آخر الأخبار

بين برنارد لويس ودونالد ترامب، سنوات عجاف وفوضى خلّاقة:

شارك

بين برنارد لويس ودونالد ترامب، سنوات عجاف وفوضى خلّاقة:
كتبه: محمد سليمان
في مطلع العام 2005 أدلت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس لصحيفة الواشنطن بوست بتصريح أذهل العالم وقلب الطاولة حتى على أقرب حلفاء أمريكا، وكشفت الستار عن مشروع يُعدّ لمستقبل الشرق الأوسط وشرق آسيا، وقالت بالفم المليان: إن نظرية الفوضى الخلّاقة أصبحت أولوية للسياسة الخارجية الأمريكية، وهو نواة مشروع يهدف إلى نشر الحرية والديموقراطية في العالم العربي، وتلى ذلك التصريح العمل على تشكيل ما بات يُعرف بالشرق الأوسط الجديد.
يرى الكثير من المحللين بأن المشروع قد بدأ تنفيذه فعلياً عقب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، مروراً بثورات الربيع العربي، وصولاً إلى يومنا هذا.
فالبعض يرى بأن الهدف من الفوضى الخلّاقة هو إيجاد حالة من البلبلة والهرجلة والهوج، تهدف إلى الضغط على الأنظمة القائمة ثم إسقاطها، والتي يعتبر العم سام بأنها من مخلّفات الحقبة السوفياتية وقد حان الوقت لاستبدالها بجيل جديد يتناغم مع العصرنة الغربية.
وذهب فريق آخر إلى استنتاج مغاير مفاده: أن الفوضى الخّلاقة تهدف إلى إشعال فتيل نزاعات دينية وطائفية وعرقية تتحول إلى حروب أهلية، تُجهز على ما تبقى من وحدة للشعوب وعلى كل أشكال التعايش بين الفرقاء، وهو ما سيُفضى إلى تقسيم المنطقة إلى دويلات وثكنات متناحرة، لا يمكن التكهّن بمصير المنطقة إذا ما وقع.
وفريق ثالث ذهب إلى أن الهدف غير المعلن هو إسقاط القوة الدفاعية لتلك الدول، وهو ما عززه وجود تيارات إسلامية "قطبية" تتبنى فكرة صاحبها سيد قطب بأن الحيوش العربية ما وجدت إلا للدفاع عن هذه الأنظمة ولتضمن بقاء زعماء العرب على كراسيهم.
ولنفهم الاستراتيجية الأمريكية طويلة النفس، لا بد أن نزيل الالتباس الحاصل عند من تبقى من رعايا سياسات البيت الأبيض، والذين لا زالوا حتى يومنا هذا يؤمنون بحيادية الغرب عموماً والولايات المتحدة بإداراتها المتعاقبة خصوصاً! ولفعل ذلك لا بد من طرح السؤال الأكبر: كيف لصنّاع القرار الأمريكي تبني أفكار برنارد لويس؟ ومنذ متى كانت نظرياته تتداول في أروقة السياسة الأمريكية؟
برنارد لويس المستشرق اليهودي الأستاذ في دراسات الشرق الأوسط في جامعة برنستون البريطانية، المتخصص في التاريخ الإسلامي وتأثيره على الحضارة الغربية لم يكن مجرد أستاذ فخري أو محاضر في الجامعة، بل هو عرّاب نظرية الفوضى الخلّاقة، وهو الذي طالمى سعى السياسيون من المحافظين الجدد كجورج بوش إلى أخذ مشورته، سيما وأن ثمة توافق في سياستهم المعنية بالتدخل وبالقوة في الشؤون الدولية بذريعة إحلال السلام ونشر الديموقراطية.
ولو اقتبسنا بعضاً من درن ما قال وكتب لويس، واشتغل بضراوة على نشره في المجتمعات الغربية، لتبين لنا فداحة ما يتبناه تيار كبير من المحافظين والصقور، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يقول لويس: إن العرب والمسلمين قوم متخلفون، فاسدون، مفسدون، من المحال تحضرهم، ولا يمكن التعامل معهم على أساس أنهم حضارة، فلا جدوى من حوار الحضارات والتبادل الثقافي، فلا غنيمة تأتي من العرب والمسلمين، ولا قيمة حضارية يمكن ان تُضاف للغرب منهم، والسبيل الوحيد للتعامل معهم هو إعادة استعمراهم، وغزوهم فكرياً وعسكرياً للإجهاز على ثقافتهم بغي تدمير أفكارهم وعقائدهم الراديكالية المتطرفة، وفي حال أخذ الولايات المتحدة الأمريكية هذه المهمة على عاتقها، فلا بد من استفادتها من التجربة البريطانية والفرنسية، وتجنب الوقوع في ما وقعت به الدولتان من أخطاء استراتيجية أهماها عدم تفتيت المنطقة إلى دويلات وإمارات قائمة على أسس دينية وطائفية أو قبلية، وليكُن شعار المرحلة: إما إخضاعهم بالقوة أو الوقوع في نفس الخطأ الفرنسي البريطاني في إعطاء العرب والمسلمين فرصة في إنشاء دول وأنظمة عملت على تصدير عقيدة الإسلام "الفاسدة" بهدف تدمير الحضارة الغربية، ويجب تضييق الخناق على العرب والمسلمين ومحاصرتهم واستثمار الخلافات الطائفية والعرقية والقبلية قبل أن ترتد هذه الشعوب على الغرب وتغزوا مجتمعاته، نهاية الاقتباس.
من سمع ترامب بالأمس على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة عندما انتقد عمدة لندن صادق خان، وادعى بأن لندن ذاهبة إلى الشريعة الإسلامية، وقبله إسائة المبعوث الامريكي توم براك للصحفيين اللبنانيين وتشبيههم بالحيوانات، وقبله من شبه الناس بالحيوانات البشرية التي لا تستحق الحياة، سيجد تطابقاً بين تصريحاتهم وبين كلام لويس!
ما بات ثابت عندي هو أن ترادف التصريحات وتواتر الأفكار يشي بأن المسألة عقدية بامتياز، وإن نظرة الغرب للعرب والمسلمين هي نظرة فوقية استعلائية، وما العلاقات الثنائية والتحالفات مع العرب والمسلمين إلا علاقة السيد بالعبد مع الأسف!
وإن أخطر ما يمكن لعاقل أن يتصوّره هو أن يتحول أي صراع إلى صراع ديني، وذلك لأن الصراعات الدينية بطبيعتها لا تتسم بصراع على أرض وحدود، بل على عقيدة ووجود! فهي معادلة صفرية يسعى كل طرف إلى إلغاء الأخر بكل السبل التي تبيحها شريعته، فلا قواعد تضبط إيقاع الصراع، ولا سقف يُمنع تجاوزه، وهذا ما نراه اليوم واقعاُ.
بضع أسئلة وجب طرحها:
هل ثمة نفع من الأنظمة العربية؟
هل هذه الأنظمة قادرة على حماية نفسها فضلاً عن أن يكون لها دور فاعل في إدارة الصراع؟
هل هذه الأنظمة عاجزة أم متواطئة مع الجلّاد؟
لكن في المقابل:
هل هنالك خيارات أخرى لدى هذه الأنظمة غير الدخول في صراع تجنّبته عشرات السنين؟
هل خوف الأنظمة العربية من مقارعة الجلّاد مبررة؟ حيث أنها تخشى السقوط، والسقوط يعني بالضرورة فوضى، والفوضى سرطان بات ينهش جسد الأمة وينتشر فيها كالنّار في الهشيم!
هل البديل عن هذه الأنظمة جماعات الإسلام السياسي التي لا تصلح أن تقوم على حارة فضلاً عن قيادة دول؟

مصدر الصورة


هل البديل هو دعشنة دول الجوار وإذكاء نار الفتنة الطائفية حتى تحرق الأخضر واليابس؟
في النهاية أنا احمل تصوراً أدعوا الله أن أكون فيه على صواب، ولن أصرح به تجنّباً لنقاشات أستغني عن خوضها، وهذه دعوة لكل من يقرأ كلامي بأن يكوّن تصوراً أشمل وأوسع من النظرة الحزبية الضيّقة، وأن يفكر خارج صندوق التيّارات الدينيّة بتصوّراتها القاصرة، فمنذ بدايات الربيع العربي استشرفنا الخير ولاعبت بشاشة الأمل قلوبَنا، ومع الأسف، تكشفت لدى الكثير حقائق أدهشت كل عاقل، وتبين لنا أن وراء الأكمة ما وراءها، فأموال ضُخت، وإعلام سُخّر، وفتاوى جُهّزت وسُيّرت حسب رغبات جهات بعينها، ومثقفون وضعوا أنفسهم في مزاد علني في سوق نخاسة يموّل بالبترودولار!

كتبه: محمد سليمان

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا