آخر الأخبار

الدعوة بالقدوة

شارك

مقال: الدعوة بالقدوة
الشيخ محمود وتد
عضو حركة الدعوة والإصلاح

الحمد لله الذي بعث في الناس رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وجعل من شخصه الشريف قدوةً وأسوة، والصلاة والسلام على من قال الله فيه: ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾.

إنَّ الدعوة بالقدوة هي أبلغ أساليب الدعوة وأقواها أثرًا في النفوس. فالكلمة قد تلامس الأذن، لكن السلوك هو الذي يلامس القلب، والناس لا يتأثرون بما نقول بقدر ما يتأثرون بما نكون.

لقد فطر الله البشر على حبِّ الصدق ونفورهم من التناقض؛ فإذا دعا الداعية إلى مكارم الأخلاق وهو أول العاملين بها، صدّقه الناس، أما إذا دعا بلسانه وخالف بفعله، نفروا منه ولو زخرف القول. ولهذا قال أحد الحكماء: حال رجلٍ في ألف رجل، خير من قول ألف رجل في رجل.

القدوة في القرآن والسنة

مصدر الصورة

تتزاحم الآيات بنماذج القدوات؛ فإبراهيم عليه السلام كان إمامًا يُقتدى به في الإيمان والصبر: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾124،البقرة، ويوسف عليه السلام كان أسيرًا في السجن، لكنه دعا إلى التوحيد بسموِّ أخلاقه وصبره وعفته حتى شهد له من حوله: ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾36،يوسف،

وأعظم قدوةٍ على الإطلاق محمد ﷺ، فقد عرفه قومه قبل البعثة بـ"الصادق الأمين"، فلما نزل الوحي، لم يجدوا صعوبة في تصديق دعوته؛ لأن سيرته كانت أبلغ برهان. وحين فتح مكة وقد مكنه الله من رقاب أعدائه، قال لهم: "اذهبوا فأنتم الطلقاء". فتكسّرت سيوف البغضاء على صخرة العفو، ودخل الناس في دين الله أفواجًا.

أثر القدوة في نشر الإسلام

لم ينتشر الإسلام في جنوب شرق آسيا أو أفريقيا بالكتب والخطب، بل بالتجار الذين جسّدوا الإسلام في أمانتهم وصدقهم ورحمتهم. لقد كانت موازينهم في البيع والشراء أعدل من كل خطبة، ووفاؤهم بالعهود أبلغ من كل كتاب، فشهد الناس لهم قبل أن يشهدوا لدينهم، ثم ما لبثوا أن قالوا: "دينٌ أنجب مثل هؤلاء لا يكون إلا حقًا".

وحتى اليوم، ما زالت القدوة الحسنة أوسع أبواب الدعوة. فالمسلم في بلاد الغربة حين يكون رحيمًا، صادقًا، ملتزمًا بقوانين البلد ما لم تخالف دينه، يصبح سفيرًا صامتًا للإسلام. والطبيب المسلم إذا عامل مرضاه برفق، والمعلم إذا اتسع صدره لطلابه، والأب إذا كان رفيقًا بعدله وحكمته، كل هؤلاء دعاة إلى الله دون أن يصعدوا المنابر.

كيف نكون قدوة؟

أن نكون قدوة يعني أن نبدأ بأنفسنا، فنهذبها قبل أن نوجه غيرنا. نكون أمناء في أعمالنا، صادقين في معاملاتنا، رُحماء بأهلنا وجيراننا، متواضعين مهما علت مناصبنا. وأن نجعل من بيوتنا مدارس للتربية العملية؛ فالولد يتعلم من سلوك أبيه أكثر مما يتعلم من وصاياه، والبنت تقتدي بأمها قبل أن تحفظ مواعظها.

قال الحسن البصري رحمه الله: "إنما هلك من كان قبلكم حين علموا ولم يعملوا". فالعلم بلا عمل وبال، والدعوة بلا قدوة خواء، وأيّ دعوةٍ أعظم من أن يرى الناس الإسلام حيًّا يمشي على الأرض في شخصك وسلوكك؟

خاتمة

إن الدعوة بالقدوة ليست مهمة الدعاة فحسب، بل هي رسالة كل مسلم، صغيرًا كان أو كبيرًا، في بيته أو سوقه أو عمله. فكل ابتسامة صادقة، وكل نصيحة برفق، وكل موقف أمانة، هو دعوة إلى الله بغير كلام.

فلنكن دعاةً صامتين قبل أن نكون خطباء متحدثين، ولنذكر دومًا أن الإسلام لم يفتح القلوب بالسيوف ولا بالكلمات وحدها، بل فتحها بأخلاقٍ صادقة، وقلوبٍ عامرة، وقدواتٍ صالحة.

﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت: 33].

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا