آخر الأخبار

الوحدة السياسية: بين مطلب الجماهير وشجاعة القيادات

شارك

يأتي استطلاع معهد “ستات نت” الأخير ليضع أمامنا مرآة صادقة تعكس المزاج الشعبي العربي في الداخل، وتكشف عن رغبة واضحة في الوحدة السياسية، إلى جانب استعداد للتفكير بمرونة في حال تعذّر تحقيقها. الأرقام الواردة في الاستطلاع ليست مجرد نسب مئوية، بل هي رسائل مباشرة إلى القيادات الحزبية، تدعوها إلى التحلي بالشجاعة، وتجاوز الحسابات الضيقة، والانفتاح على مشروع سياسي جامع يضع مصلحة الناس فوق كل اعتبار.

فقد أظهر الاستطلاع أن 76% من المستطلَعين يؤيدون إعادة تشكيل القائمة المشتركة، وهو مؤشر قوي على أن الوحدة ليست ترفًا سياسيًا، بل مطلبًا جماهيريًا واسعًا. وفي الوقت ذاته، عبّر 78% عن قبولهم خيار القائمتين، شرط أن يكون هناك اتفاق فائض أصوات يحفظ التمثيل ويمنع ضياع الأصوات. هذا التوازن بين الرغبة في الوحدة والمرونة تجاه القائمتين يعكس إدراكًا شعبيًا بأن الانقسام ليس الخيار المثالي، لكنه قد يكون مقبولًا إذا جرى ضمن تفاهمات مسؤولة.

أما في سؤال القيادة، فقد برز أحمد الطيبي بنسبة 60% كالأكثر ملاءمة لرئاسة المشتركة، يليه سامي أبو شحادة (48%) ثم يوسف جبارين (43%) ومنصور عباس (40%). هذه الأرقام تكشف أن الجمهور لا يفتقر إلى أسماء قيادية، لكنه يطالب برؤية جامعة تتجاوز الشخصنة، وتفتح المجال أمام قيادة جماعية قادرة على إدارة التباينات بروح المسؤولية.

اللافت أيضًا أن 54% من المستطلَعين يؤيدون إقامة حزب عربي جديد، مقابل 43% يعارضون. هذه النسبة تعكس تعطشًا لتجديد الدماء السياسية، وإدخال شخصيات مستقلة من خارج الأطر الحزبية التقليدية، من أكاديميين ونقابيين وناشطين اجتماعيين، لتوسيع الصفوف وزيادة نسبة التصويت. فالجمهور يريد أن يرى مشروعًا سياسيًا لا يقتصر على الأحزاب القائمة، بل يحتضن طاقات جديدة قادرة على مخاطبة شرائح أوسع من المجتمع.

إن الرسالة المستخلصة من هذا الاستطلاع واضحة:

1. الوحدة ليست خيارًا ثانويًا، بل مطلبًا جماهيريًا ملحًا. الناس يريدون قائمة مشتركة تعيد الثقة وتمنع التشرذم.
2. المرونة مطلوبة. قبول خيار القائمتين مع فائض أصوات يعكس استعداد الجمهور للتكيف، لكن بشرط أن تكون هناك إدارة رشيدة تمنع ضياع الأصوات.
3. توسيع الصفوف ضرورة. دعم أكثر من نصف المستطلَعين لفكرة حزب جديد يعني أن هناك حاجة لفتح المجال أمام شخصيات مستقلة، لتكون جزءًا من المشروع السياسي، مما يعزز المشاركة ويمنح أي صيغة انتخابية شرعية أوسع.


من هنا، فإن المطلوب من القيادات الحزبية اليوم هو التحلي بالشجاعة، والقدرة على تجاوز الخلافات، والوعي بأن اللحظة التاريخية لا تحتمل التردد أو الحسابات الضيقة. إن إعادة تشكيل القائمة المشتركة، أو حتى صياغة تحالف جديد أكثر شمولًا، يجب أن يكون هدفًا استراتيجيًا، لا مجرد خطوة تكتيكية. فالجمهور قال كلمته بوضوح: الوحدة أولًا، والانفتاح ثانيًا.

إن الاستطلاع ليس مجرد أرقام، بل هو جرس إنذار وفرصة في آن واحد. جرس إنذار لأن استمرار الانقسام سيؤدي إلى عزوف جماهيري، وتراجع نسبة التصويت، وخسارة مقاعد برلمانية. وفرصة لأنه يفتح الباب أمام مشروع سياسي جديد، قادر على استعادة الثقة، وتوسيع المشاركة، وبناء قاعدة جماهيرية أوسع.

الكرة الآن في ملعب القيادات. فهل يلتقطون الرسالة ويترجمونها إلى وحدة حقيقية ومشروع سياسي جامع؟ أم يتركون الفرصة تضيع، ويتركون الجمهور يواجه خيبة أمل جديدة؟

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا