آخر الأخبار

مراقب الدولة: هجوم حماس أدى الى انهيار ركائز العقيدة الأمنية الإسرائيلية

شارك

أكد مراقب الدولة متنياهو إنجلمان في التقرير السابع من سلسلة تقارير "السيوف الحديدية" على " غياب مفهوم "الأمن القومي" وتأثيره على العمليات المركزية في المستويين السياسي والعسكري " .

مصدر الصورة مراقب الدولة - تصوير مكتب الاعلام الحكومي

وجاء في التقرير : " عقب مجزرة 7 تشرين الأول/ أكتوبر، قام مراقب الدولة بجولات ميدانية في بلدات غلاف غزة وفي شمال البلاد، والتقى مواطنين أخلوا من بيوتهم الى فنادق إيلات والبحر الميت والقدس والمنطقة الوسطى والشمال. وفي 7 كانون الثاني/ يناير 2024 أعلن المراقب عن بدء عملية تدقيق تشمل نحو 60 موضوعًا، يعمل عليها نحو 200 مدير تدقيق في مكتب مراقب الدولة. وأكد المراقب على ثلاث ركائز أساسية لهذا التدقيق:

• أن تكون المراجعة صارمة تجاه جميع المستويات – السياسية والعسكرية والمدنية.

• في المراجعات الجوهرية التي تبحث عن المسؤولين عن الإخفاقات، سيتم فرض مسؤولية شخصية على المقصّرين.

• في حال تشكيل لجنة تحقيق رسمية، سيحدّد مراقب الدولة معها نطاق صلاحياتها " .

واضاف التقرير : " كانت النية الأولية نشر التقارير التي تتناول جوهر الإخفاق الذي أتاح وقوع مجزرة 7 تشرين الأول/ أكتوبر خلال بضعة أشهر. غير أنّ أمرًا قضائيًا مؤقتًا – رُفع في نيسان/ أبريل 2025 بعد التوصل إلى تفاهمات بين مكتب مراقب الدولة من جهة، والجيش الإسرائيلي وجهاز "الشاباك" من جهة أخرى – أدى إلى تأخير هذه المراجعات مدة تقارب خمسة عشر شهرًا. ويُشار إلى أن مكتب مراقب الدولة يجري حاليًا تدقيقًا معمّقًا في المواضيع الجوهرية ذاتها.

نظرًا للظروف التي نشأت، قرّر مراقب الدولة، متنياهو إنجلمان، أنه وبسبب أهمية التقارير في القضايا المدنية أيضًا، فسيتم نشرها تبعًا لاكتمال إعدادها. ويُعدّ هذا النشر السابع ضمن سلسلة تقارير "السيوف الحديدية"، ويتناول أحد الإخفاقات التي طالت المستويات السياسية والأمنية.

من البديهي أنّ الجمهور يستحق الحصول على إجابات للأسئلة الصعبة المتصلة بأخطر تقصير في تاريخ الدولة. ومراقب الدولة لن يهدأ له بال حتى يقدّم هذه الإجابات بشأن إخفاقات المستويين السياسي والعسكري، وستُنشر النتائج فور انتهاء عملية المراجعة.

ويقول مراقب الدولة، متنياهو إنجلمان: "يكشف التقرير عن إخفاق ممتدّ عبر سنوات عديدة، حيث لم يُمارس المستوى السياسي مسؤوليته في ضمان استعداد دولة إسرائيل لتحديات الأمن المتغيّرة استنادًا إلى مفهوم منظم ومحدّث للأمن القومي يتم اعتماده رسميًا" " .

" غياب مفهوم الأمن القومي وتأثيره على العمليات المركزية في المستويين السياسي والعسكري "

وتابع التقرير : " تعيش دولة إسرائيل إحدى أصعب مراحلها، إذ تخوض حربًا تحصد أرواحًا كثيرة، وما زالت تواجه تحديات قاسية ومعقّدة. إن الفجوات في استعداد الدولة وجهوزيتها لمواجهة التحديات الأمنية غير المسبوقة التي تهدد سيادتها ومصالحها الوطنية وأمن سكانها ومواطنيها – والتي ظهرت نتائجها المأساوية في مجزرة 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، يوم عيد "سِمحات توراه"، حين أقدم عناصر "حماس" على قتل أكثر من 1200 شخص وارتكاب جرائم اغتصاب وتعذيب وحشية واختطاف 251 شخصًا إلى قطاع غزة – تثير تساؤلات خطيرة حول عمليات التفكير والتخطيط الإستراتيجي البعيد الأمد لحكومة إسرائيل وللكابينت السياسي – الأمني بقيادة رئيس الوزراء.

يشير هذا التقرير إلى إخفاق متواصل امتدّ عبر سنوات طويلة، حيث لم يتحمّل المستوى السياسي في الحكومات المتعاقبة مسؤوليته في التأكد من أنّ دولة إسرائيل مهيّأة لمواجهة التحديات الأمنية المتغيّرة على أساس مفهوم منظّم ومُحدّث للأمن القومي معتمد رسميًا. وهكذا، لم تصادق حكومات إسرائيل المتعاقبة، بقيادة رؤسائها، على مفهوم رسمي للأمن القومي، خلافًا لما هو متّبع في الدول الغربية.

رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي بادر إلى صياغة مفهوم للأمن القومي لدولة إسرائيل في السنوات 2017–2018 وسعى إلى تطبيقه، لم يُكمل ما بدأه، ولم يقدّم للمصادقة مفهومًا رسميًا للأمن القومي ولا قرارًا ملزمًا بشأن الركيزة الأساسية لتطبيقه – أي إعادة ترتيب الأولويات الوطنية وتخصيص زيادات كبيرة في ميزانيات الأمن على حساب احتياجات أخرى – رغم إدراكه لأهميتها. وبذلك لم يُنفّذ مسؤوليته في هذا الشأن، وظلّ تصوّره بلا قدرة على التطبيق وبلا طابع مُلزِم.

كما أنّ رؤساء مجلس الأمن القومي الذين تولّوا مناصبهم منذ عام 2008 – وهو العام الذي سُنّ فيه قانون المجلس ونصّ على أنّ من مهامه فحص مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي واقتراح تحديثاته، وكذلك اقتراح جدول أعمال ومواضيع للنقاش أمام الكابينت السياسي – الأمني لم يعرضوا أمام الكابينت مفهومًا محدَّثًا للأمن القومي للنقاش واتخاذ القرار بشأنه. وبهذا لم يؤدِّ المجلس دوره كما يجب في هذا المجال.

في ظلّ غياب مفهوم رسمي ومعتمد للأمن القومي يتمتّع بصفة إلزامية ويستند إلى تخصيص الموارد الوطنية وفق أولويات محددة، تصبح قدرة المستوى السياسي على توجيه الجيش الإسرائيلي برؤية إستراتيجية بعيدة الأمد، ومساءلته ومراقبته، محدودة للغاية أو معدومة أحيانًا. وعمليًا، رغم أنّ الجيش يخضع لسلطة المستوى السياسي، فإن غياب عملية منظّمة لصياغة مفهوم الأمن القومي واعتماده رسميًا وتخصيص الموارد اللازمة وفق أولوياته، جعل الجيش يخطّط برامجه وبناء قوّته وفق فهمه الخاص للواقع.

فعلى سبيل المثال، منذ سنوات، يقوم الجيش بتعديل حجم القوة المدرّعة (المدرّعات) دون توجيه إستراتيجي من المستوى السياسي ضمن رؤية طويلة المدى مستمدّة من مفهوم رسمي للأمن القومي. وفي عام 2020، وتحت قيادة رئيس الأركان آنذاك أفيف كوخافي، نفّذ الجيش خطة لتحديد حجم القوة المدرّعة دون أن يعرض وزير الدفاع في حينه، نفتالي بينِت، هذه الخطة مسبقًا على الكابينت السياسي – الأمني لمناقشة ضرورتها، خلافًا لما تم الاتفاق عليه في اجتماع مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في كانون الثاني/ يناير 2020.

حتى موعد انتهاء عملية المراجعة، لا تمتلك دولة إسرائيل مفهومًا رسميًا معتمدًا للأمن القومي يتمتع بصفة إلزامية. وعلى مرّ السنين، ترسخت رؤية رئيس الوزراء الأول، دافيد بن־غوريون، كـ"تعاليم شفهية" تمثل المفهوم غير الرسمي للأمن القومي الإسرائيلي. وقد أثيرت مسألة مفهوم الأمن القومي في مقدّمة تقرير لجنة فحص أحداث حرب لبنان عام 2006 (لجنة فينوغراد) الصادر في كانون الثاني/ يناير 2008، حيث جاء في التقرير: "يبدو لنا أن أحد الإخفاقات الرئيسية لإسرائيل كان في عدم استعدادها لتحديث مفهومها السياسي – الأمني (بالمعنى الواسع)، بحيث يعكس بشكل موثوق مجمل قوتها وحدودها".

بعد نحو نصف عام من نشر التقرير النهائي للجنة "فينوغراد"، سُنّ "قانون مجلس الأمن القومي" لعام 2008، الذي نصّ على أنّ من مهام المجلس، وهو هيئة استشارية تابعة لرئيس الوزراء والحكومة في شؤون الأمن والخارجية، دراسة مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي واقتراح تحديثات بشأنه.

إن أحداث يوم السبت السابع من أكتوبر 2023، يوم عيد "سمحات توراه"، وما خلّفته من تداعيات مصيرية، تفرض ضرورة فحص المفهوم غير الرسمي للأمن القومي الذي ترسخ في إسرائيل، ودراسة تعامل المستوى السياسي مع مفهوم الأمن القومي، والحاجة إلى بلورة واعتماد مفهوم منظم ورَسمي للأمن القومي للدولة" - وفقا لما جاء في التقرير .

" محاولات المستويين السياسي والأمني لصياغة واعتماد مفهوم الأمن القومي "

ومضى التقرير : " تعمل دولة إسرائيل دون وجود مفهوم رسمي معتمد للأمن القومي يتمتع بصفة إلزامية، رغم أنّ قانون مجلس الأمن القومي الذي سُنّ عام 2008 نصّ على أنّ من مهام المجلس فحص مفهوم الأمن القومي للدولة واقتراح تحديثات له، ورغم تضمين القانون توصية لجنة "فينوغراد" بوجوب أن يُلزم المستوى السياسي نفسه بتطوير وثائق إستراتيجية أساسية في الشؤون السياسية – الأمنية والمصادقة عليها.

تكتسب بلورة واعتماد مفهوم رسمي للأمن القومي أهمية خاصة لإسرائيل لأنها "دولة جزيرة"، بمعنى أنها محاطة بتهديدات من دول ومنظمات إرهابية؛ ومساحتها صغيرة مقارنة بمعظم الدول المجاورة في الدائرة القريبة أو البعيدة في الشرق الأوسط، ولا تمتلك عمقًا جغرافيًا يسمح بإنشاء مناطق عازلة مع جيرانها؛ ومراكزها الإستراتيجية متركزة في نطاق جغرافي ضيق في وسط البلاد لا يبعد سوى عشرات الكيلومترات عن حدودها؛ وعدد سكانها أقل من غالبية الدول المحيطة بها؛ كما أنها غريبة ثقافيًا وقوميًا ودينيًا عن محيطها الشرق أوسطي؛ وهي الدولة اليهودية الوحيدة في العالم في مقابل عشرات الدول الإسلامية.

كما عبّر الجيش الإسرائيلي وجهازي "الموساد" و"الشاباك" عن موقفهما أمام فريق المراجعة بأنّ هناك حاجة إلى مفهوم رسمي ومنظَّم للأمن القومي يتم تحديثه بشكل دوري، بحيث يُلزم جميع المستويات باتباع نهج منهجي لمعالجة القضايا المختلفة واستثمار الموارد الوطنية بشكل أمثل، ويشكّل بوصلة للعمل الأمني تُبنى وفقها الإستراتيجيات وبرامج بناء القوة. ويرون أيضًا أنّ هذا المفهوم يجب أن يحدد بوضوح الأهداف والغايات لكل جهة أمنية، وأن يتيح فحص الافتراضات القائمة في مختلف الساحات، ويعزز التنسيق بين أجهزة الأمن، ويحسّن الحوار بين المستويين السياسي والعسكري من خلال إيجاد لغة مشتركة، ويتيح نقاشًا عامًا أكثر شفافية.

رغم المحاولات المتكررة لصياغة واعتماد مفهوم رسمي للأمن القومي في إسرائيل، فإنّ الكابينت السياسي – الأمني أو الحكومات المتعاقبة برئاسة رؤساء الوزراء، المسؤولين عن مصير الدولة، لم يصادقوا قط على مفهوم رسمي للأمن القومي، على الرغم من توصيات لجنة "فينوغراد" بوجوب أن يوجّه المستوى السياسي تطوير وثائق إستراتيجية أساسية في القضايا الأمنية – السياسية والمصادقة عليها ضمن رؤية شاملة، وعلى الرغم من أنّ قانون مجلس الأمن القومي أقرّ في التشريع التعامل مع هذا المفهوم.

وخلال الأعوام الخمسة والعشرين الماضية، جرت محاولات لصياغة واعتماد مفهوم رسمي للأمن القومي من قبل المستويين السياسي والعسكري، ما يدلّ على إدراكهم لأهمية الأمر وضرورته. وبذلك، تعمل إسرائيل حتى اليوم دون مفهوم رسمي معتمد وملزِم، بل ترسخ فيها مفهوم غير رسمي للأمن القومي يستند إلى فكر رئيس الوزراء الأول دافيد بن־غوريون عام 1953، المعروف بـ"عقيدة المثلث الأمني" (الردع، والإنذار، والحسم).

إنّ غياب مفهوم رسمي قد يضرّ بالأمن القومي الإسرائيلي، وبالتنسيق بين أجهزة الأمن وتوجيهها، وبآليات تخصيص الميزانيات وفق الأولويات الإستراتيجية التي يضعها المستوى السياسي، وبعمليات اتخاذ القرار في قضايا بناء القوة وتشغيلها، كما يوضحه هذا التقرير.
رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لم يقدّم للمصادقة مفهومًا رسميًا للأمن القومي الإسرائيلي، رغم أنه بادر عامي 2017–2018 إلى صياغة "مفهوم الأمن القومي 2030".

هذا التصور تطرّق إلى أربع ركائز أساسية لقوة الدولة: القوة العسكرية، والقوة الاقتصادية، والقوة السياسية، والقوة المجتمعية، وحدّد رؤية رئيس الوزراء للتهديدات المتوقعة في العقد المقبل، والمبادئ الحاكمة لاستخدام القوة وبناء القدرات المطلوبة، ورأى أن الركيزة الأساسية لتطبيق هذا المفهوم هي تعديل الأولويات الوطنية واتخاذ قرار بزيادة ملحوظة في ميزانية الأمن على حساب احتياجات أخرى.

ورغم أنّ نتنياهو عمل على ترسيخ هذا المفهوم عبر عرضه على الكابينت والأجهزة الأمنية وتحديثه ومنح توجيهات مستندة إليه، فإنه لم يُكمل ما بدأه، ولم يقدّم للمصادقة المفهوم الرسمي للأمن القومي أو القرار الملزم بشأن تطبيقه من خلال إعادة ترتيب الأولويات وتخصيص موارد إضافية للأمن. وهكذا بقي المفهوم الذي صاغه بلا قابلية للتطبيق الفعلي وبلا صفة إلزامية، رغم إدراكه الشخصي لأهميته وضرورته.

وقد أفاد مكتب رئيس الوزراء في آذار/ مارس 2025 بأنّ صياغة مفهوم الأمن القومي تنطوي على أبعاد سياسية واقتصادية ثقيلة الوطأة، وتتضمّن بطبيعتها عناصر سياسية وميزانيات، ولذلك حتى لو وافق الوزراء عليه من حيث المبدأ، فلن يصوتوا لصالح اعتماده، كلٌّ لأسبابه الخاصة، وإن كانت دوافعهم مختلفة ومتباينة " .

" إضعاف قدرة المستوى السياسي على توجيه الجيش الإسرائيلي في ظل غياب مفهوم رسمي وملزِم للأمن القومي وتأثير ذلك في العمليات المركزية داخل الجيش "

وأردف التقرير : " في غياب مفهوم رسمي وملزِم للأمن القومي، مدعوم بتخصيص موارد وطنية وفق سلّم أولويات، تتقلّص قدرة المستوى السياسي على توجيه الجيش الإسرائيلي برؤية إستراتيجية طويلة الأمد، وتحدّيه، وممارسة الرقابة والإشراف عليه؛ وأحيانًا تغيب هذه القدرة تمامًا. ويشمل ذلك توجيه البرامج المتعددة السنوات للجيش وسائر الأجهزة الأمنية، وتحديد ميزانية الأمن وترتيبات الأولويات لتنفيذها، والمصادقة على تغييرات تنظيمية جوهرية في الجيش والأجهزة الأمنية، ومنها تغييرات في حجم القوة وتركيبها. وفي هذا الوضع، وعلى الرغم من أنّ المستوى السياسي يتحمّل المسؤولية عن مصير الدولة، فإنه يجد صعوبة في صياغة عمليات التخطيط المركزية في الجيش، وبذلك لا ينهض بكامل مسؤوليته في هذا الشأن.

يتعيّن على الجيش الإسرائيلي أن يضع برامجه التشغيلية وخطط بناء قوّته من دون وجود مفهوم للأمن القومي؛ وعمليًا، ورغم خضوع الجيش لسلطة المستوى السياسي، فإن عدم قيام هذا المستوى بعملية منهجية لصياغة مفهوم للأمن القومي، وعدم اعتماده رسميًا وعدم تخصيص الموارد الوطنية وفق أولوياته، يفرض على الجيش أن يخطّط بنفسه برامجه وخطط بناء قوته" .

" انهيار مبادئ مفهوم الأمن القومي غير الرسمي الذي ترسّخ في إسرائيل إبّان أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر "

وأوضح مراقب الدولة في التقرير: " لقد بيّنت هجمة "حماس" المباغتة والدامية على إسرائيل يوم 7.10.2023 انهيارًا دفعة واحدة لثلاثة مبادئ أساسية هي: الردع، والإنذار، والدفاع؛ وهي ثلاثة من أربعة مبادئ يرتكز إليها المفهوم غير الرسمي للأمن القومي الذي ترسّخ في إسرائيل. أمّا المبدأ الرابع، مبدأ الحسم الذي يتصدّر حرب "السيوف الحديدية"، فلم يتّضح حتى موعد انتهاء المراجعة. ويُشدَّد على أنّ العرض الآتي لا يبتّ في أسباب انهيار مبادئ الردع والإنذار والدفاع في أحداث 7.10، ولا يشكل مراجعة شاملة ترصد مواطن الخلل أو تفرض مسؤوليات على أي من الهيئات أو أصحاب المناصب الضالعين في تلك الأحداث؛ وغايته طرح مسائل للنقاش بشأن الصلة بين مفهوم الأمن القومي وأحداث 7.10.

الردع: في 7.10.2023 شنّ تنظيم "حماس" هجومًا إجراميًا غير مسبوق على دولة إسرائيل، وبذلك تهاوت فعليًا الفرضية التي تبنّاها الجيش والمستوى السياسي، وعُرضت في مداولات الكابينت السياسي – الأمني قبل أشهر من الهجوم، وكذلك في الإعلام خلال السنوات السابقة، ومفادها أنّ "حماس" مردوعة عن مواجهة عسكرية مع إسرائيل.

الإنذار: في 7.10.2023 لم تقدّم أجهزة الاستخبارات إنذارًا مسبقًا بشأن هجوم "حماس"، فتعرّضت إسرائيل للمفاجأة؛ وذلك على الرغم من كونها قوة إقليمية عسكرية وتكنولوجية تمتلك قدرات استخبارية متقدمة وأجهزة قوية.

الدفاع: في 7.10.2023 اخترق تنظيم "حماس" خطوط الدفاع الإسرائيلية تقريبًا بلا عوائق، ونفذ توغلات في بلدات غلاف غزة ومحيطها وفي معسكرات الجيش بالمنطقة. وقد حدث ذلك رغم إقامة منظومة دفاعية على حدود القطاع تقوم على فرقة إقليمية وقوات إضافية، وجدار تحت – أرضي ذي بُعد تكنولوجي، وحاجز علوي يتضمن منظومة لاعتراض المسيّرات، وحاجز بحري مزوّد بسلاح يُدار عن بُعد، ومنظومات رادارية وغيرها. ولم ينهض الجيش (بهيئته العامة)، وقيادة المنطقة الجنوبية، وفرقة غزة، بمهمة الدفاع على حدود القطاع" .

" انهيار الافتراضات لدى المستويين السياسي والعسكري – الأمني خلال أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر "

وجاء ايضا في التقرير : " على المستوى السياسي، صرّح رئيسا الوزراء بنيامين نتنياهو ونفتالي بينِت بأنّ حركة "حماس" مردوعة ومقيَّدة ولا تسعى إلى الحرب. وقبل أشهر قليلة من الهجوم المباغت الدموي الذي شنّته "حماس"، أوضح رئيس الوزراء نتنياهو خلال جلسة تقييم للوضع في إطار عملية "درع وسهم" (9 أيار/ مايو 2023) أنّه ينبغي "الحفاظ على حماس، التي رُدعت منذ عملية "حارس الأسوار"، خارج الحدث قدر الإمكان". كما صرّح نتنياهو قائلًا: "لقد أدركوا (حماس) أنهم محاصرون بفضل جدار الفولاذ الذي بنيناه لحماية مواطني إسرائيل". تصريحات مشابهة بشأن الحاجز على حدود قطاع غزة صدرت أيضًا عن وزير الدفاع الأسبق بيني غانتس.

على المستوى الأمني – العسكري، اعتبر رئيس الأركان الفريق هرتسي هليفي ورئيس جهاز "الشاباك" رونين بار أنّ دمج التقنيات المتقدّمة في الجيش و"الشاباك" مع القدرات القائمة سيساعد على التحذير من أي هجوم وبناء جدار وقائي في وجه الأعداء. كما عبّر رئيس الأركان الأسبق أفيف كوخافي ورئيس الاستخبارات العسكرية السابق اللواء أهارون حليفا عن مواقف مماثلة مفادها أنّ "حماس" مردوعة ومقيَّدة ولا تسعى للمواجهة. وقبل نحو ستة أسابيع من الهجوم، أشار اللواء حليفا ضمن عرض استخباراتي قدّمه للكابينت إلى ان "استراتيجيات حماس لإبقاء قطاع غزة دون عتبة المواجهة".

إنّ الحاجة إلى إعادة فحص شاملة لمفهوم الأمن القومي الإسرائيلي في ضوء أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر برزت بوضوح في تصريحات كلٍّ من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الأسبق يوآف غالنت بعد نحو ثلاثة أشهر من الكارثة، ولا سيما في ما يتعلّق بانهيار مبادئ الردع والإنذار والدفاع.

على رئيس الوزراء أن يقود، بالتعاون مع الكابينت السياسي – الأمني أو الحكومة، المسؤولة عن مصير الدولة، عملية منظمة لصياغة مفهوم مكتوب للأمن القومي، يُعرض للمصادقة ويُمنح صفة رسمية مُلزِمة. وعملًا بقانون مجلس الأمن القومي، على المجلس أن يراجع هذا المفهوم ويقترح تحديثاته، وعلى رئيس الوزراء بالتنسيق مع الكابينت أو الحكومة أن يطلب من المجلس عرض نتائجه أمامهم. ويوصى بأن يقوم رئيس الوزراء بمراجعة المفهوم مع الكابينت أو الحكومة دوريًا وفق الحاجة، في إطار مبدأ المساءلة الحكومية أمام المواطنين. كما يُستحسن أن يتضمّن المفهوم الأمني القومي المصادق عليه تحديد المصالح الوطنية للدولة، وأهدافها العليا، والتحديات والتهديدات التي تواجهها، والقدرات العسكرية والمدنية لتحقيق تلك الأهداف، وترتيب الأولويات في ظل النقص الدائم في الموارد.

يُوصى أنه بعد أن يُعدّ رئيس الوزراء بالتعاون مع الكابينت أو الحكومة المفهوم الرسمي للأمن القومي، أن ينشره للرأي العام بتوقيعه، مع مراعاة قواعد السرية، التزامًا تجاه مواطني إسرائيل. فكما تنشر دول غربية مختلفة وثائق إستراتيجية رسمية لمفاهيم أمنها القومي، فإنّ نشر مفهوم رسمي مماثل في إسرائيل سيوفّر أساسًا لنقاش عام ومتابعة تنفيذ السياسات الأمنية.

على رئيس مجلس الأمن القومي أن يستكمل جميع الإجراءات اللازمة كي يناقش الكابينت السياسي –الأمني اقتراحه لتحديث مفهوم الأمن القومي، ويتّخذ بشأنه قرارًا. إنّ المفهوم الذي سيقدّمه المجلس سيسمح للمستوى السياسي بمناقشة فرضيات الأمن القومي في أفق طويل المدى، استنادًا إلى المصالح الحيوية للدولة وقيمها وأهدافها وأولوياتها. كما يُستحسن أن يفحص رئيس المجلس ما إذا كان بحاجة إلى موارد إضافية للاضطلاع بمهامه المنصوص عليها قانونيًا، وهي "دراسة مفهوم الأمن القومي واقتراح تحديثاته"، وأن يسعى للحصول عليها.

يوصي مكتب مراقب الدولة بأنه، في ضوء أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، على رئيس الوزراء، بالتعاون مع الكابينت أو الحكومة، أن يُعيد ضمن صياغة مفهوم منظّم للأمن القومي، تقييم التوازن بين مبادئ الردع والإنذار والدفاع، وسبل تكييف تطبيقها مع الظروف المتغيّرة وخصائص التهديدات الحالية والمتوقعة، مع الإقرار بأنّ الإنذار لن يكون متاحًا دومًا، وأنّ "خط التماس قد يُخترق في أي وقت". وإن كانت صياغة مفهوم حديث للأمن القومي لا تضمن منع تكرار أحداث مشابهة، فإنّ وجود عملية دورية ومنهجية لتقييم المفهوم ستساعد المستويين السياسي والأمني على إجراء تفكير معمّق، وفحص الافتراضات الجوهرية، وتحديد الأهداف وتقييم إمكانية تحقيقها، وتخصيص الموارد وفق ذلك، وخلق لغة وحوار مشترك بين المستويات المختلفة.

كلا المستويين، السياسي والأمني، حاولا على مدى العقود الماضية بلورة مفهوم للأمن القومي الإسرائيلي، وكانت أبرز المحاولات خلال السنوات الخمس والعشرين الأخيرة، ولا سيّما بين 2017 و2021، إلا أنّ الكابينت السياسي – الأمني أو الحكومة لم يُقِرّا قط مفهومًا رسميًا" .

الخلاصة

وخلص التقرير الى " إنّ مفهوم الأمن القومي يحدّد الأهداف الإستراتيجية وترتيب الأولويات؛ ويساعد على تنسيق الجهود بين الأجهزة الأمنية؛ ويعمل كبوصلة لبناء قدرات الجيش والأجهزة الأخرى وتشغيلها؛ ويدعم اتخاذ القرارات انطلاقًا من فهم القدرات العسكرية ومواءمة الأهداف مع الوسائل؛ ويخلق لغة مشتركة بين المستوى السياسي والأجهزة الأمنية؛ ويسهم في تحديد ميزانيات الأمن.

وتكتسب أهمية المفهوم الأمني القومي خصوصية كبيرة في إسرائيل، بوصفها دولة قومية للشعب اليهودي محاطة بالأعداء وتعيش حرب بقاء مستمرة.

ومنذ قيام الدولة، جرت محاولات متكرّرة من المستويين السياسي والعسكري لصوغ مفهوم رسمي، أبرزها في أعوام 1998، 2006، 2017 و2021 بمبادرات من وزراء دفاع ومديري وزارات الدفاع المتعاقبين، غير أنّ أيّ حكومة أو كابينت لم يصادقوا رسميًا على المفهوم ولم ينشروا وثيقة عامة كما هو معمول به في دول غربية مثل الولايات المتحدة، بريطانيا، ألمانيا، فرنسا واليابان.

ويُعزى ذلك، جزئيًا، إلى أنّ المفهوم الرسمي يُلزم المستوى السياسي بتحديد أولويات، أحيانًا في مسائل خلافية لا يرغب في حسمها، كما يخلق مبدأ "المساءلة" السياسية أمام المواطنين.

ورغم أنّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بادر بين عامي 2017 و2018 إلى صياغة مفهوم للأمن القومي وعمل على ترسيخه عبر عرضه على الكابينت والأجهزة الأمنية وتحديثه وتوجيه سياساته بناء عليه، فإنه لم يُكمل ما بدأه ولم يُقدّمه للمصادقة الرسمية، ولم يُصدر قرارًا مُلزِمًا حول الركيزة الأساسية لتطبيقه — أي تعديل الأولويات الوطنية وتخصيص موارد إضافية للأمن على حساب قطاعات أخرى — رغم إقراره بأهميته. وبذلك لم يتحمّل كامل مسؤوليته، وبقي المفهوم دون قدرة تنفيذية أو طابع إلزامي.

في غياب مفهوم رسمي وملزِم للأمن القومي مدعوم بتخصيص الموارد الوطنية وفق الأولويات، تبقى قدرة المستوى السياسي على توجيه الجيش برؤية إستراتيجية طويلة الأمد محدودة أو معدومة في بعض الأحيان. وقد أشار تقرير حول ميزانية الأمن وبناء القوة (كانون الأول/ ديسمبر 2024) إلى أنّ الاتجاهات الرئيسية في خطط عمل الجيش تُحدَّد أساسًا من قِبل قيادات المؤسسة الأمنية، فيما يبقى تأثير المستوى السياسي ضئيلًا ومقتصرًا على مجالات ضيّقة وفي مراحل متأخرة، حين يصبح تأثيره هامشيًا.

وفي هذا الواقع، يضطر الجيش إلى إعداد برامجه وبناء قوته وفق تصوّره الذاتي للوضع أو بناءً على توجيهات سياسية متغيرة مع تغيّر الحكومات، من دون مرجعية مفهومية راسخة.

كما بنت أجهزة أمنية أخرى آليات عملها الخاصة للتعامل مع غياب المفهوم الرسمي، فاستخلصت توجيهات المستوى السياسي القائم وجمعت ملاحظاته لبناء عملياتها المركزية، ما أدّى إلى تفاقم مخاطر غياب تعريف واضح للمصالح الوطنية، وانعدام التنسيق بين الأجهزة، وغياب قرارات سياسية ملزمة بشأن أولويات مواجهة التهديدات والتحديات، وظهور مساحات تفسير ذاتية لكل جهاز، قد تؤدي إلى تناقضات وإخفاقات في استيعاب الأحداث الكبرى أو التهديدات المتصاعدة.

من المرجّح أنه لو وُجدت عملية دورية ومنهجية لصياغة مفهوم رسمي للأمن القومي، لكان المستويان السياسي والعسكري قد أجريا تفكيرًا منظّمًا وناقشا قضايا جوهرية مثل الاستراتيجية في مواجهة التهديدات متعددة الجبهات داخل حدود الدولة وخارجها، وفهم حدود الإنجازات الممكنة في الحروب غير المتماثلة وتأثير الحروب الطويلة على صمود الدولة، وتقييم جاهزية الجيش وسائر الأجهزة الأمنية على المديين القصير والطويل، وتحديد الفجوات في مواجهة التهديدات ومعانيها.

وبناءً على ذلك، كان من الممكن اعتماد استراتيجية مختلفة لحماية الحدود، بما في ذلك حجم القوة المطلوبة وطريقة تشغيلها، ما كان سيتيح استعدادًا أفضل للدفاع عن الحدود مع غزة في 7.10.2023.

يجب على رئيس الوزراء أن يقود، بالتعاون مع الكابينت السياسي – الأمني أو الحكومة، عملية منهجية لصياغة مفهوم مكتوب للأمن القومي، يحدّد المصالح الوطنية في المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية والثقافية – الاجتماعية، ويضع الأهداف العليا وترتيب الأولويات من منظور شامل، ثم يُقرّ رسميًا ويمنحه صفة إلزامية. كما يُستحسن أن ينشر رئيس الوزراء المفهوم بتوقيعه أمام الجمهور، التزامًا بمبدأ المساءلة الحكومية.

وينبغي أن يُستخدم المفهوم المصادق عليه كأداة للمستوى السياسي في اتخاذ القرارات بشأن بناء القوة وتشغيلها وتخصيص الموارد.

أظهرت الهجمة المفاجئة والدامية التي شنّتها "حماس" على إسرائيل يوم 7.10.2023 انهيارًا فوريًا لثلاثة مبادئ أساسية — الردع، والإنذار، والدفاع — التي تشكّل جوهر العقيدة غير الرسمية للأمن القومي القائم على رؤية دافيد بن ־ غوريون.

ويمثّل هذا الانهيار إنذارًا صارخًا حول اختلال التوازن بين المبادئ، خصوصًا بين مبدأ الإنذار ومبدأ الدفاع؛ إذ إنّ الاعتماد على التحذير المسبق دون استعداد كافٍ للدفاع عن الحدود قد يؤدي إلى نتائج مأساوية وتكرار أحداث مشابهة أو أسوأ من السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.

يوصي مراقب الدولة بأنه، في ضوء أحداث 7.10، يجب على رئيس الوزراء، بالتعاون مع الكابينت أو الحكومة، ضمن صياغة مفهوم منظّم للأمن القومي، أن يعيدوا تقييم التوازن بين مبادئ الردع والإنذار والدفاع، وكيفية تكييف تطبيقها مع الواقع المتغيّر وأنماط التهديد الحالية والمستقبلية، مع الفهم بأنّ التحذير لن يكون دائمًا وأنّ "خط التماس قد يُخترق دومًا".

ورغم أنّ وضع مفهوم محدث للأمن القومي لا يضمن عدم تكرار الأحداث، فإنّ مجرد وجود عملية دورية ومنظمة لتقييمه سيساعد المستويين السياسي والأمني على فحص الافتراضات الأساسية، وتوضيح الأسئلة الجوهرية مثل مدى الردع وموثوقية الاستخبارات، وتحديد الأهداف وتقييم إمكانية تحقيقها، وإدارة المخاطر وتحديد ما يمكن للدولة احتماله منها، وتخصيص الموارد وفق ذلك، وخلق لغة مشتركة بين مختلف المستويات.

يُشار إلى أنه قُبيل انتهاء المراجعة، وبعد إرسال مسودة التقرير للملاحظات، أُقرّ في حزيران/يونيو 2025 "قانون إستراتيجية الأمن القومي لسنة 2025"، الذي نصّ على أنه عند تشكيل حكومة جديدة، يقوم مجلس الأمن القومي بصياغة اقتراح للإستراتيجية السياسية – الأمنية لإسرائيل، يتناول الفرضيات الأساسية المتعلقة بالتحديات والفرص السياسية والأمنية التي تواجهها الدولة، ويعرض تصنيف التهديدات ووسائل مواجهتها، بما في ذلك بدائل وخيارات متعددة. كما نصّ القانون على أن تصادق الحكومة أو الكابينت على الإستراتيجية خلال خمسة أشهر من تشكيل الحكومة الجديدة بعد عرضها عليهم" - الى هنا نص التقرير .

بانيت المصدر: بانيت
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا