مضي اسبوعان على توقيع اتفاق وقف الحرب في غزة في شرم الشيخ ومن ثم "مؤتمر السلام" الذي شهد توقيع أربع دول ضامنة للاتفاق وهالي الولايات المتحدة الامريكية ومصر وقطر وتركيا، وشهد هذا التوقيع ما يقارب 30 دولة من العالم في أكبر احتفاء تاريخي بتوقيع مثل هذا الاتفاق والذي أراده ترامب ان يكون حدثا تاريخا مشهود، وارادت مصر بالمقابل ان يكون هذا التوقيع على ارضها باعتبارها لاعبا مركزيا في استقرار المنطقة والشرق الأوسط ومن ارضها ينطلق قطار السلام وعند حدودها يتوقف هذا القطار. مر اسبوعان على الاتفاق ولم تشهد المرحلة الاولي منه أي تقدم سوي تسليم حركة حماس كل ما لديها من أسرى إسرائيليين احياء , وما استطاعت انتشاله من جثث لقتلي إسرائيليين محتجزين لديها وانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي الي "الخط الوهمي الأصفر" وتبقي في النصف الاخر من القطاع . توقفت الحرب الا ان هذا التوقف معرض للانتهاك في أي وقت وعلى ما يبدوا ان اسرائيل لا تريد ان تلتزم كليا بوقف إطلاق النار ولا تريد في ذات الوقت ان تنتقل للمرحلة الثانية وهي الأهم باعتبارها الاختبار الحقيقي لمدي جدية إسرائيل ورغبتها بأنهاء الحرب على غزة.
زخم امريكي في تل ابيب عنوانه تثبيت وقف اطلاق النار والانتقال للمرحلة الثانية , (جاريد كوشنر و ستيفن ويتكوف وجي دي فانس) نائب الرئيس ترمب وأخير (مارك روبيو) وزير الخارجية الأمريكي وصلوا الي تل ابيب للقاء نتنياهو والمسؤولين الإسرائيليين من اجل تثبيت وقف اطلاق النار وبدء المرحلة الثانية والتي تدشن أنشاء وبدء عمل "مركز التعاون الأمني والعسكري " في منطقة (كريات غات) للأشراف على تنفيذ خطة انهاء الحرب على غزة ,ويضم هذا المركز ضباط إسرائيليين وأمريكيين وممثل شخصي لنتنياهو وضباط ممثلين عن مصر والأردن والامارات وقطر وبعض الدول الأخرى , وهو مركز معلومات متقدم يتلقى المعلومات من الأطراف ويقوم بمراقبة سير خطوات وقف اطلاق النار من الجو عبر مسيرات أمريكية متقدمة وعلى الأرض ,ولدية الصلاحية بالتدخل فوراً في حال تم اختراق وقف اطلاق النار كما ان لدية الحق في متابعة تقدم وسير خطوات المراحل التالية من اتفاق انهاء الحرب على غزة وهو باعتباره غرفة عمليات متقدمة ومشتركة تحافظ على دوام واستمرار وقف اطلاق النار وتراقب سير خطة ترمب للسلام في الشرق الأوسط بدأ من غزة ,وتحاول بقدر الإمكان منع أي اختراق قد يدمر ويفجر الاتفاق برمته ,ويقوم هذا المركز برفع تقارير عن حالة وقف اطلاق النار وتقدم خطة الرئيس ترمب اول بأول للمستوي السياسي الأمريكي والإسرائيلي والوسطاء المعنيين بحالة السلام في غزة. ويكون هذا المركز على اتصال مباشر بالقوات المتعددة الجنسيات وعلى اتصال بأطراف الصراع على الجانب الاخر وهذا الاتصال يهيئ للمركز آلية مناسبة وسريعة لتقلي المعلومات المطلوبة لمراقبة تنفيذ الاتفاق ويكون من مهمة هذا المركز توجيه عمل القوات المتعددة الجنسيات عبر قيادة القوات التي تعمل بالتنسيق الكامل مع المركز.
لأول مرة ترسل مصر وزير مخابراتها اللواء (حسن رشاد) لتل ابيب في مهمة تنحصر تشكيل القوة المتعددة الجنسيات التي ستنتشر في غزة بعد انسحاب اسرائيل من الخط الأصفر للمناطق العازلة التي اتفق عليها الطرفان في شرم الشيخ والدول التي ستشارك فيها وقيادة هذه القوات ومواقع هذه القوات وأماكن تموضعها على الحدود بالإضافة الي طبيعة عملها والمهام التي ستقوم بها في غزة وأيضا اشكال الدعم المطلوبة لهذه القوات بالإضافة الي عمل معبر رفح الحدودي وعدم تدخل إسرائيل في عمل المعبر او أغلاقه باعتباره نقطة مهمة من بنود المرحلة الاولي للاتفاق . ولعل هناك خلاف مصري إسرائيلي على العديد من هذه النقاط في هذا الملف واهمها ان مصر تري في مشاركة كل دول العالم التي ترغب في ارسال قوات لغزة الحق لها في ذلك ,وتري ان من الأهمية بمكان ان تشارك الدول الضامنة الرئيسية بقوات كبيرة وهي (مصر وأمريكا وقطر وتركيا) دون اعتراض إسرائيلي لان هذه القوات لن تقيم على الأرض الإسرائيلية وهذه قوات مهمتها نشر وتحقيق السلام في غزة بعد سنتين من الحرب الهمجية على الفلسطينيين ,وتري مصر ان مهمة هذه القوات هي مهمة امنية شرطية بالمحدد الاول ولا يمكن ان تكون لها مهمات عسكرية او ان تزج في الصراع بين حماس وإسرائيل اذا ما انهار اتفاق وقف اطلاق النار ولا يمكن لها ان تؤدي أي اعمال عسكرية تريد إسرائيل منها القيام بها ,أي انها ليس أداة في يد إسرائيل ولا حتي أمريكا وقرارها يأتي من واقع العمل المشترك لتحقيق سلام دائم في القطاع. اما في موضوع السلاح فاعتقد ان لهذه القوة دورما في تسلُم سلاح الفصائل الفلسطينية وتفكيك المخازن والمستودعات ونقلها الي مصر لتخزينها هناك كعهدة ولا تسلم لإسرائيل باعتبار انها قوات محايدة كما وان لها دور في انهاء مسالة انفاق المقاومة بردمها بطريقة تحول دون إعادة استخدامها من جديد ,وقد تكون هناك أدوار اخري حسب اعتقادي لكن لم يتم الإفصاح عن كامل الدول والمهمات الرئيسية لعمل هذه القوات لكن بالمجمل فان اطار عملها سيكون محصور في كل امر يحقق استدامة للهدوء والامن والاستقرار على الحدود بين غزة وإسرائيل ولن يكون لها أي دور شرطي في موضوع الامن الداخلي حيث ستتولى قوة شرطة فلسطينية تم تدريبها في القاهرة هذه المهمة للحفاظ على الامن الداخلي وإدارة وتنظيم الحياة المدنية وتحقيق سريع للسلم الاهلي الذي يمكن غزة من التعافي والنهوض من الكارثة والنكبة التي المت بها بسبب حرب الإبادة الإسرائيلية.
الحقيقة ان إسرائيل تضع في كل عجلة عصا ولا ترغب في ان تسير القاطرة للنهاية كعادتها التي عرفناها على مدار التاريخ وخاصة خلال هذه الحرب ,فإسرائيل تعترض اليوم على قائمة الدول التي تشارك في هذه القوة حيث ترفض مشاركة (تركيا والباكستان) في هذه القوة وترغب بقوة في مشاركة (أذربيجان) فيها ولا تمانع بمشارك الأردن ومصر ولكنها تمانع قيادة مصر لهذا لقوات وتتحجج إسرائيل برفضها مشاركة (تركيا والباكستان) بان هذه الدول مقربة من حركة حماس وتنسي إسرائيل ان الولايات المتحدة هي التي اوصت بتشكيل هذه القوات ومشاركة الدول فيها ,واعتقد ان تركيا هي دولة رئيسية في المعادلة اليوم بسبب انها دولة ضامنة لهذا الاتفاق ووجودها يشكل قوة الى جانب قوة مصر ويعني نجاح كامل للمهمات الاساسية لعمل هذه القوة في غزة. لقاء اللواء (حسن رشاد) مع نتنياهو كان عاصفا وتخلله الكثير من التشنجات بسبب إصرار إسرائيل على رأيها بمنع تركيا من المشاركة وهذا ما تطلب دور امريكي بلغة امريكية حازمة مع إسرائيل . مهما كانت الخلافات فان مصر تتقدم في العمل الدبلوماسي في المنطقة وهذا التقدم يحظى بدعم امريكي كبير وهذا يعني ان مصر دائما تكون على حق لأنها تعرف طبيعة المنطقة وتعرف بالضبط ما يمكن ان يفشل اتفاق وقف إطلاق النار وخطة ترمب للسلام وخاصة ان الدور الأكبر لمصر في عملية السلام في الشرق الأوسط هو دور مركزي ودون هذا الدور اعتقد ان أمريكا لن تنجح وحدها دون عمل مشترك من قبل مصر والأردن والسعودية والامارات وقطر.
بذل (مارك روبيو) وزير الخارجية الأمريكي جهد كبير لمحاولة جسر الفجوات في هذا الموضوع بين اسرائيل ومصر وطلب من نتنياهو شخصيا منح الاتفاق فرصة حقيقية والمساعدة في تطبيقه واعتقد ان موقف الولايات المتحدة هذه المرة مع مشاركة تركيا وفي نفس الوقت تطمئن إسرائيل حول هذه المشاركة. تسعي الولايات المتحدة و الدول الشريكة لمشروع قرار من مجلس الامن لاعتماد هذه القوة كقوة سلام شرعية منوط واجبها بتحقيق السلام في غزة وتسعي بعض الدول ان يكون تفويض هذه القوة من الأمم المتحدة للعمل في غزة بما ينسجم مع متطلبات الحالة الراهنة بعد الحرب حسب نصوص ميثاق الأمم المتحدة. وصول (روبيو) الي تل ابيب جاء بهدف ازالة العديد من نقاط الخلاف حول هذا الملف ويساهم في إزالة العصي من دواليب سير عملية تنفيذ خطة ترمب للسلام وفي زات الوقت ابلاغ نتنياهو برسائل حازمة من ترمب بعدم اعاقة أي تقدم في تنفيذ الخطة وعدم الاقدام على أي عمل عسكري في غزة قبل ابلاغ ادارته والإسراع في بدء فعلى للمرحلة الثانية من الاتفاق بما يسمح بدء توافد وانتشار القوات المتعددة الجنسيات تهيئة لتنفيذ انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من الخط الأصفر في غزة وتهيئة لتولي مجلس الحكم العمل في القطاع لتنفيذ خطط التعافي المبكر وتوفير الامن والاستقرار الداخلي.
المصدر:
كل العرب