يقول مؤسس الحركة الصهيونية تيودور هرتزل في مذكراته أنه فشل ثلاث مرات في محاولاته للقاء السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، إلاّ انه نجح في المرة الرابعة. ولكن لماذا إصرار هرتزل على لقاء السلطان العثماني؟ والجواب يأتي على لسان هرتزل نفسه: للتخلي عن فلسطين لليهود. وماذا فعل الصهيوني هرتزل؟ قدم للسلطان عبد الحميد الثاني ستة عروض مغرية جدا يسيل لها لعاب كل حاكم عربي، لكن السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله رفضها جملة وتفصيلا ولم يهتم بها، الأمر الذي يعكس عظمة هذا الرجل وموقفه المبدئي تجاه فلسطين. فما هي هذه العروض المغرية:
مائة وخمسون مليون ليرة إنجليزية رشوة خاصة للسلطان عبد الحميد الثاني، سداد جميع ديون الدولة العثمانية البالغة ثلاثة وثلاثين مليون ليرة إنجليزية ذهبية، بناء أسطول لحماية الإمبراطورية العثمانية بتكاليف قدرها مائة وعشرون مليون فرنك ذهبي، قرض بخمسة وثلاثين مليون ليرة ذهبية دون فوائد لإنعاش مالية الدولة، بناء جامعة عثمانية إسلامية في القدس وآخرها تهدئة الأوضاع في الغرب حول قضية اضطهاد العثمانيين للأرمن والتي أثيرت في فرنسا وإنجلترا.
وماذا كان رد السلطان عبد الحميد الثاني؟ نظر إلى كل هذه العروض وقال: "على تيودور هرتزل ألا يتقدم خطوة واحدة أخرى في هذا الشأن، لا أستطيع بيع بوصة واحدة من البلد لأنه ليس ملكي." ويقول التاريخ انه طرد هرتزل ورفض مقابلته مرة أخرى رفضاً تاماً. صحيح أن الدولة العثمانية انتهت، لكن أحفاد السلطان عبد الحميد الثاني في تركيا وريثة الخلافة العثمانية، أخرجت رجالاً لا يقلون أهمية عن سابقيهم. الرئيس التركي رجب طيب أردوغان له مواقف عديدة في هذا الشأن، وهذا ليس دفاعا عن أردوغان فهو ليس بحاجة لي أو لغيري للدفاع عنه،
نتنياهو غاضب جدا من أردوغان وهذا ليس بجديد على بيبي، لأن كل ما يفعله أردوغان على الصعيد الفلسطيني يغضب نتنياهو. لكن غضبه الحالي من أردوغان، يعود لنقش تاريخي يسمى "نقش سلوان" وهو محفوظ حاليا في متحف إسطنبول. وقد رفض أردوغان تسليمه لإسرائيل وأفهم نتنياهو ان تركيا لن تسلم إسرائيل أبدا هذا النقش الأثري التاريخي، بقوله:" لن نعطيكم حجراً واحداً من القدس ولن نعطي حتى حصاة واحدة تعود للقدس الشريف"
لم تكن هذه المرة الأولى التي يسعى فيها نتنياهو لاستعادة النقش. فقد كشف نتنياهو انه حاول استعادة القطعة الأثرية هذه عام 1998 عندما كان اردوغان رئيسا لبلدية إسطنبول لكن أردوغان رفض ذلك رفضا قاطعا وأسمع نتنياهو ما لم يسمعه من حاكم عربي بقوله: "القدس هي شرف وكرامة وعزة للمسلمين وللإنسانية جمعاء"
تصوروا وقاحة نتنياهو. فهو لم يفهم أن رفض أردوغان تسليم النقش الأثري هو موقف سياسي للدولة التركية، ورغم ذلك حاول أيضا عام 1998 مع رئيس الوزراء التركي مسعود يلماظ. واعترف نتنياهو بأنه عرض عليه ثروة من القطع الأثرية العثمانية مقابل نقش سلوان لكن يلماظ رفض.
السلطان عبد الحميد الثاني (العثماني) لم يتخل عن فلسطين والرئيس رجب أردوغان (التركي) لم يتخل حتى عن قطعة أثرية من القدس، بينما الحكام العرب تخلوا عن فلسطين وقدسها. هكذا تكون مواقف الرجال، وليتعلم الحكام العرب من هذه المواقف.