منذ تأسيسها، شكّلت لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في الداخل الفلسطيني عنوانًا وطنيًا جامعًا، ومظلة سياسية تمثل القضايا الكبرى التي تواجه المجتمع العربي في إسرائيل. لكنها اليوم، وبعد أكثر من أربعة عقود على إنشائها، تواجه أزمة بنيوية تتطلب مراجعة جذرية، ليس فقط في بنيتها التنظيمية، بل في علاقتها المتآكلة مع الجمهور، الذي بات قليل الاهتمام ببياناتها واجتماعاتها، وأقل امتثالًا لقراراتها. هذه الفجوة بين اللجنة والجمهور ليست وليدة اللحظة، بل تراكمت على مدار سنوات من الجمود التنظيمي، والتمثيل الضيق، والخطاب المنفصل عن هموم الناس.
الجسم الناخب لرئاسة اللجنة يتكوّن من 71 شخصًا، معظمهم منتمون لأطر حزبية تقليدية، بعضها فقد حضوره الشعبي منذ سنوات، وبعضها الآخر لا يملك قاعدة جماهيرية فعلية. هذا التكوين الضيق لا يعكس التنوع المجتمعي، ويُقصي شرائح واسعة من المجتمع المدني، النقابات، والناشطين. الأسوأ من ذلك أن بعض الجهات الممثلة في اللجنة تتمتع بتمثيل يفوق عدد المنتسبين الفعليين لها، ما يخلق خللًا واضحًا في التوازن الديمقراطي. هذا الواقع يُضعف شرعية اللجنة، ويجعلها تبدو وكأنها هيئة مغلقة، غير قادرة على التعبئة الجماهيرية أو التأثير الحقيقي في القضايا المصيرية، مثل مواجهة العنف والجريمة، الدفاع عن الأرض والمسكن، والتصدي للتمييز المؤسسي.
لكي تستعيد اللجنة هيبتها وثقة الجمهور، لا بد من تحديث بنيتها عبر توسيع الجسم الناخب ليشمل شرائح مجتمعية فاعلة ومؤثرة، ترتكز على قاعدة تمثيل حقيقية، تشمل أعضاء المجالس المحلية والبلدية باعتبارهم منتخبين من الجمهور ويعكسون احتياجاته اليومية، وهم على تماس مباشر مع قضايا الناس. كما يجب إشراك نقابات الأطباء والمحامين والعمال لما لها من دور فاعل في الدفاع عن الحقوق المهنية والاجتماعية، وتمثيلها لقطاعات واسعة من المجتمع. ولا يمكن إغفال المجتمع المدني والغرف التجارية كممثلين عن النسيج الاقتصادي والاجتماعي، ولهم حضور فعلي في الحياة اليومية للمواطنين. هذا التوسيع يمكن أن يرفع عدد الناخبين إلى ألف شخص على الأقل، ما يُعزز شرعية اللجنة ويمنحها قدرة أكبر على التعبئة واتخاذ قرارات تعكس الإرادة الشعبية، بدلًا من أن تبقى رهينة لتحالفات حزبية ضيقة.
لا يمكن للجنة أن تطالب الجمهور بالامتثال لقراراتها وهي لا تمثله فعليًا. المطلوب هو إعادة بناء العلاقة مع الناس، عبر إشراكهم في صناعة القرار، وتبني خطاب يعكس همومهم اليومية، لا مجرد بيانات موسمية تُنشر في أوقات الأزمات. يجب أن تتحول اللجنة إلى منصة حوار مفتوح، تُصغي إلى نبض الشارع، وتُشركه في رسم السياسات، لا أن تكتفي بإصدار بيانات لا تجد صدى في الواقع. كما أن استعادة الثقة تتطلب شفافية في العمل، ومأسسة حقيقية تضمن استمرارية الأداء، وتُخرج اللجنة من حالة الجمود التنظيمي التي تعاني منها منذ سنوات.
لجنة المتابعة بحاجة إلى تحديث عميق، يعيد لها هيبتها ويجعلها صوتًا حقيقيًا للجماهير العربية. التغيير يبدأ من الداخل، من آلية التمثيل، ومن فهم أن الشرعية لا تُمنح، بل تُكتسب من الناس. إن بناء جسم ناخب واسع ومتنوع هو الخطوة الأولى نحو لجنة قوية، شرعية، وقادرة على أن تكون عنوانًا وطنيًا جامعًا بحق، لا مجرد انعكاس لتحالفات حزبية عفى عليها الزمن.
المصدر:
كل العرب