إلى المشتركة وبين العضوية في الائتلاف، إذ بالإمكان كلاهما معًا: مشتركة، ثم ـ بعد ذلك ـ مشاركة في الائتلاف. طيبي يعرف بالطبع أن هذا كذب، لكن لأنه انتهازي فهذا لا يزعجه".

ويضيف (نافوت): "لكي يستطيع منصور عباس الانضمام إلى الائتلاف القادم، ينبغي أن يكون شرعيًا لشراكة مع أحزاب صهيونية وللعضوية في الحكومة (أو أن تكون "القائمة الموحدة" حزبًا من الشرعي أن تعتمد عليه حكومة صهيونية، ولو كـ"جسم مانع"، كما حصل لحكومة رابين مع "الجبهة" و"الحزب الديمقراطي العربي"/ عبد الوهاب دراوشة)، غير أن هذا لا يتماشى، في واقع أيامنا هذه، مع التحالف مع "التجمع" و"الجبهة". فـ"التجمع" هو (حزب) غير صهيوني و"الجبهة" تتحول، تدريجيًا، إلى نسخة باهتة عن الأولى. وعلاوة على ذلك، إذا خاضت "المشتركة" بصيغتها الرباعية الانتخابات، فسيكون منصور عباس مضطرًا إلى القبول بتصريحات مختلفة، مشروعة في واقع الأمر لكنها غير مجدية إطلاقًا للشراكة مع أحزاب صهيونية، مثل تلك التي يطلقها سامي أبو شحادة، يوسف جبارين وأحمد طيبي. وإلا، فسيُتَّهَم ـ بحق ـ بأنه يُفشِل المشتركة. وباختصار، ستقلل عودة المشتركة، كثيرًا، من فرص دعم حزب عربي، والمقاعد العربية عمومًا، مساعي تغيير الحكومة. هذا لا يهمّ طيبي بالمرّة، لأنه يجيد العمل بشكل ممتاز مع حكومات اليمين، ولا تعنيه مصلحة الجمهور حقًا. من السهل جدًا عليه إخفاء ذلك خلف القول بأنّ "الجمهور يريد قائمة مشتركة" وإسكات الأصوات النقدية، كصوتي أنا (نافوت)، بادعاء أنني صهيوني، استعلائي وليس من حقي أن أوقل للعرب ماذا عليهم أن يفعلوا، وما شابه".

ويختم نافوت فيكتب: "عباس، على عكس طيبي تمامًا تقريبًا، يفضّل مصلحة الجمهور العربي، التي تتمثل في تغيير الحكومة، وهو ما يعني (خوض الانتخابات في) قائمتين ـ الجبهة والتجمع و"التغيير" طيبي في قائمة واحدة و"الموحدة" في قائمة ثانية. لقد صرّح (عباس) مؤخرًا بانه مستعد لأن يأخذ طيبي معه إن كان في ذلك ما يكسر التعادل الذي يتيح تحقيق هذا السيناريو. السبب في أن عباس يريد ذلك هو ما كتبه دروكر، بالضبط ـ ربما يحصد هذا الخيار عددًا أقل من المقاعد، لكنّها ستكون مقاعد ذات تأثير لأكبر بكثير على القدرة على تغيير هذه الحكومة وتشكيل حكومة أخرى بدلًا منها".

إلى هنا ترجمة ما كتبه دورون نافوت، تعليقًا على ما كتبه رفيف دروكر.

تبقى ضرورة للإشارة إلى:

1. هذا كله في إطار الصراع الإسرائيلي ـ الإسرائيلي، الصهيوني ـ الصهيوني، على مستقبل المشروع و"وجه الدولة ومستقبلها"، بكونها "دولة يهودية" (وديمقراطية!)، أو "دولة اليهود"، قبل "قانون القومية" بعشرات السنين ("قانون العودة"، "قانون أملاك الغائبين" وغيرهما الكثير الكثير).

https://www.facebook.com/saleem.salameh.9/posts/pfbid02k8hwMN2nQE89f5N5tHiWe2i9ZxKXqyW52LfUoSg2W8DBzLoWvPd3EQxMTJYUPxXXl

2. أي حديث عن "مصلحة الجمهور العربي"/ "مصلحة المواطنين العرب" في هذا السياق هو محض هراء وافتراء.

3. أي ادعاء من أيّ من أعضاء الكنيست العرب، الحاليين، السابقين واللاحقين، وأحزابهم العربية، عن "عدم الاعتراف بيهودية الدولة" هو محض كذب وخداع وتضليل.

https://www.facebook.com/saleem.salameh.9/posts/pfbid037Tww9PRXuJwcW5qzjPcjB4ZyFNNbnQSk7qdmVaZ3fbqGjwfbRg8ftpSZXbYbuH9Kl

3. حتى لو أحرزت الأحزاب العربية وقوائمها الانتخابية أقصى ما يمكنها تحقيقه من مقاعد في الكنيست ـ ستبقى "عربية"، قد تستطيع تحصيل بعض الرتوش والمساحيق لتجميل بعضٍ من مكوّنات واقعنا، بصورة جزئية فقط (بشهادة عشرات السنين من "العمل/ النضال البرلماني"، لكنها ستبقى عاجزة عن إحداث تغيير جوهري في جذور الصراع، ثم في مكانتنا وحقوقنا، كجزء من شعبٍ تسعى إسرائيل بكل قوتها وبكل مركّباتها ـ باستثناءات قليلة ـ إلى التخلص منه بصورة نهائية، أو إلى مواصلة إخضاعه، السيطرة عليه والتحكّم به (كما حصل في "اتفاقيات سلام أوسلو").

https://www.facebook.com/saleem.salameh.9/posts/pfbid02TMeMzpyxU792k6AeY511pE2xw2bpC64HXLnSNfM9n8UryF6XzbwuwuW3gxiDaz2al

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا