منذ اندلاع الحرب الأخيرة على غزة، تتابعت المبادرات الدولية، وفي مقدمتها الخطة الأميركية، لوقف إطلاق النار. غير أنّ هذه الخطة وسواها من الطروحات المرحلية لا تُقارب جوهر الصراع، بل تكرّس واقعًا مختلًا يخدم المصالح الإسرائيلية ويُبقي الفلسطينيين رهائن حصار ودمار.
تعقيدات جوهرية تعرقل أي حل عادل..
- الانسحاب المشروط: الطرح الأميركي يربط وقف إطلاق النار بانسحاب إسرائيلي تدريجي، مقابل إطلاق سراح أسرى من الجانبين. لكن هذا الانسحاب لا يتمّ إلا وفق شروط إسرائيلية مشددة، ما يجعل الهدنة أداة ضغط سياسية وليست خطوة نحو سلام شامل.
- إدارة خارجية مفروضة: الحديث عن حكومة أو إدارة انتقالية لغزة من خارج سكانها، يرسّخ شعور الغزيين بأنهم مُستبعدون من تقرير مصيرهم، وأن ثمن صمودهم وتضحياتهم يتم استثماره لإعادة تشكيل واقع سياسي مفروض.
- الفجوة الإنسانية والسياسية: كيف يمكن إقناع شعب فقد أكثر من مئة ألف من أبنائه بين شهيد وجريح، يعيش وسط ركام البيوت والمخيمات، بقبول هدنة لا تضمن إعادة إعمار عاجلة، ولا رفع حصار مستمر منذ عقدين؟
لماذا تفشل الحلول المرحلية؟
الحلول المرحلية التي تُسوّق على أنها "خطوات نحو السلام"، تصبّ في صالح إسرائيل لعدة أسباب:
- تمنحها هدوءًا أمنيًا مؤقتًا دون التزام سياسي نهائي.
- تُبقي غزة تحت رقابة مشددة، سواء عبر قوات دولية أو إدارة مفروضة.
- تؤجل إلى أجل غير مسمى أي بحث جدي في إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة.
بهذا المعنى، تتحول "المرحلية" إلى أداة لتفريغ المطالب الفلسطينية من مضمونها، وتثبيت الاحتلال بأشكال جديدة.
الشعب الفلسطيني: الاستثناء المأساوي..
كل شعوب الأرض تقريبًا تمتلك كيانًا وطنيًا مستقلًا أو شبه مستقل، إلا الشعب الفلسطيني. هذه الحقيقة الصادمة تجعل أي حديث عن "تهدئة" أو "إدارة انتقالية" ناقصًا وبعيدًا عن الحل النهائي. إنكار الحق الفلسطيني في وطن معترف به، هو جوهر استمرار الصراع منذ أكثر من سبعين عامًا.
النتائج المتوقعة مستقبلاً إذا استمر المسار الحالي..
- تكرار دوامات الحرب: غياب الحل النهائي سيؤدي إلى عودة العنف كل بضع سنوات، لأن جذور الأزمة تبقى دون معالجة.
- مزيد من فقدان الثقة: سيزداد شعور الفلسطينيين بأن المجتمع الدولي عاجز أو غير راغب في إنصافهم، مما يفاقم القطيعة السياسية ويضعف أي فرص للتسوية.
- تعميق الانقسام الداخلي: فرض إدارة خارجية على غزة قد يوسع الهوة بين الفلسطينيين أنفسهم، ويضعف الموقف الوطني الجامع.
- أزمات إنسانية متجددة: دون رفع الحصار وإعادة الإعمار، ستبقى غزة بؤرة معاناة إنسانية عالمية، ما يغذي التطرف ويدفع المنطقة إلى مزيد من الفوضى.
الخلاصة..
الخطة الأميركية، وسائر الحلول المرحلية، لا تحمل أفقًا حقيقيًا للسلام. هي محاولات لإدارة الأزمة، لا لحلها. ولن ينصف الغزيين ولا الفلسطينيين عامةً سوى الاعتراف الكامل بحقهم في العيش بكرامة داخل وطن مستقل، يضمن لهم السيادة والأمن كبقية شعوب العالم. وحتى يتحقق هذا، سيبقى كل وقف لإطلاق النار مجرد هدنة هشة تؤجل الانفجار ولا تمنع وقوعه.
اللهم اني كتبت وحللت وأستنتجت وأن كنت مخطئا فيقوموني..