ثمانية وخمسون في المئة من الأسر العربية تعيش اليوم حالة انعدام أمن غذائي. هذا الرقم ليس مجرد إحصاء عابر، بل هو وصمة عار على جبين الحكومة الاسرائيلية التي تتحمل كامل المسؤولية عن تجويع مجتمع بأكمله. ما يحدث ليس نتيجة ظروف طبيعية أو أزمات عالمية، بل هو نتاج سياسات ممنهجة بدأت منذ عقود بمصادرة الأراضي التي كانت مصدر رزق كريم للعائلات العربية، واستمرت بتحويل الاستثمارات الصناعية والتجارية، والبنى التحتية إلى البلدات اليهودية، وترك البلدات العربية غارقة في الإهمال والفقر.
لقد جُرّد العرب من أراضيهم، وحُرموا من بناء اقتصاد محلي مستقل وقادر على الاكتفاء الذاتي، ودُفعوا قسراً إلى سوق العمل الإسرائيلي كعمال في أدنى المهن وأقلها دخلاً. هذا ليس صدفة، بل سياسة مقصودة وممنهجة لإبقاء المجتمع العربي في موقع التبعية والضعف. بينما تُغدق الدولة المليارات على الأمن والحروب والمستوطنات، تسعى تدوما إلى أن تُقلّص الميزانيات المخصصة للتنمية والرفاه الاجتماعي، وتُترك الأسر العربية تواجه مصيرها وحدها.
النتيجة كارثية: أكثر من مليون طفل عربي ينامون وهم يعانون من انعدام أمن غذائي، في دولة تصدرت هذا الأسبوع قائمة أغلى دول العالم من حيث تكلفة المعيشة. أي مفارقة أبشع من هذه؟ دولة تُفاخر بأنها الأكثر غلاءً، بينما نصف مواطنيها العرب عاجزون عن تأمين قوت يومهم.
هذه ليست أزمة اقتصادية فحسب، بل جريمة سياسية مكتملة الأركان. الحكومة اختارت أن تهمّش العرب، أن تحرمهم من أراضيهم، أن تترك بلداتهم بلا مصانع ولا مناطق تجارية، وأن تدفعهم إلى هامش سوق العمل. المسؤولية هنا واضحة، ولا مجال للتنصل أو التذرع بالظروف.
الحل لا يكون بترقيعات شكلية أو وعود فارغة، بل بإصلاح جذري يعيد الحقوق المسلوبة، ويوجه الاستثمارات إلى البلدات العربية، ويضمن العدالة في توزيع الموارد. إن كرامة الإنسان تبدأ من حقه في الغذاء، وأي حكومة تحرم مواطنيها من هذا الحق تفقد شرعيتها الأخلاقية والسياسية.
لقد آن الأوان لقول الحقيقة بلا مواربة: الحكومة، ومنذ عام ١٩٤٨، هي من جوعت المجتمع العربي، وهي من عمّقت الفقر، وهي من وسّعت الفجوة الاجتماعية.
ومع الإدراك أن حكومة اليمين الفاشية الحاكمة لن تغيّر سياساتها، فإنها تتحمل المسؤولية الكاملة والتاريخية عن تجويع المجتمع العربي ودفعه نحو الانهيار، إذ إن استمرارها بهذا النهج ليس خطأً عارضًا بل خيارًا مقصودًا يرسّخ الفقر ويعمّق التهميش.
المصدر:
كل العرب