في ظل الحراك الدولي المتسارع لإعادة إعمار غزة بعد سنوات من الحرب والدمار، تبرز أمام صناع القرار مبادرتان مركزيتان تتنافسان على صياغة مستقبل القطاع: الخطة الفرنسية "Imagine Gaza"، والخطة الأمريكية "GREAT Trust".
وفي حديث خاص لموقع "بكرا"، قال المستشار السياسي د. أحمد الخزاعي إن "الخطتين تعكسان رؤيتين متباينتين تماماً؛ حيث تنطلق الخطة الفرنسية من إطار مؤسساتي دولي يستند إلى الشرعية الدولية، فيما تطرح الخطة الأمريكية نموذجاً استثمارياً طموحاً لكنه محفوف بالمخاطر السياسية والإنسانية".
رؤية سياسية متباينة بين واشنطن وباريس
وأوضح الخزاعي أن الخطة الفرنسية، التي قدمت للرئيس إيمانويل ماكرون، "تقوم على إنشاء سلطة مدنية انتقالية فلسطينية تتولى الإدارة المحلية، إلى جانب هيئة دولية تضم الاتحاد الأوروبي، والبنك الدولي، ومؤسسات عربية، لتتولى مهام التخطيط والتمويل والرقابة على الإعمار، مع الالتزام بمبادئ الشفافية الدولية".
وأضاف أن "الولايات المتحدة، في المقابل، تقترح وصاية تبدأ باتفاق ثنائي مع إسرائيل، تنتقل فيه السلطات الإدارية من تل أبيب إلى واشنطن بعد تفكيك حماس، قبل أن تتحول إلى إدارة متعددة الأطراف. وتشمل الخطة أيضاً إمكانية توقيع اتفاق 'ارتباط حر' بين غزة والوصاية الأمريكية، مقابل دعم مالي طويل الأمد".
وأشار إلى أن "الطرح الأمريكي يواجه انتقادات واسعة، كونه يُبقي على السيطرة الخارجية على القرار الفلسطيني، ما يعد انتقاصاً من السيادة، في حين أن الطرح الفرنسي يبدو أقرب إلى منطق القانون الدولي ومبدأ تقرير المصير".
تعقيدات أمنية واقتصادية وتنفيذية
وفي الشق الأمني، لفت الخزاعي إلى أن "باريس تقترح نشر قوة استقرار متعددة الجنسيات من قوات أوروبية وعربية، مع مراقبين أمميين، وتدريب عناصر أمن فلسطينيين لحماية الممرات الإنسانية ومواقع الإعمار".
وتابع: "أما واشنطن، فتتجه إلى استخدام شركات أمن خاصة خلال المرحلة الأولى، مع الاحتفاظ لإسرائيل بحق التدخل الكامل، وهو ما قد يخلق بيئة غير مستقرة أمنياً ويقوض فرص بناء ثقة محلية".
وفيما يتعلق بالتعامل مع حماس، أشار إلى أن "فرنسا تطرح حلاً سياسياً تدريجياً يشمل نزع سلاح الحركة ضمن اتفاق شامل، بينما تشترط واشنطن تفكيكها بالكامل قبل بدء أي عملية إعمار، بل وتطرح مناطق خالية من حماس، مع إمكانية ترحيل طوعي لما يصل إلى ربع سكان القطاع، وهو طرح إقصائي قد يفتح الباب أمام أزمات إنسانية حادة".
اقتصاديًا، قال د. الخزاعي إن "الفرنسيين يعولون على صندوق دولي مشترك يموّل من الاتحاد الأوروبي والخليج والبنك الدولي، مع مساهمة رمزية تُفرض على المعاملات في أسواق الطاقة العالمية".
أما النموذج الأمريكي، فأوضح أنه "يرتكز على ما يُعرف بـ 'توكنات الأراضي'، وهي آلية مالية غير تقليدية تتوقع عائدات تصل إلى 385 مليار دولار خلال عشر سنوات، مع استثمارات عامة وخاصة تفوق 130 مليار دولار، لكن تنفيذها قد يواجه عراقيل قانونية وتنظيمية جدية".
فرص تنفيذ محدودة ودمج ممكن للعناصر
ورأى الخزاعي أن "الخطة الفرنسية تحظى بدعم أوروبي وعربي واسع، وتستعد باريس لطرحها رسميًا خلال مؤتمر مرسيليا عام 2025"، بينما "الخطة الأمريكية تواجه انتقادات حقوقية كبيرة، خاصة في ظل مقترحات مثل الترحيل الطوعي وغياب المرجعية الفلسطينية الرسمية في الهيكل الإداري المقترح".
وختم حديثه بالقول: "نظريًا، يمكن تصور دمج عناصر من الخطتين — الاستفادة من القدرات التمويلية والتكنولوجية الأمريكية، ضمن إطار سياسي شرعي ترعاه أوروبا — لكن ذلك يتطلب توافقًا دقيقًا بين واشنطن وبروكسل والقاهرة والسلطة الفلسطينية، وهو أمر صعب في ظل الانقسام السياسي الحالي".
وأكد د. الخزاعي في نهاية اللقاء أن "إعادة إعمار غزة ليست مشروعًا هندسيًا أو ماليًا فحسب، بل اختبار لإرادة المجتمع الدولي في احترام السيادة الفلسطينية، وتحقيق العدالة، وبناء مستقبل تشاركي، لا يخضع لوصاية ولا يُفرَض بالإكراه".