آخر الأخبار

مظاهرات بعد الـ 7 من أكتوبر: محاولات أخيرة يائسة أم وجه آخر لهبَّة أيَّار 2021؟

شارك

شاركتُ في بعض المظاهرات التي اندلعت بعد السابع من أكتوبر للمطالبة بوقف الحرب على أهلنا في غزة، والدفاع عن حق أطفالنا ونسائنا وجميع الأبرياء. وخلال وجودي هناك، لفتني المشهد: الوجوه تتكرر، وكذلك الاعتقالات، والملاحقات. في هبّة أيار 2021، او في مظاهرات ما بعد السابع من اكتوبر تعود معظم الوجوه إلى الساحات رغم الثمن الذي دفعوه.

ما الذي يدفع هؤلاء الشابات والشبان للعودة إلى الميدان من جديد، في وقت لم تندمل فيه بعد ندوب الهبّة السابقة، وفيما تطارد الأحكام الجائرة عشرات الشبان، وعلى الرغم من أن العديد من الشبان المعتقلين منذ هبة ايار لم تصدر بحقهم أحكام الا بعد احداث السابع من أكتوبر كأنها رسالة لكل من يحاول أن يتظاهر أو يشارك بإيصال صوت وألم ابناء شعبه.

3 شابات اثبتن أن صوت الناس لا يُقمع...

التقيت ثلاث شابات أثبتن أنّ صوت الناس لا يُقمع، وأن الخوف حين يتوزّع بين شعب كامل، يفقد قيمته. فجميعهن كان لهن دور سياسي ووطني بارز في المجتمع الفلسطيني عامةً، والمظاهرات ما بعد السابع من اكتوبر خاصةً، وكان لهن رصيد من اعتداءات الشرطة، والملاحقات السياسية والاعتقالات غير المبررة. النساء هن جزء لا يتجزأ من الحراك الميداني، وحضورهنّ لم يكن هامشيًا أو عابرًا؛ بل كنّ من الوجوه الثابتة في المظاهرات منذ لحظاتها الأولى، وأثبتن بتجربتهن أنَّهن صوت يعكس نبض الشارع الفلسطيني في الداخل.

سيرين جبارين، صحافية، وناشطة اجتماعية وسياسية ومديرة مركز الكرامة الحقوقي، والصحافية ملاك عروق، والناشطة السياسية د. ميسان صبح، باحثة في مجال السرد في أدب الأسرى.

الصحافية سيرين جبارين: " الردع الأمني فشل ".

في حديثها بدأت الصحافية سيرين جبارين بوصف موجة الاعتقالات بعد السابع من أكتوبر باعتبارها الأوسع منذ سنوات داخل الخطّ الأخضر مشيرة إلى أنّ ما يميزها ليس العدد فحسب، بل طبيعة الاتهامات: "توسعت موجة الاعتقال الإداري بشكل غير مسبوق. مئات الشابات والشبان واجهوا تهمًا مثل ‘دعم الإرهاب’ أو ‘التحريض’، بسبب منشورات على شبكات التواصل الاجتماعي. لم تكن هناك أفعال ميدانية عنيفة، بل رغبة واضحة من المنظومة الأمنية بتجريم التعبير عن الرأي السياسي نفسه”.

وتضيف أنّ الردع الأمني فشل، لأن الجيل الجديد بات ينظر للاعتقال كجزء طبيعي من الواقع السياسي: "كثيرون توصلوا لقناعة أنّ الصمت لا يحمي. السكوت يعني الموافقة على تجريم هويتك. ومع المجازر اليومية في غزة، صار السؤال: هل أخاف من الاعتقال؟ أم من أن أفقد صوتي ووجودي؟”

وتروي أنها اعتُقلت رغم عملها كصحفية: "لم أحصل على أي حماية مهنية. بالنسبة للأمن الإسرائيلي، الصحفي الفلسطيني يُعامل كفاعل سياسي، لا كصاحب مهنة. اعتُقلتُ لأنني أنقل رواية مختلفة وأعمل على ملفات الاعتقال السياسي والعنف الشرطيّ. بعد 7/10 انتقلنا من تجريم الفعل إلى تجريم الهوية. ومع ذلك، عاد الشباب للشارع لأن الخوف الحقيقي لم يعد الاعتقال، بل خسارة الوطن ومساحة الصوت”.

د. ميسان صبح:" المشاركة بالمظاهرات هي بمفهوم الهوية الواحدة للشعب الفلسطيني ".

د. ميسان صبح هي إحدى المعتقلات في مظاهرات ما بعد 7 اكتوبر ومن الوجوه البارزة التي كانت تتعرض لملاحقة غير مبررة في كل مظاهرة او مشاركة وطنية: “ما بقبل بالتقسيمات… وهذا الوجع الموزّع هو اللي بطلعني كل مرة”. تربط ميسان مشاركتها المستمرة في المظاهرات بمفهوم الهوية الواحدة للشعب الفلسطيني، رغم اختلاف الجغرافيا وطرق القمع. وهي ترى أنّ ملاحقتها السياسية “كانت متوقعة” منذ بداية الحرب: "سواء طلعت بالمظاهرة أو لا، كانوا جاهزين للاعتقال. المظاهرة كانت حجة، والاتهامات سقطت لأنها واهية”.

وحين تُسأل عمّا يدفعها للعودة للميدان رغم الاعتقال، تجيب بلا تردد: "لما ابن شعبي بغزة بعاني من الإبادة، وابن الضفة من المصادرات والاعتقال، وابن الجليل والمثلث من الهدم والملاحقة… هذا الوجع الموزّع كلّه بيوجعني. هويتنا قضية واحدة لا تتجزأ”.

وتؤكد أن الاعتقال “ضريبة تُدفع، لا فضلًا يمنّ به أحد”: الاعتقال أو الملاحقة السياسية ثمن، ومش مربحين فيه حدا جميلة”. ثم تستعيد ثقتها الشخصية التي شكلت هويتها النضالية: "لا غرفة التحقيق باقية ولا زرد السلاسل. مؤمنة بزوال الظلم. لست بطلة، ولا أحب صورة البطل، لكني انتصرت بانتصار ذاتي صغير… وهذه الانتصارات الصغيرة تعطينا عزّة وفرحًا رغم الجو المثقل”.

وتصف سبب استمرارها بجملة تعبّر عن ثباتها: "تعرضت لملاحقة سياسية لأنني مؤمنة بحقي وبنضالي المشروع. وسأبقى كما أنا… بموقفي الصلب، أدافع عن حقي في الهوية والأرض والوجود”.

الصحافية ملاك عروق: " رغم الاعتداء... عدت للميدان ".

كانت للصحافية ملاك عروق حصيلة كافية من الاعتداءات رغم مشاركتها كسائر المتظاهرين والمتظاهرات وأيضًا كصحافية تقول: “رغم الاعتداء… عدتُ للميدان لأن الألم الأكبر هو ألم غزة.”

تقدّم ملاك رواية إنسانية مباشرة من قلب الميدان، من حيفا تحديدًا. فقد شاركت في مظاهرات أسبوعية وصفتها بأنها “من أبرز حركات الشارع التي قادها أبناء الجيل الشاب وجيل التغيير. يكمن سر مظاهرة حيفا أنها تجمع شبابًا من كل البلدات والطوائف والخلفيات، يجمعهم هدف واحد: وقف الحرب على أهلنا في غزة.

وتروي أنها اضطرت أحيانًا للحضور كصحافية لتجنّب الاعتداءات، لكن الاعتقالات التعسفية لم تمنعها ان تشارك في المظاهرة كأبنة هذا الشعب وأن تلقي كلمات تُعبُّر عن ألمها على شعبها وأهلها في غزة، وتروي أنَّهُ حتى في إحدى المرات التي شاركت فيها كصحافية، قال لها ها شرطي:” لا تظُّني بأنِّي لا أعلم بأنَّك لست صحافية ولم تأت لتغطية الأحداث، بل أنت جزءً من هذه المظاهرة".

تعرضت ملاك لاعتداء قاسٍ خلال إحدى المظاهرات: "أمسكني شرطيان وشدّا حجابي لأنني حاولت الإمساك بصديقتي التي اعتدوا عليها. ورغم ذلك… عدت للمظاهرات”. وتصف ما جعلها تتمسك بالنضال رغم الألم: "خوفي لم يكن شيئًا أمام ألم الأطفال الذين يموتون كل يوم في غزة. ظلام السجن — الذي لا يحتمله أحد يومًا واحدًا — أقل قسوة من الشعور بأنني لا أفعل شيئًا من أجل أهلي”. وتنهي: "لكل إنسان دور. سنُسأل عمّا فعلناه ولو كان صغيرًا. كل تغيير كبير يبدأ بفعل صغير، وكل فعل صغير يترك أثرًا كبيرًا”.

قد تكون هذه التظاهرات تعبيرًا جماعيًا عن شعور متراكم بالمسؤولية والارتباط المصير المشترك، وتكرّار التجارب القاسية، وأتساع الإحساس بالعجز والظلم، يحوّل الحضور في الميدان إلى وسيلة للحفاظ على المعنى والهوية، وإلى مساحة أخيرة لقول “نحن هنا” في وجه محاولات الإقصاء والتهميش. العودة لا تعني غياب الخوف، بل تعني أن الخوف لم يعد كافيًا لشلّ الإرادة الجماعية، وأن التعبير العلني يصبح، بالنسبة لكثيرين، فعلًا وجوديًا يوازن بين الألم والصمت، ويمنح الفرد شعورًا بأنه جزء من صوت عام لا يمكن محوه بسهولة.
حين يُحرم الإنسان من أبسط حقوقه الأساسية، وفي مقدّمتها الحق في الحياة، ويشهد قتل أبناء شعبه واستهداف المدنيين بشكل متواصل، ولا سيما الأطفال والأبرياء تفرض حالة من الاختناق المعنوي لا يمكن احتواؤها داخل الفرد، فتدفعه للبحث عن مساحة يعبّر فيها عن رفضه لما يحدث، ولو بأبسط الأشكال، ويترافق ذلك مع سياسات تضييق وخنق وملاحقة تمارسها أجهزة الدولة، تتآكل المسافة بين الخوف والفعل ولا يعد هنالك رادع. في مثل هذه الظروف، يشعر الفرد بأن ما يمكن خسارته قد استُنزف أصلًا، وأن الصمت لم يعد يوفّر حماية حقيقية. وعليه، يصبح الخروج إلى العلن تعبيرًا عن لحظة إدراك جماعية مفادها أن الدفاع عن الكرامة والوجود لم يعد خيارًا إضافيًا، بل ضرورة يفرضها واقع لم يترك للإنسان شيئًا يتمسّك به سوى صوته وموقفه.

وليس من الغريب أن تكون هذه العودة إلى الاحتجاج والمواجهة ردة فعل طبيعية لأي إنسان يمتلك شعورًا بالعدالة والكرامة، تجاه اي حرب ضد الانسانية، حتى لو لم يكن ضحية لها. فقد شهد العالم خلال الأحداث الأخيرة في غزة موجة تضامن واسعة، حيث خرج آلاف الأشخاص في عواصم ومدن مختلفة للتعبير عن رفضهم للحصار والحرب والعنف الذي طال المدنيين، بما في ذلك النساء والأطفال والمسنين. في أوروبا وأمريكا والشرق الأوسط، نظّم الطلاب والناشطون والمجتمعات المدنية مظاهرات ومسيرات، وأطلقوا حملات لدعم المدنيين المتضررين، وعقدوا اعتصامات أمام السفارات والمباني الحكومية، مطالبين بوقف المجازر ورفع الحصار. هذه التحركات الدولية تُظهر أن الألم الإنساني لا يقتصر على من يعيش الأزمة مباشرة، بل يلامس كل من يملك إحساسًا بالعدالة، وأن التضامن يصبح فعلًا عالميًا يعكس رفض البشر جمعيًا للظلم والمعاناة، مهما كانت المسافات الجغرافية بعيدة.

التقرير اعدته الصحافية عنادل ابو الهيجا، كجزءٍ من سلسلة تقارير سيتم نشرها عبر موقع بُـكرا ومنصاته، ضمن مشروع مشترك بين مركز اعلام وموقع بولتكلي في إطار مشروع " الصحافة من منظور جندري ".

بكرا المصدر: بكرا
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا