آخر الأخبار

ليسوا عاطلين بل بلا فرصة: بين تدريب جاد وسوق عمل غائب

شارك

في زحمة الخطاب العام، تسللت عبارة "عاطلون عن العمل" إلى وجدان المجتمع كأنها حقيقة نهائية، وراح كثيرون يُحمّلون الشباب العرب مسؤولية واقع اقتصادي واجتماعي قاسٍ. لكن التقرير الجديد الصادر عن المنتدى الاقتصادي العربي يُعيد ترتيب المشهد، ويكشف ما هو أعمق: هؤلاء الشباب ليسوا عاطلين بإرادتهم، بل محرومين من مُشغّلين، من فرص، من اقتصاد محلي عادل ومنتج.
ورغم أن نسبة الـNEET (أي من لا يعملون ولا يدرسون) بين الشباب العرب تبلغ 35% للنساء و26% للرجال، إلا أن هذه النسب تتقلص إلى 16% و14% على التوالي بعد استبعاد من يدرسون أو يتدربون أو يبحثون عن عمل. المقارنة هنا مهمّة: بين الشباب اليهود، النسب تصل إلى 9% فقط. إذًا، القضية ليست كسلًا، بل نقصًا بنيويًا في سوق العمل.
الرقم الذي يجب أن يصدمنا ليس 35% من النساء العربيات خارج سوق العمل والتعليم، بل حقيقة أن معظمهنّ، ومعهنّ شباب كثيرون، في حالة نشاط فعلي: يتدرّبون، يدرسون، يبحثون بجد. الصورة النمطية عن "الجيل الكسول" تنهار عند أول تمعّن، ويظهر الكسل الحقيقي في السياسات العامة، في غياب المشغّلين النوعيين، في خارطة صناعية مجمدة.
الجنوب، كما يُظهر التقرير، هو مرآة فجواتنا: بلدات عربية بلا مصانع، بلا شركات متوسطة، بلا قطاعات تقنية، بلا فرص حقيقية. لا يكفي أن نطالب الشاب بالتحصيل إذا كان مصيره بعد الشهادة هو العودة إلى نقطة الصفر، إلى بلدة لا تستثمر الدولة فيها إلا الفُتات.
هذا الواقع لا يُغفل أهمية التدريب. آلاف الشبان والشابات العرب ينخرطون في برامج تأهيل، يدرسون بجدّ، ويستثمرون سنوات من أعمارهم في تحسين فرصهم. لكن المعادلة مختلّة: العائد على التعليم أقل بنسبة ملحوظة لغير اليهود، ونسبة عدم التطابق بين التخصصات وسوق العمل أعلى بينهم.
وما يزيد الطين بلّة أن البنية التحتية الاقتصادية في البلدات العربية هشّة: عدد المصالح المتوسطة للفرد أقل بـ35% مقارنة بالبلدات غير العربية، والكبيرة أقل بـ65%. الجنوب مثال فاضح: بلدات بلا مصانع، بلا شركات تكنولوجيا ، بلا قطاعات خدمات متقدمة. الشاب المتدرّب يصطدم بجدار مسدود. حتى أدوات الانتقال – كالمواصلات العامة – تُشكّل عائقًا إضافيًا. الطرق مزدحمة، وسائل النقل غير منتظمة، والتنقل الجغرافي صعب، خصوصًا للنساء.
كل ذلك يُفضي إلى نتيجة واحدة: التدريب ضروري، لكنه ليس عصا سحرية. لا يمكن تحميل الأفراد مسؤولية الإقصاء إذا لم توفَّر لهم فرص حقيقية، قريبة، وملائمة لتأهيلهم.
الحل يبدأ من الطلب، لا من العرض فقط. نحتاج إلى:
1. حوافز حكومية واضحة لجذب مشغّلين متوسطين وكبار إلى محيط التجمعات العربية.
2. ربط التدريب بمسارات تشغيلية فعلية: برامج تعلم-عمل، تدريب عملي مدفوع الأجر، وإشراف مهني مباشر.
3. تعزيز البيئة الاقتصادية في البلدات العربية من خلال الجمع بين سياسات "التعويض" عن الموقع الطرفي (مثلاً التعاون مع مشغّلين خارج المنطقة) وسياسات "الاستغلال الإيجابي" التي تركّز على استثمار المزايا التنافسية المحلية (مثل المعرفة التقليدية أو الخبرة الفريدة).
الشباب العربي ليس جيلًا تائهًا، بل طاقة معلّقة. وإذا استمرت الدولة في تجاهل فجوة الطلب، فإن كل استثمار في التعليم سيبقى ناقصًا. إذا أردنا تغيير الواقع، علينا أولًا أن نغيّر السردية: لسنا أمام "جيل ضائع"، بل أمام سوق عمل راكد. لسنا أمام مجتمع لا يريد أن يعمل، بل أمام دولة لم تُحضّر له عملًا.
الشباب ليسوا عبئًا، بل فرصة ضائعة.

المقال مستند إلى نتائج تقرير "محرومو الفرص: الشباب العرب بين رأس مال بشري مُهدر وغياب فرص عمل محلية"، الصادر في أكتوبر 2025 عن أرنون باراك وسامي ميعاري، المنتدى الاقتصادي العربي.

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا