آخر الأخبار

بروفيسور سيمونسون لـ بكرا: الصراع ليس دينيًا بل سياسيًا... لكن الدين يمكن أن يعيد بناء الثقة بين اليهود والعرب

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

في حديث خاص لموقع "بكرا"، يؤكد البروفيسور أورئيل سيمونسون، مدير "حاضنة حيفا لبحث الأديان" وأستاذ دراسات الشرق الأوسط والإسلام في جامعة حيفا، أن الدين ما زال يشكّل الإطار الأهم لفهم المجتمع الإسرائيلي وبناء جسور الثقة بين مكوّناته، في وقت تراجعت فيه لغة الحوار وتعمّق الانقسام بين العرب واليهود.

ارتباط بالدين

يقول سيمونسون إن أكثر من 80% من سكان إسرائيل، سواء كانوا يهودًا أم عربًا، مرتبطون بشكل مباشر بالدين. هذا الرقم، كما يوضح، لم يأتِ من فراغ بل يستند إلى أبحاث علمية دقيقة، ويعني أن الدين ليس مجرد إيمان أو طقس، بل نسيج حياة اجتماعي وثقافي. "الناس المنتمون إلى جماعات دينية يعيشون في بيئة لا تقوم فقط على العبادة، بل أيضًا على التضامن الاجتماعي، والتعليم، والعدالة، والالتزام بالقيم"، يقول سيمونسون، مضيفًا أن هذا الإدراك قاده إلى تأسيس "حاضنة حيفا لبحث الأديان" قبل خمس سنوات، بهدف استخدام الدين كأداة لفهم المجتمع وحل أزماته.

الحاضنة، كما يشرح، تسعى إلى خلق فضاء حوار يجمع ممثلي الديانات المختلفة – يهودًا، مسلمين، مسيحيين ودروزًا – للحديث أولًا عن معتقداتهم، ثم عن مجتمعاتهم، وأخيرًا عن واقع الحياة المشتركة. "بعد السابع من أكتوبر، أصبح الحوار السياسي بين اليهود والعرب شبه مستحيل، لكن الدين ما زال يتيح لنا بداية حديث صادقة وآمنة"، يقول سيمونسون، مشددًا على أن الحاضنة تحاول من خلال اللقاءات الدينية أن تفتح نوافذ جديدة عندما تغلق السياسة الأبواب.

طبيعة الصراع

وعند سؤاله عن طبيعة الصراع في المنطقة، يوضح سيمونسون أن الصراع في جوهره قومي وسياسي بين شعبين يقرآن الماضي بصورة مختلفة ويتصرفان في الحاضر وفق رؤى متناقضة. لكنه يرفض تعريفه كصراع ديني. "الصراع ليس دينيًا، لكنه يمكن أن يُدار بأدوات دينية تساعد على فتح مسار جديد في الفهم القومي والسياسي"، يقول. فالحوار الديني من وجهة نظره لا يهدف إلى تجاوز السياسة، بل إلى بناء قاعدة إنسانية تمهّد لتفاهم سياسي حقيقي في المستقبل.

سيمونسون يؤمن أن القواسم المشتركة بين الأديان هي أساس ممكن للتعاون. ويضيف: "لدينا تراثات متشابهة جدًا، عاشت جنبًا إلى جنب لمئات السنين. عندما يتحدث رجال الدين أولًا عن الإيمان ثم عن هموم التعليم والفقر والعلاقة مع السلطات، يكتشفون أن مشاكلهم واحدة، وأنهم يواجهون الصعوبات ذاتها رغم اختلاف العقيدة".

السردية الصهيونية

وفي حديثه عن العلاقة بين الدين والسردية الصهيونية، يوضح البروفيسور أن "الرواية الصهيونية الكلاسيكية لا تنفي وجود الفلسطينيين ولا تبرر التمييز أو العنف. لكن طالما يعيش الناس كلٌّ في مكانه دون حوار أو تواصل، فلن يتمكنوا من التفكير في مكان الآخر ولا في حقه بالوجود".

ويرى سيمونسون أن المجتمع الإسرائيلي اليوم لا يعيش كجسد واحد بل كمجموعة قطاعات متباعدة، كما وصفها الرئيس الأسبق رؤوفين ريفلين بـ"القبائل". يقول: "العرب والحريديم يشكّلان مجموعتين هامشيتين في المجتمع الإسرائيلي، ولكلٍّ منهما مصلحة في الانتقال نحو المركز. لذلك نرى تحالفات سياسية غير متوقعة بينهما. كلاهما يسعى إلى الاعتراف والمشاركة في صياغة الواقع بدل البقاء في أطرافه".

ويضيف أن ما يُسمّى بـ"التيار الرئيسي" في إسرائيل هو مجرد وهم. "لا يوجد تيار رئيسي في إسرائيل"، يؤكد، "هناك أوهام بأغلبية متجانسة تفكر بالطريقة نفسها، لكنها تتفكك الآن. ما يوحّدنا هو جواز السفر فقط، لا شعور جماعي بالانتماء. المهمة الحقيقية هي أن يشعر الجميع – عربًا، حريديم، ويهودًا علمانيين – بأنهم جزء متساوٍ من هذا المكان. يجب أن نأتي بالعرب إلى مركز الحياة، ليس إلى المركز السياسي فحسب، بل إلى مركز الوجود، إلى قلب المجتمع".

مشروع اجتماعي

ورغم طابعه الأكاديمي، فإن مشروع سيمونسون لا يقتصر على البحث بل يمتد إلى الريادة الاجتماعية. يروي: "منذ أكثر من عامين أعمل مع مجموعة من 25 قائدًا دينيًا في حيفا – حاخامات من التيار الديني الصهيوني، أئمة، قساوسة، مشايخ دروز، ونساء من هذه المجتمعات. نلتقي بشكل دوري لنتعرّف ونتعلم كيف نعمل معًا. هؤلاء القادة يزورون المدارس ليُظهروا للأطفال أن الحوار ممكن بين الأديان، وأن الخلاف لا يمنع الشراكة."

ويضيف: "ميزة الجامعة أننا جهة محايدة. لسنا سياسيين ولا نمثل أي طرف. هذا ما يمنحنا الثقة لدى جميع المجموعات. هدفنا تحويل المعرفة الأكاديمية إلى فعل اجتماعي ملموس".

وعندما سُئل عن صدق المشاركين من الأقليات في اللقاءات، أجاب: "أنا لا أتعامل مع مفاهيم الحقيقة والعدالة المطلقة. لكل إنسان حقيقته وعدالته. الهدف ليس الوصول إلى حقيقة واحدة، بل إلى قدرة على قبول الحقيقة الأخرى دون خوف أو تهديد. من هنا يبدأ التعاون الحقيقي."

ويستشهد بتجربة من أحد اللقاءات: "أحد الأئمة تحدث عن قصة إبراهيم عليه السلام، وقال إن الابن الذي أراد التضحية به كان إسماعيل، وليس إسحاق. غضب بعض الحاخامات في البداية، لكنهم تعلموا لاحقًا أن يعيشوا مع اختلاف الروايات. الهدف ليس توحيدها، بل تطوير القدرة على التعايش معها".

مسار التغيير

وعن رؤيته للتغيير، يقول سيمونسون إن المسار طويل وبطيء، لكنه ضروري. "لا يمكن أن ننتقل من الصفر إلى المئة في يوم واحد. الهدف ليس إقناع الناس بفكرة جديدة، بل أن يشكّوا في يقينهم، أن يتعلموا أن يروا العالم بعيون مركبة، لا بالأبيض والأسود".

ويرى أن التعليم الجامعي يجب أن يزرع غريزة الشك الصحي، موضحًا: "أريد لطلابي أن يسألوا دائمًا: من كتب هذا؟ ولماذا كتبه؟ ومن أين مصدره؟ هذا هو التفكير النقدي الذي يحتاجه مجتمعنا. عندما يعود هؤلاء الطلاب إلى مجتمعاتهم كمواطنين مفكرين، نكون قد نجحنا فعلًا."

وفي ختام حديثه مع "بكرا"، يقول البروفيسور أورئيل سيمونسون:"الطريق إلى حياة مشتركة في إسرائيل تمرّ عبر فهم الآخر، لا عبر محاولة تغييره، وعبر تحويل الجامعة إلى جسر يربط بين المعرفة والمجتمع."

بكرا المصدر: بكرا
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا