آخر الأخبار

تحمّل إسرائيل مسؤولية إزالة الدمار في غزة: أبعاد الطلب الأميركي وتداعياته على النظام الدولي وإعادة الإعمار

شارك

طلبت الولايات المتحدة من إسرائيل تولّي المسؤولية الكاملة عن إزالة الدمار الواسع في قطاع غزة، الذي يرزح تحت نحو 68 مليون طن من الركام، وذلك تمهيداً لبدء مرحلة إعادة الإعمار، سوف تمتد لسنوات. وفقا لصحيفة يديعوت أحرونوت 12/12 فقد طبت ادارة ترامب من حكومة نتنياهو بأن تتحمل إسرائيل التكلفة المادية وللوجستية لإزالة ملايين الركام الناتج عن عامين من حرب الدمار الشامل على غزة، بما في ذلك عمليات نتاج القصف الواسع التي نفذها سلاح الجو وتسوية أحياء كاملة بجرّافات D9.

كما أكدت الصحيفة عن مصدر سياسي إسرائيلي بأن "الحكومة الإسرائيلية وافقت مبدئياً على الطلب الأمريكي، في خطوة قد تبلغ كلفتها مئات ملايين الشواقل لمراحل الإزالة الأولية، بينما تُقدّر التكلفة الإجمالية للمشروع كله بعدة مليارات".

هناك محاججة جديرة ومفادها أن اسرائيل سوف تستفيد من اعادة تدوير الركام لاغراض تجارية او لتوسيع موانئها، وهذا ممكن لكن التكلفة ستكون أكبر عليها. في المقابل في حينه وفي العام 2024 سعى وزير الامن كاتس الى اقناع العالم في ضرورة بناء جزيرة اصطناعية من اركام يتم تهجير الفلسطينيين من غزة اليها، وتم تداول فكرة اخرى مفادها استخدام الردم في توسيع الرصيف على طول قطاع غزة اي توسيع المساحة مقابل امساك اسرائيل الدائم في منطقة عازلة داخل القطاع، ليصطد هذا المشروع بخطة انهاء الحرب التي لا تتيح ذلك ولا تغيير جغرافية القطاع.

فعلياً فإن ادارة ترامب فتحت أحد اكثر الملفات صعوبة في تاريخ الصراع الاسرائيلي الفلسطيني والعربي، ألا وهو تحمّل مسؤولية أعمالها ودفع اثمانها المالية. وهو من حيث المبدأ يستوجب ان يكون معيارا ناظما لمطالب اخرى في صميم الحق الفلسطيني. لقد اصطدمت واشنطن بالموقف العربي وحصريا الخليجي السعودي والقطري والاماراتي الذي يشترط الاستثمار في اعادة اعمار غزة، وهي عملية ستمتد على سنين كثيرة، بأن تقوم اسرائيل بإخلاء كميات الردم الهائلة التي احدثتها. فيما تعتبر واشنطن ان عدم القيام بهذه المهمة والتي تقدر تكلفتها بمليارات الدولارات

هذا المطلب الامريكي ليس الاول من نوعه من حيث المبدأ، بل سبقه اذعان حكومة نتنياهو ووزير ماليته سموتريتش لمطلب ادارة ترامب بأن تقوم اسرائيل بتمويل المساعادت التي تم تقديمها من قبل "مؤسسة غزة الانسانية" قبل ان تغلق أبوابها وتترك. فيما أن مطلب إلزام اسرائيل بالتعويض حدث فعليا منذ القرار 194 المتعلق بحق العودة وجبر الضرر والتعويض.

بدورها تابعت المنظمات الحقوقية الفلسطينية الكثير من الملفات في العقدين الاخيرين، سعيا لتدفيع اسرائيل الثمن تجاه عملياتها العسكرية في غزة وحصريا منذ عملية الرصاص المصبوب 2008/2009 في دعوة دولية لاعتقال قيادات اسرائيلية عليا. وعليه يبدو ان المطلب الامريكي من اسرائيل يفتح الباب امام الجهود الدبلوماسية الفلسطينية والعربية والحقوقية لرفع مستوى مطالبها دوليا. كما تلتقي مع القرار الاممي من العام 2021 بتشكيل لجنة تحقيق دائمة في ممارسات اسرائيل تجاه الفلسطينيين في كافة المناطق التي تخضع لسيطرتها.

تأتي أهمية الموقف الامريكي لكون الولايات المتحدة شكلت بشكل مستدام العائق الجوهري امام تطبيق القرارات الأممية والقانون الدولي. من شأنه ايضا ان يحفز الموقف الاوروبي الذي كانت تقع على عاتقه طوال العقود الماضية وحصريا منذ اتفاقات اوسلو ان يقم وعلى حساب الميزانيات الاوروبية بإعادة بناء الدمار الناتج عن الحرب الاسرائيلية في الضفة والقطاع، وذلك بعد أن كان الاتحاد الاوروبي ودوله قد موّلوا هذه المشاريع في البنية التحيتة الفلسطينية مسبقا. فيما ان الموقف العربي بدوره يشهد تغيرا من مفهوم اعادة التمويل والانشاء شبه المفروغ منه، الى موقف يقوم على اشتراط الاستثمار في اعادة اعمار غزة بتدفيع اسرائيل الثمن.

للتذكير فإن اسلحة الدمار الشامل والذخيرة معظمها امريكية، وقد تلقت اسرائيل وفقا لموقع واينت اكثر من 100 ألف طن من الترسانة العسكرية تم شحنها على متن 870 طائرة نقل و144 سفينة شحن. بما في ذلك عشرات الجرافات العملاقة من نوع D9 وD10، والتي تم استلامها يوم 9 تموز/يوليو2025، بقرار من ادارة ترامب وبعد ان جمدت ادارة بايدن الشحنة في حينه. هذه الشحنة بالاضافة الى اسطول كبير من الجرافات من ذات النوعية تم استخدامها في هدم شامل لما تبقى من مبانٍ ومرافق وحصريا خلال عملية عربات جدعون الثانية ولا تزال.

بهذا المفهوم فإن تحميل المسؤولية لاسرائيل لا يعفي بتاتا تحميل الولايات المتحدة مسؤولية الحرب وويلاتها على غزة، ولا الحكومات التي دعمت الحرب في بدايتها. هذا فعليا كان صوت حركات التضامن والحراكات لوقف التجويع والابادة والتطهير العرقي، والتي لم تكتف بالتعاطف مع سكان غزة، بل تحولت الى مطلب سياسي لتغيير سياسات حكوماتها نحو وقف اسناد الحرب اولا ونحو فرض العقوبات والمساءلة القانونية والسياسية والاخلاقية.

في الخلاصة يشكل المطلب الامريكي من اسرائيل في حال أصرت عليه واشنطن نمطا جديدا من التعامل الدولي وحصريا الاوروبي مع اسرائيل، ويزيل المعوقات التي كانت تحول دون ذلك وحصريا الموقف الامريكي.

يشكل الموقف الامريكي حدثا فارقا في تاريخ المساءلة الدولية لاسرائيل وحكوماتها بالمستويين الدبلوماسي والقانوني ومن خلال محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات.

فلسطينيا وعربيا يتأكد أكثر الاعترافات بدولة فلسطين والتضامن العالمي يشكلان متغيّرا ملموسا في الدفع نحو فرض العقوبات وتحميل اسرائيل المسؤولية عن حروبها، ومن المفترض ان يشكل عاملا رادعا امام استباحة حقوق الشعب الفلسطيني والقانون الدولي.

(مركز تقدّم للسياسات)

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا