آخر الأخبار

مناورة انتخابية أم تفكيك للديمقراطية؟

شارك

في ظل الأجواء السياسية المتقلبة التي تعيشها إسرائيل، تتجه الأنظار نحو الجلسة البرلمانية المقبلة، التي يُرجّح أن يستغلها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لتعزيز موقعه الانتخابي، في وقت تتزايد فيه التقديرات بأن الكنيست لن تكمل دورتها الحالية. هذه الجلسة، التي قد تبدو تقنية في ظاهرها، تحمل في طياتها أبعادًا استراتيجية عميقة، تتجاوز مجرد خفض نسبة الحسم الانتخابية، لتصل إلى إعادة هندسة المشهد السياسي بما يخدم مصالح الائتلاف الحاكم، ويُضعف فرص التغيير الحقيقي.

خفض نسبة الحسم، الذي يُسوّق له كخطوة لتعزيز التمثيل الديمقراطي، ليس سوى واجهة لخطة أوسع تهدف إلى تفكيك التكتلات المعارضة، وتسهيل دخول أحزاب صغيرة موالية للسلطة، ما يمنح نتنياهو هامش مناورة أوسع في تشكيل ائتلافات مستقبلية أكثر طواعية. هذه الخطوة، التي تُقدَّم كإصلاح انتخابي، تخفي في جوهرها محاولة لتقليص قدرة القوى الكبرى على تشكيل بديل حقيقي، وتحويل الكنيست إلى ساحة مُسيطر عليها مسبقًا، حيث تُدار اللعبة السياسية وفق قواعد جديدة تُفصَّل على مقاس الحاكم.

لكن ما يثير القلق أكثر هو انعكاس هذه التحركات على الساحة السياسية العربية داخل إسرائيل. فبينما تتشدق الأحزاب العربية بشعارات الوحدة والعمل المشترك، نجدها في الواقع تشارك في دعم خفض نسبة الحسم، بدعوى أنه يسهل على الأحزاب الصغيرة عبور العتبة الانتخابية بشكل منفصل. هذا التناقض الصارخ بين الخطاب والممارسة يكشف عن أزمة عميقة في البنية السياسية العربية، التي لم تنجح حتى الآن في بلورة مشروع وحدوي حقيقي، قادر على مواجهة التحديات المتزايدة التي تفرضها السياسات الحكومية.

المفارقة أن خفض نسبة الحسم، الذي يُفترض أن يكون أداة لتعزيز التعددية، يُستخدم اليوم لتفتيت الصوت العربي، وتشجيع التشرذم الحزبي، بدلًا من الدفع نحو توحيد الصفوف. فبدل أن يكون هذا التعديل محفزًا لتشكيل قائمة عربية موحدة، نراه يُستغل لتبرير الانقسام، وتكريس منطق “كل حزب لنفسه”، ما يُضعف التأثير السياسي العربي في الكنيست، ويُفقده القدرة على التأثير في موازين القوى.

في هذا السياق، تبدو مشاركة بعض الأحزاب العربية في دعم خفض نسبة الحسم وكأنها انخراط غير مباشر في مشروع نتنياهو لإعادة تشكيل الخارطة السياسية، حتى وإن كان ذلك بدافع البقاء السياسي. فبدلًا من أن تكون هذه الأحزاب جزءًا من جبهة معارضة حقيقية، تتحول إلى أدوات تُستخدم لتجميل مشروع الهيمنة، وتُسهم – ولو عن غير قصد – في إضعاف فرص التغيير.

إن اللحظة الراهنة تتطلب من القيادات العربية وقفة صريحة مع الذات، ومراجعة جادة للمسار السياسي الذي اختارته. فالوحدة ليست شعارًا يُرفع في المهرجانات، بل هي موقف سياسي يتجلى في الممارسة، وفي القدرة على تجاوز الحسابات الحزبية الضيقة لصالح مشروع وطني جامع. أما الاستمرار في لعبة تفصيل القوانين على مقاس البقاء، فهو مسار قصير النفس، لا يخدم سوى من يسعى إلى تفتيت الصوت العربي، وتحويله إلى ديكور ديمقراطي في مشهد سياسي يُعاد تشكيله على أعين من لا يؤمنون أصلًا بوجود هذا الصوت.

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا