آخر الأخبار

ترامب يعيد رسم الشرق الأوسط: بين الواقعية السياسية والتناقضات الخطابية

شارك

ترامب يعيد رسم الشرق الأوسط: بين الواقعية السياسية والتناقضات الخطابية

بقلم: محمد دراوشة

في مقابلة نُشرت اليوم في مجلة “تايم” الأمريكية، قدّم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، سلسلة من التصريحات التي تعكس رؤيته السياسية تجاه الشرق الأوسط، وتحديداً العلاقة مع إسرائيل والقضية الفلسطينية. رفضه القاطع لضم الضفة الغربية جاء بصيغة حاسمة، إذ قال إن إسرائيل “ستفقد كل الدعم الأميركي” إذا أقدمت على هذه الخطوة، مشيراً إلى التزامه تجاه الدول العربية التي طوّرت علاقاتها مع إسرائيل في إطار اتفاقيات أبراهام. هذا التصريح لا يحمل فقط موقفاً سياسياً، بل يعكس إدراكاً استراتيجياً لتوازنات دقيقة في المنطقة، حيث التطبيع مع الدول العربية بات أحد أعمدة السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.

لكن اللافت في المقابلة هو الطريقة التي يتعامل بها ترامب مع قضايا معقدة وحساسة، وكأنها مجرد صفقات تجارية أو تفاهمات شخصية. انتقاده لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقوله إنه “أوقفه” عن الاستمرار في التصعيد العسكري لأن “العالم تعب من الهجمات”، يعكس فهماً مبسطاً لطبيعة الصراعات في المنطقة، ويقلل من تعقيداتها السياسية والتاريخية. كما أن وصفه لإسرائيل بأنها “مكان صغير لا يمكنه محاربة العالم” قد يبدو واقعياً من حيث الحجم، لكنه يتجاهل البعد الاستراتيجي الذي لطالما شكّل أساساً للعلاقات الأميركية الإسرائيلية.

تصريحاته حول الهجوم الإسرائيلي في قطر، الذي وصفه بأنه “خطأ تكتيكي فادح”، تكشف عن ميله لاستخدام لغة حادة وغير دبلوماسية، حتى في سياقات تتطلب حساسية عالية. هذا الأسلوب قد يرضي جمهوره الداخلي، لكنه يثير تساؤلات حول مدى جدّيته في التعامل مع حلفاء واشنطن في المنطقة.

في ما يخص القضية الفلسطينية، تحدّث ترامب عن لقائه مع الرئيس محمود عباس في شرم الشيخ، واصفاً إياه بأنه “محترم من شعبه”، لكنه لم يحسم موقفه من قدرته على قيادة الفلسطينيين مستقبلاً. كما كشف عن مناقشات جرت حول إطلاق سراح مروان البرغوثي، لكنه أكد أن القرار لم يُتخذ بعد. هذه التصريحات توحي بأن ترامب لا يزال يرى في القضية الفلسطينية ملفاً مفتوحاً، لكنه يفضّل التعامل معه عبر شخصيات “معتدلة” وفق رؤيته، دون أن يقدّم تصوراً واضحاً لحل سياسي شامل.

أما في ما يتعلق بإيران، فقد عبّر عن قناعته بأن “التهديد الإيراني انتهى”، مؤكداً أن الشرق الأوسط يعيش حالة من السلام باستثناء حماس، التي وصفها بأنها الطرف الوحيد الخارج عن الإجماع. كما أبدى تفاؤله بانضمام السعودية إلى اتفاقيات أبراهام قبل نهاية العام، مشيداً بعلاقته الشخصية مع الملك السعودي، ومعتبراً أن المملكة ستقود الطريق نحو مزيد من التطبيع.

مقابلة ترامب في “تايم” ليست مجرد تصريحات إعلامية، بل هي بيان سياسي يعكس توجهات الرئيس الأميركي الحالي في إدارة ملفات الشرق الأوسط. وبين التحذير والدبلوماسية، وبين الواقعية والمبالغة، يبدو أن ترامب يسعى لتثبيت نفسه كمهندس جديد للمنطقة، لكن بأسلوب يثير الجدل أكثر مما يقدّم حلولاً مستدامة. فخطابه يتسم أحياناً بالتناقض، إذ يعبّر عن دعم للسلام والتطبيع، لكنه يتجنّب الخوض في تفاصيل جوهرية تتعلق بحقوق الفلسطينيين أو مستقبلهم السياسي. ورغم حديثه عن لقاءات مع الرئيس محمود عباس، وإشارته إلى احترامه من قبل شعبه، فإن ترامب لم يقدّم أي رؤية واضحة أو التزام فعلي تجاه إقامة دولة فلسطينية مستقلة. بل إن تصريحاته حول البرغوثي، والحديث عن “مجلس السلام” الذي يضم أطرافاً غير محددة، تثير تساؤلات حول مدى جدّية الولايات المتحدة فعلاً في الدفع نحو حل الدولتين، أو ما إذا كانت هذه التصريحات مجرد أدوات لتهدئة الأجواء دون خطوات ملموسة على الأرض.

في ظل هذا الغموض، يبقى السؤال مفتوحاً: هل تملك الإدارة الأميركية الحالية الإرادة السياسية والآليات الفعلية للعمل على إقامة دولة فلسطينية؟ أم أن القضية ستظل تُدار عبر تصريحات إعلامية ومبادرات رمزية، دون أي تغيير حقيقي في الواقع السياسي؟ هذا التساؤل لا يخص الفلسطينيين وحدهم، بل يمس مستقبل الاستقرار الإقليمي، ومصداقية واشنطن كوسيط نزيه في واحدة من أعقد قضايا العالم.

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا